قالت هيومن رايتس ووتش إن جريمة القتل الوحشية لـ21 شخصاً معظمهم من مسيحيي مصر الأقباط، المحتجزين على يد جماعة ليبية متطرفة، هو جريمة حرب ينبغي محاسبة المسئولين عنها. مضيفة أن على السلطات الليبية اتخاذ خطوات فورية لتقديم الجناة إلى العدالة، بقدر ما يتسنى هذا حالياً، كما يتعين على الأمم المتحدة إنشاء آلية للتحقيق في تلك الجرائم وملاحقة مرتكبيها.
كانت الجماعة المسلحة التي احتجزت هؤلاء الرجال قد بايعت تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف (المعروف أيضاً باسم داعش). وتولى مقطع فيديو منشور في 15 فبراير/شباط 2015 استعراض مسلحين يذبحون مجموعة قوامها 21 رجلاً، معظمهم أو كلهم من المصريين الأقباط العاملين في ليبيا، على شاطئ يعتقد أنه قريب من مدنية سرت في غرب ليبيا. وفي 16 فبراير/شباط قالت مصر إن قواتها الجوية نفذت ضربات جوية رداً على جرائم القتل، تستهدف المتشددين الإسلاميين في درنة بشرق ليبيا. وقال أحد سكان درنة لـ هيومن رايتس ووتش إن الضربات الجوية قتلت ما لا يقل عن ستة مدنيين.
وقالت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سارة ليا ويتسن: "عادت داعش تروع العالم بارتكاب جرائم الحرب، وأظهرت انعدام الرحمة في ليبيا هذه المرة. لكن على أي اشتباك عسكري مع داعش أن يتخذ كافة الخطوات الممكنة لحماية أرواح المدنيين".
وقالت هيومن رايتس ووتش أنه على الأمم المتحدة إنشاء آلية للتحقيقات الدولية أو تعيين مقرر خاص للتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في ليبيا، بغية ملاحقتها. وعلى مدعية المحكمة الجنائية الدولية فحص هذه الواقعة مع غيرها من الجرائم الخطيرة المستمرة في ليبيا، بهدف تحديد مدى الاحتياج إلى المزيد من التحقيقات. ويعد قتل المدنيين من جانب أحد الأطراف في نزاع مسلح جريمة حرب.
قال أحد سكان درنة لـ هيومن رايتس ووتش عن طريق البريد الإلكتروني إنه علم بوقوع ثماني غارات جوية، بدءاً من نحو السادسة من صباح 16 فبراير/شباط، استهدفت مجمع شركة "الجبل" في درنة حيث تتمركز قوات شرطة تدين بالولاء للجماعة المتطرفة، ومنطقة شيحة السكنية. وقال ساكن درنة إن الهجمات تسببت في مقتل ستة مدنيين، وبينهم سيدة وأطفالها الثلاثة من عائلة الخرشوفي، وعطية الشاعري البالغ من العمر 68 عاماً، وعصام معيوف، في العشرينات من عمره. وقال الساكن أن والد الأطفال القتلى جُرح ونُقل إلى وحدة العناية المركزة بمستشفى الهريش في درنة. ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الاتصال بطاقم المستشفى لتأكيد هذه المعلومات.
ويتعين على ليبيا ومصر على السواء إجراء تحقيقات في خسائر المدنيين في هذه الغارات الجوية، كما يتعين على مصر اتخاذ خطوات للتقليل من مثل تلك الخسائر.
أما القوات الجوية الليبية الموالية للحكومة المعترف بها دولياً فقد قالت إنها شنت بدورها غارات جوية على مواقع الإسلاميين في درنة يوم 16 فبراير/شباط، فقتلت 40-50 متشدداً. وأصدر رئيس أركان الجيش الليبي بياناً يؤكد التنسيق بين مصر وليبيا في تنفيذ الغارات الجوية في درنة على مواقع المتشددين.
تم الإعلان عن اختفاء الأقباط المصريين، الذين بلغ عددهم 20 على الأقل بحسب صور نشرتها داعش، في ديسمبر/كانون الأول 2014 ويناير/كانون الثاني 2015 في سرت. وفي توقيت أسبق في فبراير/شباط نشرت داعش صوراً في مجلتها الإلكترونية لأشخاص زعمت أنهم المواطنون المصريون المختفون، الذين تم تصويرهم بزي برتقالي اللون راكعين على شاطئ أمام جلادين يرتدون زياً أسود ويلوحون بالخناجر. أما مقطع الفيديو المنشور في 15 فبراير/شباط فقد ظهر فيه نفس المكان ونفس الضحايا على ما يبدو، إضافة إلى ذبحهم بأيدي رجال يرتدون السواد. وكان 13 من الضحايا على الأقل من قرية العور المصرية، بحسب تقرير إخباري حديث، وقد سافروا للعمل في ليبيا لإعالة أسرهم.
وكانت جماعات ليبية متطرفة قد قامت في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 بمبايعة داعش علناً وتنصيب إدارة عمومية وقوة شرطة إسلامية ومحكمة إسلامية في درنة، التي يقولون إنها جزء من ولاية برقة التابعة للدولة الإسلامية. كما قامت هناك بتنفيذ علميات إعدام علنية خارج إجراءات القضاء وعمليات جلد علنية. وتدعي جماعتان أخريان على الأقل الانتساب إلى داعش في ما تشيران إليه باسم ولايتي طرابلس وفزان، وهما على الترتيب غرب ليبيا بما فيه العاصمة، وجنوبها. وقد تبنت تلك الجماعات العديد من الاعتداءات، بما فيها الاعتداء في 27 يناير/كانون الثاني على أحد فنادق طرابلس الفخمة الذي قتل فيه 9 مدنيين واثنين من المعتدين.
وقد تم استهداف المصريين ـ وخاصة معتنقي المسيحية القبطية وسائقي الشاحنات التي تحمل البضائع من مصر وإليها ـ بالاختطاف أو القتل في ليبيا نحو 12 مرة منذ أواخر 2013، بحسب تسلسل زمني أعده موقع "الأهرام أونلاين" الإخباري الإلكتروني. وفي ديسمبر/كانون الأول تم العثور على جثمان فتاة مصرية مسيحية قبطية بعد أن قام مسلحون في سرت بقتل أبويها واختطافها.
وقد تورطت الفصائل الليبية المتشددة في نزاع مسلح بدأ في شرق ليبيا في مايو/أيار 2014 وامتد إلى غربها في يوليو/تموز. وأسفر القتال عن حكومتين متنافستين: الحكومة المعترف بها دولياً المتمركزة في البيضاء في شرق ليبيا، وحكومة أعلنت عن نفسها بتلك الصفة وتسيطر على طرابلس وأجزاء من غرب ليبيا. وتدعي كلتاهما أنها الحكومة الشرعية لكل ليبيا، إلا أن أياً منهما لا تستطيع بسط نفوذها على كل التراب الليبي. وفي تلك الأثناء تجد المؤسسات الليبية، وخاصة القضاء، نفسها في حالة من الانهيار الوشيك في معظم المدن الرئيسية، حيث قامت المحاكم وأفراد النيابة بتعليق أعمالهم بسبب الاستهداف المباشر للقضاة وممثلي الادعاء وتدهور الوضع الأمني العام.
وقد عجزت السلطات المؤقتة والحكومات المنتخبة المتعاقبة عن كبح جماح المليشيات المسيئة التي تكاثرت منذ نهاية انتفاضة 2011 التي أطاحت بالزعيم الليبي معمر القذافي، مما سمح لها بالعمل في إفلات تام من العقاب. وعلى السلطات الليبية الممارسة للسلطة حالياً في شرق ليبيا وغربها أن تلزم قواتها بالامتثال للقانون الدولي واتخاذ كافة الخطوات الممكنة لضمان محاسبة مرتكبي الفظائع، مثل قتل الأقباط وغيرها من الانتهاكات.
كما أن جميع أطراف النزاع في ليبيا، التي تضم الآن مصر، ملزمة بالتقيد بقوانين الحرب، ويُلزمها هذا باتخاذ كافة الخطوات المحتملة لحماية المدنيين. وتعد بعض الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب جرائم حرب عند ارتكابها بنية إجرامية. ويخضع مرتكبو جرائم الحرب، أو من أمروا بها أو ساعدوا فيها أو تحملوا مسؤولية القيادة عنها، للملاحقة أمام المحاكم الوطنية أو المحكمة الجنائية الدولية، المختصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وأعمال الإبادة العرقية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011، بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1970.
ولم تقم مدعية المحكمة الجنائية الدولية، المتمتعة باختصاص مستمر في ليبيا، بمتابعة قضايا إضافية هناك تذرعاً بالمخاوف الأمنية وغياب الموارد كعقبات أمام المزيد من التحقيقات من جانب مكتبها. ومن ثَم فإن تحقيقات المحكمة في ليبيا تظل مقصورة على القضايا المرفوعة منذ 2011 والتي تتضمن مسؤولين من حكومة القذافي السابقة، رغم استمرار جرائم خطيرة قد ترقى إلى مصاف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ويتعين على الدول الأعضاء في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنشاء آلية تحقيقية أو تعيين مقرر خاص بشأن ليبيا للتحقيق في الانتهاكات الحقوقية الجسيمة وواسعة النطاق، بغية ضمان محاسبة المسؤولين عنها. وينبغي للانتهاكات المحتملة أن تشمل تلك التي قد ترقى إلى مصاف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
في 2014 تبنى مجلس الأمن الأممي القرار رقم 2174 الذي يهدد مرتكبي الجرائم الخطيرة بعقوبات تشمل حظر السفر وتجميد الأصول، إلا أنه أخفق حتى الآن في إنفاذ التهديد.
قالت سارة ليا ويتسن: "بدلاً من إطلاق التهديدات الجوفاء، يتعين على الأطراف الدولية الوفاء بما وعدت به من تحديد مرتكبي جرائم الحرب ومعاقبتهم. إن الإخفاق في التحرك الآن يؤدي إلى المزيد من الجرائم المروعة والمزيد من الضحايا المدنيين".