دونما يكون معمارًا عاديًّا فحسب، متحف موقع قلعة البحرين العمران الذي يقتبسُ من الحياةِ ذاكرة حضاراتها وشعوبِها، ومن طبيعة البلاد بحرًا ممتدًّا ومزارعَ نخيل. هذا المتحف حيث موقع العاصمة الدّلمونيّة ومنجم أختامِ الحضارات البحرينيّة، استكمل اليوم الأربعاء (18 فبراير / شباط 2015) عامه السّابع، بتفاصيل تاريخيّة جميلة ونسجٍ حميمٍ اتّصل بأهالي البحرين وزوّار المملكة عبر مقتنياته العريقة والنّادرة، وأنشطته المتواصلة التي حملت الموسيقى، النّدوات، اللّقاءات الفكريّة والثّقافيّة والمحطّات الاجتماعيّة وغيرها.
وعن هذه الذّاكرة، أكّدت رئيس هيئة البحرين للثّقافة والآثار الشّيخة ميّ بنت محمّد آل خليفة: (إنّه العام السّابع للطّفل الأوّل للثّقافة، وثاني متحفٍ بحرينيّ يكرّس كلّ تفاصيله لاستعادة أجمل صياغات الحضارات والشّعوب. سبعة أعوامٍ وهذا المكان ذاكرةُ الوقتِ الجميل، ومختزَلُ الأمكنة بآثارها ومدنها العتيقة ومواقعها العريقة، وهو صوت ومرأى البشر، بعاداتهم، تقاليدهم، حكاياتهم وأحداثهم الزّمنيّة التي ليست للنّسيان)، وواصلت: (متحف موقع قلعة البحرين الشّاهد الأجمل على قلعة البحرين ومدينتها الدّلمونيّة التي سُجّلت عام 2007م على قائمة التّراث الإنسانيّ العالميّ كأوّل موقعٍ تراثيّ بحرينيّ، لذا فهو بدايةُ السّيرة لجعل هذه الحضارات التّاريخيّة مشاعةً بجمالها وعمقها ومقوّماتها لكلّ العالم).
وأوضحت الشّيخة ميّ بنت محمّد آل خليفة أنّ متحف موقع قلعة البحرين يمثّل أيضًا مشتركًا وطنيًّا التقت فيه الثّقافة ببنك أركابيتا التي دعمت المشروع وحوّلت هذا الحلم إلى حقيقة، وقالت: (هذا المعمارُ الأوّل للثّقافة هو صنيعنا مع بنك أركابيتا الذي حملَ معنا ذات الحلم والرّؤى، والذي نتوجّه إليه اليوم بعميق الشّكر والامتنان في ذكرى المتحف السّابعة، حيث ندركُ عميقًا أنّنا بذلك وضعنا مساحةً للحياةِ تستلهمُ محيطها التّاريخيّ وجمال الطّبيعة وعفويّة النّاس لتكون واحدةً من أجمل الأمكنةِ في البحرين)، مؤكّدةً: (هذا التّكامل الذي حقّقناه معًا استمرّ في العديد من المشاريع الأخرى، وهنا فعلُ الجمال الحقيقيّ، أن تستبدلَ العاديّ بالمدهش، العابر بالدّائم، المتسارع بالثّابت، العالميّ المكرّر بخصوصيّة الهويّة البحرينيّة. الثّقافة والتّاريخ والحضارات بكلّ الأدواتِ هي وسيلتنا لأن نجعلَ من البنى التّحتيّة الثّقافيّة والسّياحيّة تجربة رائدة على خارطة العالميّة).
وعلى مدى السّنوات السّبع، استبدل متحف موقع قلعة البحرين الفكرة الاعتياديّة للمتحف وكونه مزارًا أو وقفًا للتّأمّل بتحويله من حارسٍ زمنيّ إلى صديقٍ للإنسان، لا ينتظرُ مجيء زوّاره، بل يبادرُ إلى خلق روابط عديدة، ونسج علاقة إنسانيّة تعيدُ السّكان إلى جذورهم وتستعيد علاقات الانتماء إلى الأجيال السّابقة والأمكنة القديمة وصنيع الحضارات والشّعوب. وتتمثّل أنسنة هذا الموقع عبر العديد من الاستراتيجيّات العمرانيّة والتّفاعليّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والسّياحيّة التي ساهمت في تغيير المفهوم المحيط بالمتحف، وجعله جزءًا هامًّا من يوميّات العديد من النّاس والزوّار، ووجهةً سياحيّة للقادمين إلى مملكة البحرين. وضمن استراتيجيّة الثّقافة لإحياء المكان، فقد صنع القائمون عليه من الأنشطة والفعاليّات التّجربةَ الأكثر شغفًا وانفتاحًا، كونها تكرّس لحياةٍ ثقافيّة واستكشافيّة واجتماعيّة بقلب المتحف، وتنقله من دوره التّقديميّ والاستعراضيّ إلى التّفاعليّ. وقد التفتّ الأحداث الثّقافيّة والفكريّة والبرامج المختلفة حول اهتمامات النّاس وتوقّعاتهم، في إتاحة لأن تكون هذه المساحة مشتركةً مع الجميع، وتنسجم مع مواضيعهم الحياتيّة وتطلّعاتهم، بالإضافة إلى معايشة المناسبات الوطنيّة والمجتمعيّة. وقد تمكّن المتحف منذ تأسيسه من تحقيق ذلك عبر: الأمسيات السينمائيّة، الحفلات الموسيقيّة، جلسات القراءة، المحاضرات والنّدوات، ورش العمل، الحِرَف اليدويّة، عيد الأضحى وغيرها من الفعاليّات التي كانت ملتقى لكلّ العائلات والشّباب. وفي ذلك استلهام من الحياة الطّبيعيّة وتاريخ المكان في الوقت ذاته.
كما ركّز المتحف أيضًا في تأمّلاته ونشاطاته على الصّغار، باعتبارهم الأجيال المقبلة التي تحتاج لاستيعاب الإرث الحضاريّ والإنسانيّ، حيث انطلق الأطفال في رحلاتٍ جميلة إلى العديد من المواقع والمكتشفات الأثريّة، وتعمّقوا في العديد من الأنشطة التي تحمل الهويّة التّاريخيّة والثّقافيّة للمنطقة من خلال نادي أنكيرو للأطفال الذي انطلق كمشروع من هذا المتحف لاستدراج الصّغار إلى عوالم دلمون وتايلوس والبحرين.
ومن الجدير بالذّكر، أنّ متحف موقع قلعة البحرين افتُتِح في 18 فبراير 2008م، ليكونَ شاهدًا على أهميّة الموقع الأثريّ ولحماية الملامح التاريخية وتوثيق الحقبات الأركيولوجيّة التي شكّلت جغرافيا وتكوين هذه المنطقة. يقع المتحف في السّاحل الشّمالي لمملكة البحرين، ويشكّل موقعه الحافّة التي يطلّ فيها على أجمل المشاهد الطّبيعيّة والعفويّة التي تنسجم فيها البيئة البحريّة مع الحزام الأخضر للمنطقة. ويعدّ ذلك من أصدق المناظر التي لم يطلها التّغيير العمرانيّ، مشكّلاً بذلك المتحف مدخلاً إلى تلك المدينة الحضاريّة.
ويتركّز العرض المتحفيّ حول جدارٍ بارتفاع 8 أمتارٍ، يشرح الطّبقات الأثريّة المتراكمة على الموقع، ويتوسّط الجدار 5 قاعاتٍ بحيث يجد الزّائر نفسه يتدرّج بشكل تصاعديّ. ويعرض المتحف 500قطعة أثريّة تُعتَبر من أهمّ المقتنيات المستخرَجة من الموقع خلال التّنقيبات الأثريّة، ومستعرضةً 5 حقب تاريخيّة مرّت على الموقع. كما أنّ التّصميم الشّكليّ والثّلاثيّ لهذا المتحف يقع على طابقين، كلاهما يرصفان لعلاقة ما بين الوجود الداخليّ والطّبيعة المفتوحة في الخارج. ويسمح التّكوين الكتليّ بفتح معبرٍ ما بين القرية الدّاخليّة حتّى الشاطئ، ويكامل المعمارُ بالبيئة عبر نوافذ وفتحات يتسلّل منها الضّوء والظّل.كما يتركُ للهواء أن يمشي داخل المكان في رئة مفتوحة تتنفّس البحر. يتّصل بالمتحف مقهى يطلّ البحر والمناظر المبهرة للقلعة وبساتين النّخيل المحيطة بها.
متحف موقع قلعة البحرين، كائنُ الجمال، وصديق النّاس، الذين يتقاسم معهم قلبه، ويؤمن تمامًا أنّه ليس دخيلاً، بل من قلبِهم أيضًا.
ونعم المرأة
امرأة عن ستين الف رجل شجاعة قوية رفعت سمعة البحرين فلاتخاف من لومة لائم الله يحفظها من كل شر النفوس يارب العالمين