لا يختلف أحد أن اهتمام الناس بالإشاعة يعكس خصائص الطبيعة النفسية الإنسانية التي تبحث عن المجهول وترفض الغموض ولا تقبل التمويه أو المراوغة، ولذلك فإن الإنسان يلجأ إلى تفسير كل ما هو غامض أو مجهول بما يتفق مع طبيعته ويلاقي هواه، ولهذا نجده في كثير من الأحيان يتجه لقارئي الكف والفنجان للحصول على إجابات لهذه الأسئلة.

ومن أوائل الدراسات التي قامت في مجال سيكولوجية الإشاعة كان قد أجراها كل من غوردون اولبورت وجويف بوستمان في العام 1947، استنتج الباحثان أن المعلومة تصغر وتتقلص كلما ازداد عدد المتداولين لها بحيث تصبح في النهاية أكثر تركيزاً وأقل صدقية عما بدأت به، وبنى الباحثان هذا الاستنتاج على تجربة عملية أجرياها كانت عبارة عن نشر رسالة شفهية معينة بين عدد من الأفراد ليتم نقلها من شخص إلى شخص واحد فقط في كل مرة ليجدا في النهاية أن تلك الرسالة قد فقدت نحو 70 في المئة من محتواها بعد انتقالها إلى الشخص الخامس أو السادس لتصبح شيئاً مختلفاً تماما ًعن تلك التي أعطيت إلى الشخص الأول.

ومن خلال تدريبي لمجموعات مختلفة من الأفراد حول وسائل التواصل ومعوقاته وأثر الإشاعة وعند تطبيقي لهذه الدراسة، كانت النتيجة مشتركة في الحصول على رسالة مشوهة، وكان هذا يعكس سيكولوجية الأفراد المتدربين للتعامل مع الأحداث بطريقة تعكس شخصياتهم واتجاهاتهم وتعاطيهم غير المحدود مع الإشاعة.

وهناك مستويان من الإشاعات إذا صح التصنيف أحدهم على مستوى الأفراد والآخر على مستوى الجماعات والدول والتي تسمى في مصطلحات أخرى الحرب النفسية، فالآن لم تعد الأسلحة هى المحرك الأول لهذه الحروب، بل الإشاعات، والتي تضعف الطرف الآخر وتساهم في انهياره وخسارته لكثير من الأمور.

إن الإشاعة بمختلف مستوياتها تؤثر تأثيراً سلبياً على المجتمع، ولعل أخطرها على الإطلاق في رأيي الشخصي أنها قد يتم إطلاقها على من نثق بهم، فهؤلاء أكثر خطراً باعتبارهم أكثر تأثيراً في نفوس الآخرين، ومن هنا علينا إحكام العقل في كثير من الحكايا التي تصلنا وخاصة مع التطور التقني الحالي والذي سهل كثيراً وجود هذا النوع من الإشاعات.

فاطمة_السيكولجست: بين إشاعة وإشاعة مجتمعية... هناك تدهور يلحقه تدهور مجتمعي.