منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011، وأقدام البحرينيين في حراك لا يهدأ، حراك انتهى في بعض حالاته لتغييرات وتحولات كبيرة، لم تبقِ ولم تذر حتى طالت شخصيات ومواقف وكيانات.
وفي حصيلة عامة، تتحدث البيانات عن مخاضات عسيرة، انتهت إلى ولادة كيانات سياسية شبابية، اعتبرها عضو ائتلاف شباب الفاتح يعقوب سليس «بوابة أمل»، لكن هذه المخاضات ألقت بظلالها على العلاقات المجتمعية التي «باتت تعاني من شرخ واضح»، كما تذهب إلى ذلك عضو جمعية الاجتماعيين هدى المحمود.
ليس هذا فحسب، فالمخاضات كانت بالغة التأثير على مواقع وقناعات، فعلت فعلتها هذه المرة عبر نقل أصحابها في بعض الحالات من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
نتحدث هنا عن العمل السياسي وشخوصه، وفي المثال على ذلك يبرز الأمين العام لجمعية التجمع الوطني الديمقراطي (الوحدوي) فاضل عباس، والذي يرد على سؤال لـ «الوسط» بشأن تأثيرات 14 فبراير 2011 على تموضعه الجديد، تحديداً ما يتعلق بالانتقال من حالة الخصومة إلى حالة التقارب مع التيار الديني، بالقول «في آخر مؤتمر لـ «الوحدوي» في 2011، تبنت الجمعية بشكل علني النهج القومي العربي الناصري، وتبنى البرنامج السياسي الذي يقوم بالأساس على النهج الناصري سواء في القومية العربية أو الاشتراكية».
وأضاف عباس «الزعيم جمال عبدالناصر كان داعماً للتيار الديني، وبالتالي فإن العقيدة الجديدة التي تبناها «الوحدوي» في 2011 هي السبب وراء التغيير في التحالفات التي دخلتها الجمعية، بحيث باتت القضية الوطنية أهم بكثير من الاختلاف الإيديولوجي أو الفكري».
وفيما يتعلق بالتأثيرات على نشاط الجمعيات السياسية، قال «قبل 14 فبراير 2011 كنا نعتقد أن الجدية الرسمية متوافرة، وأننا لن نصل لمرحلة استهداف الجمعيات، لكننا وقفنا بعد ذلك على محاولات تطويعها ما أوجد لدينا قناعات جديدة ومواقف مختلفة».
وأضاف «بتنا نرى تعثر مشروع الجمعيات السياسية، في ظل غياب واضح لجدية الجانب الرسمي، عبر حل وتجميد نشاط بعضها، وعبر إعاقة الكثير من الفعاليات التي دعت إليها هذه الجمعيات، مستغلة في ذلك التفسير الرسمي لقانون الجمعيات السياسية».
بعيداً عن «الكبار»، والذين أوجد 14 فبراير الفرصة لمزاحمتهم من قبل جيل الشباب، وصولاً لولادة كيانات لايزال الغموض سيد موقفها، تحديداً فيما خص طبيعة نشأتها، والمآلات التي يمكن أن تستقر عليها.
الظاهرة الشبابية التي ظلت عنواناً حاضراً في الجانبين المعارض والموالي، لاتزال بحاجة للمزيد من الفهم والتفكيك، يشمل ذلك حكايتهم مع السنوات الأربع الماضية، وهل يمثلون بديلاً للعمل السياسي التقليدي ممثلاً في الجمعيات السياسية؟
على ذلك يرد سليس «اتضح لنا ضرورة وجود فكر مختلف ومغاير عن العمل السياسي السائد، والذي مثل فشله في الوصول لتوافقات وطنية خيبة أمل لدى الشارع البحريني، وبات جلياً أن الخلافات السابقة لعبت دوراً في هذا الصدد وكانت لها تأثيراتها البينة».
عطفاً على ذلك، رأى سليس أن «تجديد الدماء يشكل ضرورة، نظراً لعدم ابتلائهم بخلافات الكبار، وللأمل المعقود عليهم في قيادة البلد»، معبراً في السياق ذاته أن «هذا الأمل موجود، فالتجارب تتحدث عن تغييرات دراماتيكية تقلب الليل إلى نهار تماماً كما حصل مع تجربة ميثاق العمل الوطني».
وفيما يتعلق بقدرة الكيانات الشبابية على إنتاج مشروع توافقي، قال «بالنسبة لنا في ائتلاف شباب الفاتح، حين أعدنا التشكيل في يونيو/ حزيران 2013، قدمنا مشروعنا السياسي وهي كمبادرة لاتزال موجودة وتمثل أرضية للتواصل لتوافقات مستقبلية، تراعي الاختلافات بين التيارات الموجودة، وتضع في الاعتبار وضع البحرين في المنظومة الخليجية، وفي الوقت نفسه تتضمن إصلاحات ديمقراطية تحدث نقلة نوعية».
وأضاف «بجانب ذلك فمشروعنا هذا يمتلك من المرونة بما يتيح تطويره والإضافة عليه بما لا يخلّ توازنه».
ورداً على سؤال يتعلق بتوقعاته لمصير العمل الجمعيات السياسية، أجاب «هنالك مخاوف حقيقة في هذا الإطار وتطال الجانبين المعارض والموالي، فهي تعاني من تضييق رسمي، بما يفرض عليها خلع رداء السلبية، والسعي لتحقيق مطالب الناس، وفي حال ظلت تعيش على الأمجاد السابقة فلا تستبعد لأن يطويها النسيان»، منتقداً في هذا الصدد قرار جمعيات المعارضة بمقاطعة الانتخابات النيابية الماضية والذي «سيضعف موقفها وتأثيرها في الساحة المحلية».
اجتماعياً، قالت المحمود إن الحراك الذي شهده فبراير 2011 وبغض النظر عن توصيفه، تضمن إسهام الجميع بوعي وبدونه، في إحداث الشرخ الاجتماعي، حتى بات التوجس بين أبناء الشعب المتنوع هو المهيمن على طبيعة العلاقات، في ظل تخلٍّ واضح عن الأدوار من قبل الوطنيين والواعين.
وأضافت «بالنسبة لنا في جمعية الاجتماعيين، فقد أطلقنا مبادرة «البحرين وطن يجمعنا»، ورغم كل التحديات إلا أننا لانزال نعض بالنواجذ عليها، حتى بعد تراجع الجمعيات المشتركة معنا في المبادرة بذريعة الحاجة للنفس الطويل، وبات البديل شبابي الذين عليهم المعول في الخروج ببلدنا من حالة التشنج واستعادة طبيعتنا المتسامحة».
العدد 4546 - الإثنين 16 فبراير 2015م الموافق 26 ربيع الثاني 1436هـ