نحتاج إلى الوقوف على ما كتبه الشاعر والمفكر العربي الكبير أدونيس في كتابه «النظام والكلام»، وأنقله حرفياً، ضمن باب «أخلاق»: «هناك صحف ومجلات يفترض فيها أن تكون مؤتمنة على الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته وكرامته، فيما تمارس ثقافةً لا تتيح لأي شخص أن يكتب ما يشاء كما يشاء وحسب، بل إنها تتيح أيضاً لأي شخص أن يجرّح أو يتهم أو يشتم من يشاء بالألفاظ التي يشاء وبالمستوى الذي يشاء».
لن تجد فرقاً كبيراً في خلاصة ذلك الكلام بين بلد عربي وآخر. الثقافة في تلك الصحف محصورة على الكتابات التي تمجّد أو تلك التي تكون غارقةً في التنظير بحيث لا يلتقطها أحد ولا خطر أو مسئولية أو مساءلة من وراء ذلك. في النادر من تلك المنابر ما تجد نصاً إبداعياً ذا قيمة.
وحتى عديم الذكاء أو الذي لا يتمتع إلا بالبسيط والضامر منه، يمكنه أن يلحظ ذلك التواطؤ والاتفاق على حجب ومنع ومحاربة كل كتابة أو نص يغرد خارج السرب وخارج منظومة التآمر تلك.
تحول تلك الصحف والمجلات إلى موضع ومساحة التقاء نفايات ما يصدر عن مدفوعي الأجر يضع هذه المنطقة من العالم أمام حقيقة ليست مشرّفة على الإطلاق. حقيقة أن كل شيء قابل للبيع وبعض البشر ليس استثناء في الهوس والانهيار الأخلاقي الذي نراه في أكثر من منبر ونافذة إعلامية تتم من خلالها الإطالة على الناس، وضمن ذلك التوجه والمسار، تتم مصادرة وعي الناس وذبحه وإعادة تدويره.
من الأدوار الخطيرة التي تطلع بها الثقافة، لا يمكن أن يتم التعامل بتلك المزاجية والذهنية المريضة مع كتابات تهدف إلى التنوير مقابل التعتيم، والتبيين مقابل التضليل، والحقيقة مقابل الكذب والدعاية الرخيصة والترويج المليء بالإسفاف واحتقار عقليات البشر.
فرض نوعية وتوجه الكتابات على الناس، وإجبارهم على قراءة ما يجرح حسهم ويستهزئ بوعيهم ويتلاعب به، أمر، وترك تلك النوعية من الكتاب تسرح وتمرح وتمنح المساحات والأعمدة والصفحات كي تمارس شتائمها وأحقادها وفشلها وتصفية حساباتها مع مجموعات أو حتى أكثرية في المجتمع والأمة، باتت ممارسة مكشوفة تنفق عليها الملايين لكن مردودها على من يتولاها ويسهر وينفق عليها في النهاية، صفر، مهما منحت له الوقت كي يناور ويسوّف، إلا أن أمر إفلاس تلك العينات لا يحتاج إلى ذكاء طبيعي أو صناعي لكشفه وتعريته.
الكلمة التي تنبع من الصدق وطهارة التوجه والحرص على صلاح أمور الناس والبلاد لن تبتز الجهة التي تكتب لديها، لأنها تنطلق من دواعٍ أخلاقية وإنسانية وقيمية. والكلمة التي تسوّد الصفحات طعناً وشتماً وعبثاً بوعي الناس لن تجد ما تكتبه في تغيّر الأحوال والأوضاع، ولن تكتب أساساً إذا تم تجفيف المنابع التي تتلقى منها أجرة انحطاطها الأخلاقي.
ولم تغب عنا مزايدات سوق كتابات الشتائم حتى وقت قريب، في تناحر وتآمر دار بين العينات نفسها، دفعت أطرافاً إلى الانعزال لأنها ترى أن قيمتها في بورصة الشتائم أكبر مما حُدّد لها، وبقي آخرون على استعداد لزيادة جرعة الخسّة والبذاءة والشتم، وتحقّقت طلباتهم في ارتفاع قيمتهم في تلك البورصة. لكن، هل حقاً ارتفعت قيمتهم إذا كانوا من دون قيمة أساساً بالمقياس الأخلاقي وبمقياس الضمير؟
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4548 - الأربعاء 18 فبراير 2015م الموافق 28 ربيع الثاني 1436هـ
و ماذا عن
و ماذا عن الذين يحصلون على الأموال من الغرب ليزعزعوا الأمن و الاستقرار في عالمنا العربي باسم حقوق الانسان
حصن دارك و لاتتهم جارك
دايما