هل سمعتم من البعض أن أوجاعهم الجسدية تختفي تماماً عندما يُسافرون ويبتعدون عن بلادهم؟ لقد كنا نسمعها من والدي كثيراً رحمة الله عليه، ونحن صِغار، حينما كان يسافر للعلاج، حيث تختفي أوجاعه هناك لدرجة أنه لا يعرف كيف يصفها للأطباء، وتعود تلك الأوجاع بعد رجوعه بأيام عدة. وكنا نضحك ونقول له إنك تتوهم الأوجاع، والغريب أننا ومع كل براءتنا لم نكن مخطئين فيما قلناه، حيث يعود لمواجهة المشاكل. ودعوني آخذكم معي فيما أراه، وكيف وجدت الكثيرين من معارفي يشتكون من الأوجاع المُتحركة والمؤقتة في أجسامهم والتي تتنقل ما بين الكتف وأسفل الظَهر أو وجع الرأس وحتى وجع الأذن والعيون والأسنان... الخ. وتتراوح لمعظم الشرائح العمرية ما بين الشباب وكبار السن، بمن فيهم الأطفال، ولكن أقل حِدة من الكبار، وأنهم حينما يجرون الفحوصات الطبية لا يجدون سبباً عُضوياً لتلك الأوجاع، وقد يشفى البعض إما بالسفر أو بالرياضة أو المُهدئات، لتعود بعدها في أماكن أخرى، بأكثر أو أقل حِدة، اعتماداً على أوضاعهم النفسية. ويذكر أن البحوث العلمية قد أثبتت مؤخراً أن معظم الآلام الجسدية قد تُعزى لأسبابٍ وهمية ناتجة عن الاضطرابات والهموم النفسية بسبب الضغوط اليومية والمشاكل في حياتهم، سواء الشخصية منها أو في مُحيط العمل وعدم سعادتهم لسببٍ أو آخر، والتي يصعب حلها أو تغييرها، والتي قد تكون مرتبطةً بأماكن معيشتهم بدليل اختفائها حال تغيير المكان.
وقد تتزايد هذه الأوجاع مع الوقت أو مع التقدم في السن كوضعٍ طبيعي مع تراكم الضغوط الحياتية، أو بسبب قِلة الأنشطة الدماغية والحركية وتراجع الحالة النفسية أو ما يُعانونه من الهموم بسبب مشاكل الأبناء والتقاعد وإهمال الآخرين لهم... الخ، وعدم قُدرة العقل من التواؤم مع المشاكل الآنية أو السابقة ذهنياً فيقوم بتغطيتها بأوجاعٍ عضوية يختلقها بما يُسمى (refferd pain) لإعطاء الفكر (المهموم نفسياً) بعضاً من الراحة ولإشغاله بآلامٍ أخرى أقل حِدة، وهي أعجوبة خلق الله الجبار لأجسادنا.
إن بعض الآلام النفسية والتي قد يُعانيها البشر مع الوحدة والانغلاق قد تتحسن كثيراً إذا ما شاركوا فيها الآخرين من الأصدقاء المقربين أو الأطباء النفسيين كي لا يتم تخزينها في العقل الباطن (subconcious) والتي تؤرقهم وتؤلمهم في الكثير من الأحيان، ومن ثم بظهورها كالأمراض المتحركة من مكانٍ لآخر بما يُطلق عليها بالأمراض الوهمية (ideopathic pain).
ويقال إن مشاركة الآخرين هو حلٌ لنصف المشاكل دائماً وعلينا الاهتمام بالنصف الآخر منه، بما نراه مناسباً مما ذكرته أعلاه، وقد تفتح الأبواب المُغلقة أو تُيسر التعايش معها، أو أننا نرى مشاكل للآخرين تفوق مشاكلنا قسوةً ونرى معها صمودهم فتهون مشاكلنا ونرضى بقِسمتنا في الحياة ونرى أننا لسنا وحدنا في هذا الكون، ما يُعطينا القوة والصبر ونتوقف عن تعذيب ذواتنا.
أما إذا ما طالت المدة في المُعاناة مع الآلام النفسية والانعزال في زوايا الوحدة والمنزل والاستمرار في الانغلاق على المشاكل قد تغزو الأمراض العضوية الحقيقية والخطيرة هذه المَرّة وتنقلب الحياة حينها هماً وغماً، وكل ما أرجوه هو الانفتاح على جمال هذا الوجود والتمتع مع الآخرين والانخراط بكل ما هو مُفرح، فالحياة أقصر مما نتصور ولا تستحق حمل كل تلك الهموم والأوجاع في هذه الرحلة القصيرة للحياة.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 4544 - السبت 14 فبراير 2015م الموافق 24 ربيع الثاني 1436هـ
كلام صادق وصريح
ممتع جداً الكلام اارجوك د نحن بحاجه للمزيد من هذه النفسيه الفرحة في الكتابة الف شكر يادكتورة
ام حسن
البرمجه اللغوية العصبية نستطيع من خلالها فهم اجسادنا والغور فيها وتساعدنا فى تخطي امراضنا
ام حسن
البرمجه اللغوية العصبية نستطيع من خلالها فهم اجسادنا والغور فيها وتساعدنا فى تخطي امراضنا
رائع جدا وجدا
شكرا دكتورة على المقال الرائع والمفيد والذي يفتح لنا آفاقا وأبعادا عديدة في مسيرة حياتنا وكيفية التعامل معها
شكرا جزيلا
مقال جميل
التوعية بمثل هذه الغوامض الخفية للنفس البشريةصارت ضرورة في متغيرات عصرنا المثخن بهذه الضغوط
صباح الخير :)
حقيقة لا مفر منها حيث نتوهم أعراض المرض و كأننا نلتمسها على أرض الواقع دون أن ندرك أن أسباب الوهم و الشقاء قد تكون في الأصل نفسية، روحية تغزو و تأكل من أجسادنا لتبدو كما نراها عضوية !
مقال رائع، شكرا جزيلا ..
جزاك
الله خير
ام محمد
مقال راااائع