مع تنصيب رئيس جديد لهيئة رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، هو الجنرال جادي أيزنكوت، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس الإثنين (16 فبراير/ شباط 2015)، بتوقعات متشائمة يقول فيها إن «سنوات صعبة» قادمة على إسرائيل وجيشها، في الفترة المقبلة. وقال نتنياهو، موجها كلامه لرئيس الأركان الجديد، خلال كلمة ألقاها في حفل التنصيب: «السنوات الأربع المقبلة ستكون أصعب بكثير من السنوات الأربع السابقة التي مرت» تحت قيادة بيني غانتس، بحسب ما أفادت صحيفة الشرق الأوسط في عددها اليوم الثلثاء (17 فبراير/ شباط 2015).
وأضاف نتنياهو: «الشرق الأوسط يتداعى والدول تتفكك، وفي هذا الفراغ تزدهر إمبراطورية إيران التي تطمح إلى الحصول على السلاح النووي. وفي المنطقة تتنامى بشكل هائل القوى المتشددة التي تتغلغل في كل صدع في الشرق الأوسط وتزداد إصرارا وعنادا ووحشية، وتزداد جوعا للسلطة والنفوذ. وليس مستبعدا أن تسعى هذه التنظيمات للحصول على أسلحة الدمار الشامل أيضا».
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد عينت أيزنكوت رئيسا للأركان، قبل 3 أشهر، رغم أن نتنياهو لم يرضَ به، لأنه مستقل زيادة عن الحد. والمعروف أن أيزنكوت (54 عاما)، من مواليد إسرائيل ولكنه من أصول مغربية بدأ حياته العسكرية كجندي مشاة في لواء جولاني المشهور في الحروب الإسرائيلية كقوة احتلال أساسية. وترقى حتى وصل إلى قيادة هذا اللواء، وعمل سكرتيرا عسكريا لرئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق إيهود باراك في الفترة ما بين عام 1999 و2001، وتولى في تلك الفترة قسطا كبيرا من المفاوضات السرية التي كانت تجري في عدة قنوات مع سوريا. وعيّن لاحقا قائدا لقطاع ما يسمى «يهودا والسامرة»، أي الضفة الغربية المحتلة، وتولى بعد ذلك قيادة مديرية العمليات في رئاسة الأركان (لذلك علق به قسط من الانتقادات للجيش بسبب إخفاقاته في حرب لبنان الثانية)، ثم أصبح قائدا للجبهة الشمالية من 2006 حتى 2011. قبل تعيين بيني غانتس، عرض عليه باراك أن يصبح رئيسا للأركان، فرفض. وقال إنه يرشح غانتس للمنصب «فهو أكثر ملاءمة مني»، فأصبح نموذجا للتواضع يتحدث الجميع عنه.
ويؤكد الخبراء العسكريون أن أيزنكوت شخصية متعددة الاتجاهات، ومن الصعب تحديد هوية آيديولوجية له أو طريق ذي مسار محدد. ويزيد من تعقيد شخصيته أنه مستقل ولا يتردد في قول رأي مخالف في أي إطار، فمن جهة هو يعارض توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية بمبادرة إسرائيلية لإيران، ويصر على أن مثل هذه الضربة يجب أن تتم بقرار أميركي - إسرائيلي مشترك، حتى لو قررت إسرائيل تنفيذها وحدها. وخلال توليه قيادة الجبهة الشمالية كتب إلى نتنياهو «رسالة شخصية» يثنيه فيها عن شن هجوم على برنامج إيران النووي الذي تخشى إسرائيل أن تكون له أغراض عسكرية.
وبحسب صحيفة «هآرتس»، أمس، فقد حذر أيزنكوت من أن شن مثل هذا الهجوم سيتسبب في حرب طويلة مع إيران وحزب الله اللبناني الموالي لها، كما سيضر بالعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وأيزنكوت معروف أيضا بمواقفه الأكثر تشددا، فكان أول مسؤول عسكري إسرائيلي دافع علنا عن سياسة الردع الإسرائيلية التي عرفت باسم «الضاحية» نسبة إلى منطقة الضاحية الجنوبية في بيروت التي تقيم فيها أغلبية شيعية، والتي كانت هدفا لغارات كثيفة مدمرة نفذها الطيران الحربي الإسرائيلي خلال حرب عام 2006. وبعدها حذر أيزنكوت أن «ما حدث في الضاحية الجنوبية سيحدث في كل قرية يطلقون منها نحو إسرائيل. سنستخدم القوة ضد هذه القرية بصورة غير متناسبة ونلحق فيها دمارا هائلا. هذه بالنسبة لنا ليست قرى مدنية وإنما قواعد عسكرية».
وألقى الجيش الإسرائيلي في عام 2006 منشورات تدعو السكان إلى إخلاء الضاحية الجنوبية في بيروت. وجرى استخدام هذا الأسلوب مرة أخرى في العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، والتي كان آخرها في شهر يوليو (تموز) الماضي والتي قتل فيها أكثر من ألفي فلسطيني معظمهم من المدنيين.
وقد وضعه نهجُه الأساسي والمعقّد في أداء مهامّه بوصفه رجلا عسكريا أكثر من مرة في اشتباكات مع رؤسائه، لكنه في المقابل عرف في جميع هذه الخلافات كيف يحافظ على مكانه المناسب في التسلسل الهرمي: رجل عسكري يخضع للقيادة السياسية، ولكنه أدرك جيّدا أيضا حدود القوة وأحكام القانون. آراؤه بخصوص استخدام القوة حذرة ومنضبطة. وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» فـ«ليس هو الشخص الذي سيدفع بالجيش الإسرائيلي، وعلى إثره دولة إسرائيل، إلى مغامرات عسكرية غير ضرورية».