وجهت مصر ضربة جوية لأهداف تابعة لـ «داعش» في داخل ليبيا أمس الإثنين (16 فبراير/ شباط 2015) بعد يوم من بث مقطع فيديو يظهر مقاتلي التنظيم يذبحون 21 مصريّاً هناك.
وهذه هي المرة الأولى التي تؤكد فيها مصر شن غارات جوية على التنظيم في جارتها ليبيا، مما يشير إلى أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مستعد لتصعيد معركته ضد المتشددين.
وقال الجيش المصري إن الضربة التي نفذت أمس، وقالت ليبيا إنها شاركت فيها، استهدفت معسكرات ومواقع تدريب، ومخازن أسلحة وذخائر في ليبيا التي أصبحت على شفا الفوضى بسبب الصراع.
وكان مقطع الفيديو الذي نشره موقع إلكتروني يدعم الدولة الإسلامية أظهر 21 مصريّاً مسيحيّاً - كانوا ذهبوا إلى ليبيا سعياً إلى العمل - والمتشددون الملثمون يقتادونهم إلى شاطئ، ويجبرونهم على الركوع ويذبحونهم.
إلى ذلك أعلن البيت الأبيض أمس أن الرئيس باراك أوباما ينوي إنشاء شبكة دولية ضد التطرف العنيف خلال اجتماع كبير يعقد هذا الأسبوع في واشنطن.
القاهرة - أ ف ب
قصفت طائرات حربية مصرية أمس الإثنين (16 فبراير/ شباط 2015) مواقع لتنظيم «الدولة الإسلامية (داعش)» في ليبيا في إجراء وصفته القاهرة بأنه حقها في «الدفاع الشرعي عن النفس» بعد ساعات من إعدام 21 قبطياً على يد هذا التنظيم.
ودعا الرئيسان الفرنسي فرنسوا هولاند والمصري عبد الفتاح السيسي إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي واتخاذ «تدابير جديدة» ضد هذا التنظيم، فيما شددت القاهرة على ضرورة «تدخل صارم لكبح جماح التنظيمات الإرهابية» في ليبيا.
وجاء ذلك فيما وقعت فرنسا ومصر أول عقد لتصدير طائرات رافال الفرنسية إلى القاهرة.
وهذه أول مرة تعلن فيها مصر القيام بعمل عسكري ضد الجماعات الإسلامية المسلحة لدى جارتها الغربية، بعدما نفت لمرات القيام بأي عمل عسكري في ليبيا.
وجاء في بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة أن «القوات المسلحة قامت الإثنين بتوجيه ضربة جوية مركزة ضد معسكرات ومناطق تمركز وتدريب ومخازن أسلحة وذخائر تنظيم (داعش) الإرهابي بالأراضي الليبية وقد حققت الضربة أهدافها بدقة».
وأوضح البيان أن الضربة الجوية جاءت «تنفيذاً للقرارات الصادرة عن مجلس الدفاع الوطني وارتباطاً بحق مصر في الدفاع عن أمن واستقرار شعبها والقصاص والرد على الأعمال الإجرامية للعناصر والتنظيمات الإرهابية داخل وخارج البلاد».
وأفاد شهود عيان وكالة «فرانس برس» إن سبع غارات جوية على الأقل نفذت في درنة شرق ليبيا معقل الجماعات الإسلامية المتشددة.
وأكد قائد سلاح الجو الليبي الإثنين أن 50 شخصاً على الأقل قتلوا في غارات شنتها طائرات حربية ليبية ومصرية على مواقع لتنظيم «داعش» في ليبيا.
وتعذر تأكيد الحصيلة التي أعلنها العميد صقر الجروشي لتلفزيون مصري، من مصدر مستقل.
وصرح الجروشي لقناة «سي بي سي» بأن الطائرات المصرية والليبية استهدفت مواقع تابعة لتنظيم «داعش» في ليبيا، من بينها قواعد ومخازن أسلحة. وصرح للقناة رداً على سؤال بشأن عدد القتلى بين الجهاديين أن «مصر من حقها أن تدافع عن أبنائها وقصفت في درنة...عدد القتلى لا يقل عن خمسين إصابة».
وكانت الخارجية المصرية أكدت في بيان أن هذه الضربات الجوية تمت وفق «حقها الأصيل والثابت في الدفاع الشرعي عن النفس وحماية مواطنيها في الخارج ضد أي تهديد وفقاً لنصوص ميثاق الأمم المتحدة التي تكفل للدول فرادى وجماعات حق الدفاع الشرعي عن النفس».
وأضافت أن «ترك الأمور على ما هي عليه في ليبيا دون تدخل صارم لكبح جماح هذه التنظيمات الإرهابية هناك إنما يمثل تهديداً واضحاً للأمن والسلم والدوليين».
وبث التلفزيون الرسمي لقطات مصورة لطائرات تخرج من مراكزها ليلاً وقال إنها نفذت الهجمات في ليبيا دون الكشف عن نوعها أو مواقع انطلاقها.
من جهتها، اعتبرت سلطات ليبيا غير المعترف بها لدى المجتمع الدولي أن الغارات الجوية «عدوان» و»اعتداء على السيادة» الوطنية. وأعلن المؤتمر الوطني العام (البرلمان المنتهية ولايته) في بيان «ندين بكل شدة العدوان المصري على درنة ونعتبره اعتداءً على السيادة الليبية».
وقال ماتيو غيدار وهو خبير فرنسي في شئون العالم العربي والإسلامي لـ «فرانس برس» إن «هذه الضربات الجوية تنقل مصر إلى رقعة جديدة في مواجهة التنظيمات المتطرفة. أصبح هناك تدويل للمسألة السياسية المصرية وهذا التدويل جاء عسكرياً».
وتابع غيدار المقيم في باريس إن «مصر الآن في حرب مباشرة مع تنظيم (الدولة الإسلامية) وهذا له تداعياته الكبيرة. مصر ستكون بين نار الدولة الإسلامية في سيناء ونار الدولة الإسلامية في درنة. وهو وضع أكثر خطراً من الوضع الراهن».
وكان غيدار يشير إلى الهجمات المتواصلة ضد قوات الأمن المصرية في شبه جزيرة سيناء والتي تتبناها جماعة «أنصار بيت المقدس» التنظيم الجهادي الرئيسي في مصر والذي بايع مؤخراً تنظيم «داعش» واتخذ لنفسه اسم «ولاية سيناء»
وسبق عمليات قتل الأقباط الـ21 تبني «أنصار بيت المقدس» قبل أيام قليلة قتل ثمانية أشخاص ذبحاً في سيناء، الأمر الذي يثبت أن التنظيم الجهادي تمكن من تصدير هذه الأساليب الموغلة في الوحشية إلى خارج «قاعدته» أي المناطق التي يسيطر عليها في كل من سورية والعراق حيث ارتكب فظاعات عديدة مماثلة.
وفي الشريط الذي حمل عنوان «رسالة موقعة بالدماء إلى أمة الصليب» وبثته مواقع إنترنت يستخدمها عادة تنظيم «داعش» يظهر رجال يرتدون ثياباً برتقالية اللون -شبيهة بتلك التي ارتداها رهائن آخرون قتلهم التنظيم في سورية في الأشهر الأخيرة- وقد أجبروا على الجثو على أحد الشواطئ وقيدت أياديهم وراء ظهورهم قبل أن يقوم الجلادون المقنعون برميهم أرضاً وذبحهم بالسكين.
وسادت حالة من الصدمة والحزن البالغ قرية العور الفقيرة في محافظة المنيا (240 جنوب القاهرة) والتي ينتمي إليها نحو 14 من الضحايا الـ21.
وانهار عدد من الأهالي وذوي الضحايا الذين تجمعوا داخل وحول كنيسة القرية غير المسقوفة، وسقط شقيق لأحد الضحايا أرضاً منهاراً بعد نوبة بكاء شديدة، بحسب مراسل لـ «فرانس برس» في القرية.
وقال رجل خمسيني يدعى بشري وهو والد الضحية كرولوس بشري 22 عاماً بحزن وأسى «إبني سافر لليبيا من 40 يوماً. أخبرني أنه ذاهب لجمع المال ليتزوج»، قبل أن يضيف والدموع تملأ عينيه «لقد سافر ليتزوج السماء. يا لحظ المسيح به ويا لحظه بالمسيح».
وأكد الرئيس المصري في كلمته المتلفزة مساء الأحد أن «مصر لا تدافع عن نفسها فقط ولكن تدافع عن الإنسانية بأكملها من هذا الخطر المحدق بها». وزار السيسي صباح الإثنين الكاتدرائية المرقسية لتقديم التعازي لبابا الأقباط في مصر.
وفي ردود الفعل، عبر البابا فرنسيس الإثنين عن «حزنه العميق» بعد إقدام المتطرفين على قتل الرهائن الأقباط في ليبيا «لمجرد كونهم مسيحيين».
من جهته دعا رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي الإثنين إلى رد مدروس في ليبيا بعد محادثة هاتفية مع الرئيس المصري مستبعداً في الوقت الجاري التدخل العسكري.
وقال وزير الدفاع الفرنسي، جان-إيف لودريان قبل مغادرته إلى القاهرة «اليوم ثبت أن هناك مراكز تدريب وتحركات محددة لداعش في ليبيا» مضيفاً أن «ليبيا تقع من الجانب الآخر للمتوسط وهي قريبة جداً منها، ومن هنا ضرورة التيقظ والتحالف مع دول الائتلاف مثل مصر».
كما دانت حركة «حماس» قطع رؤوس الرهائن الأقباط ووصفتها «بالجريمة البشعة».
كما أدان الاتحاد الأوروبي أمس (الإثنين) جريمة قتل المواطنين المصريين في ليبيا على يد تنظيم «داعش» الإرهابي.
بدوره اعتبر الأزهر أن ما أقدم عليه التنظيم المتطرف هو «عمل بربري همجي لا يمت إلى دين من الأديان ولا عرف من الأعراف الإنسانية».
العدد 4546 - الإثنين 16 فبراير 2015م الموافق 26 ربيع الثاني 1436هـ