العدد 4543 - الجمعة 13 فبراير 2015م الموافق 23 ربيع الثاني 1436هـ

انقلاب في البناء المعرفي للبشرية في المستقبل القريب

من خلال مناقشة إشكالية فلسفية بالغة التعقيد ترى الباحثة مروة كريدية أن ظهور الفيزياء ما تحت الذرية سيؤدي إلى انقلاب معرفي يغير كل المسلمات التي عهدتها البشرية وستتجه الإنسانية نحو اللافلسفة أي البنى المتشظية لكل الفلسفات الأمر الذي سيغير البنى الفكرية المعهودة ويقدم استراتيجية قيمية جديدة لإدارة الهوية والقضايا والعلاقات بين الدول حيث لن يكون للثوابت والمسلمات مكان في الحياة المستقبلية.

وأشارت إلى أن استشراف المستقبل لعالم يضج بالأزمات والعنف لا يكن إلا عبر فهم البنى الفيزيائية العلمية التي مهدت له وكلها تقوم على «المنطق الكلاسيكي» التي أنتجها العقل اليوناني وفيما بعد استثمرها العقل الغربي ومن ثم العقل العربي أفرزت: الحتمية، المنطق الصوري، الجدلية، الثنائيات، اللوغوس، المادة والصورة. هذا النتاج الكلاسيكي يقوم على محاور قيميّة من أهمها: اختزال الكون إلى منظومة ميكانيكية مؤلفة من مكونات أولية، واعتبار «العلم الوضعي» الطريق الأوحد إلى المعرفة، والنظر إلى الكائنات الحية والتعاطي معها كآلات، واعتبار الحياة المجتمعية صراعاً تنافسياً البقاء فيه للأقوى، الأمر الذي سوَّغ العنف وحوَّل الكوكب إلى مملكة إرهاب ومع بزوغ الثورة الكوانتية والثورة المعلوماتية تكون البشرية قد نحت منحى جذريّاً في تطوير البناء المعرفي ممكن أن يؤدي إلى انقلاب في المفاهيم.

جاء ذلك من خلال أطروحتها العلمية المعنونة: «رهانات السلام... أزمات المنطق وآفاق الكون، قراءة ابستمولوجية في مسألة العنف والكون» حيث نالت مروة كريدية درجة الدكتوراه عن بحثها في الفلسفة من جامعة ابردين الدولية في الولايات المتحدة الأميركية، وقد تناولت في دراستها تفكيك البنى الفكرية المرتكزة على «المنطق الكلاسيكي» الأحادي المنبني على «الفيزياء الكلاسيكية» كما قدمت طروحات جديدة مبنية على مرحلة ما بعد الفلسفة حيث تبرهن الرياضيات المتقدمة على عدم استقرارية النظم الفيزيائية القائمة على تموضع النقطة الهندسية في المكان والزمان، لذلك فإن الكل يكون وحالة اللااستقرار هو أكثر من مجموع أجزائه، وتخلص إلى أنه يمكن استلهام أدوات فكرية استناداً إلى الفيزياء الكوانتية، من خلال أدوات مغايرة لا تستبعد الخبرة الروحية الموجودة في ملكة الوعي الكلِّي الأصيلة في النفس الإنسانية.

وتعتبر الباحثة أن الكائن الإنساني قد تمت «برمجته» من خلال الكم الهائل من المعارف المكتسبة المحملة بالإرث البشري على مر العصور بكل فلسفاته المتباينة وأديانه المتنوعة ومعتقداته المتبلورة، التي تؤكد عبر المنطق المتوارث أن البشر كائنات فردية منفصلة تجاهد في صراع دائم منذ ولادتها كي تعيش بشكل أفضل ولا ينتهي ذلك إلا بالموت، وهذا ما تقبلته الإنسانية كلها!

هذا الصراع سوَّغ العنف وحمّل البشر أوزار القرون الماضية المثقلة بالجراح والخيبة والندم. وفي السياق عينه ترى أن الخروج عن العنف لا يكون إلا عبر فهم الطبيعة الكلية لبنية العالم الخارجي والداخلي، فوعي الإنسان ليس فردياً بل هو وعي الإنسانية كلها.

وقد اعتبر البروفيسور بول إكيرت المشرف على الأطروحة أنها دراسة مستقبلية بامتياز مشيراً إلى أنها تحمل قيمة نظرية كبيرة تمهد لآفاق فكرية غريزة كونها تشكل نواة حقيقية لفهم جديد للكون لأنها لا تنطلق من أسس تقليدية بل من الظاهرة التي تنتمي إلى المنظومة الدينامية المتداخلة وانعكاساتها على المجالات السوسيولوجية والسياسية والعلوم الطبيعية والرياضيات وغيرها تؤدي إلى انقلاب مفاهيمي. ومن جانبها، شكرت الباحثة كريدية لجنة التحكيم والمناقشة ونوّهت بجهود الفيزيائي دبسي الذي ساعدها في عمليات الترجمة العلمية مشيرة إلى أن فكرة الدراسة وخيوطها الرئيسية تعود إلى عام 2000 عندما قررت البحث المعمق في الأسباب الحقيقية المنتجة للعنف في السلوك البشري والمؤدية للحروب حيث وجدت أن المنطق أسر الفكر البشري وسوغ العنف وأضافت أن ظهور الفيزياء الكوانتية واكتشاف الجزئيات الكونية واللانعكاسية في سير الظواهر استدعى انعطافات جديدة في الفكر على صعيد العلوم النظرية لأن مقولة الحتمية اضمحلت تحت وطأة المتغيرات وأن العالم أمام تحدٍّ حقيقي لإيجاد سبل و «لوغاريتمات» أخرى لفهم مسار الظواهر المتشظية.

العدد 4543 - الجمعة 13 فبراير 2015م الموافق 23 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً