بعد تأجيل لأكثر من مرة، صدرت الأحكام في قضية جماعة «الشريعة في بلجيكا» والتي تتعلق بتجنيد وتسفير أشخاص للقتال في الخارج، وخاصة في سورية والعراق، وهي القضية التي تعتبر الأكبر في محاكمات تتعلق بقضايا ذات صلة بالإرهاب من حيث عدد المتورطين في الملف.
ووفقا لصحيفة الشرق الأوسط اليوم الخميس (12 فبراير/ شباط 2015) فإن الأحكام التي صدرت عن محكمة إنتويرب شمال البلاد، تراوحت بين ثلاثة وخمسة أعوام للناشطين و12 عاما لقادتهم، وعلى رأسهم المغاربي فؤاد بلقاسمي. وأيضا أحكام بالسجن مع وقف التنفيذ وغرامات مالية لا تقل عن خمسة آلاف يورو، وكانت البراءة لشخص واحد فقط، وهي سيدة واجهت اتهامات كانت تتعلق بتقديم دعم مادي لابنتها التي تعيش في سوريا.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» حول الحكم الصادر ضد بلقاسمي قال محاميه عبد الرحمن الهلالي: «في الحكم إشارة إلى أن المحكمة قد تعتقد أن جماعة (الشريعة في بلجيكا) منظمة إرهابية، ونحن سندرس منطوق الحكم لنحدد موقفنا من التقدم بطلب للاستئناف».
من جانبها، قالت والدة المتهم بريان دي مولدر، والذي عوقب بالسجن خمس سنوات: «لن أحتج على الحكم ضد ابني».
وأضافت في تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط»: «ولكن بلقاسمي كان له تأثير على ابني وعلى شباب آخرين وسافروا إلى سوريا، والآن يعاقب بلقاسمي بـ12 عاما فقط ليمضيها في سجن أشبه بالفندق الفاخر، أنا آسفة جدا، إنه أمر عجيب للغاية».
وقالت المحكمة، إن جماعة «الشريعة في بلجيكا» تضم عناصر تؤمن بحمل السلاح وإسقاط الأنظمة، وتؤثر على الشبان لإقناعهم بتنفيذ عمليات انتحارية. ووصفت المحكمة هذه الخلية بـ«الإرهابية»، والتي تم تفكيكها رسميًا منذ سنوات، حيث «كان هدفها محاربة الديمقراطية في البلاد وإقامة دولة إسلامية تحكمها الشريعة بدل القانون»، حسبما ورد في الحكم.
وأكدت المحكمة، أن العقوبة الصادرة بحق بلقاسمي تستند إلى الكثير من الوقائع، خاصة لجهة قيامه بنشر أفكار متطرفة بين الشباب، وعمله على تجنيد عدد كبير منهم. وتشير مصادر المحكمة إلى أن القضاة أمروا بملاحقة 37 شخصًا آخر من أعضاء الخلية، يوجدون حاليًا في سورية.
وقالت إن المحكمة لن تسقط الملاحقات القانونية بحق أي شخص من أعضاء هذه الخلية، بما في ذلك هؤلاء الذين أعلن عن وفاتهم في سورية، فـ«لا يتوفر أي دليل دامغ على وفاة هؤلاء فعلاً»، حسب مصادر المحكمة.
وأصبح السؤال المطروح حاليا، هنا هو هل يمكن أن تشكل تلك الأحكام عاملا رادعا يساعد في الحد من سفر المزيد من الشبان للمشاركة في الصراعات الخارجية؟
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال ديمتري بونتياك، والد أحد المتهمين ويدعى جيجيوين وعوقب بالسجن 40 شهرا مع إيقاف التنفيذ: «يجب عدم تفزيع الشباب، وإنما علينا أن نقوم بمسئوليتنا، ونحن هنا في بلجيكا لا توجد خطوات حكومية كافية لمواجهة الفكر المتشدد، ولكنّ هناك صراعا سياسيا بين الأحزاب في وقت يضيع فيه أبناؤنا». واختتم بقوله: «أنا راضٍ عن الحكم الذي صدر ضد ابني ولن أستأنف ضده».
الخبراء القانونيون أكدوا وجود فرصة للاستئناف ضد الأحكام الصادرة، والأمر قد يستغرق عدة أشهر بحسب ما صرح لـ«الشرق الأوسط» المحامي والخبير القانوني كريس ليوكسي. وأضاف: «هناك فرصة 15 يوما لم يرغب في التقدم بطلب للاستئناف ضد الأحكام الصادرة، ويمكن أن يستغرق الأمر من 3 إلى 4 أشهر حتى تتخذ محكمة إنتويرب قرارا في هذا الصدد».
وشملت لائحة المتهمين 46 شخصا منهم 37 حوكموا غيابيا، حيث يقال إنهم في سورية أو قتلوا. ويذكر أنه خلال جلسات المحاكمة منذ 29 سبتمبر الماضي انعقدت ثماني جلسات، وخلالها تمسك الادعاء العام بموقفه من اعتبار جماعة الشريعة، منظمة إرهابية، مؤكدا أنها أظهرت التزاما واضحا بإسقاط الديمقراطية، بينما طالب الدفاع بالبراءة للمتهمين.
وتتحدث أوساط متعددة في البلاد عن وجود ما يزيد على 350 شابا من بلجيكا ضمن المقاتلين الأجانب في صفوف الجماعات المسلحة التي تشارك حاليا في القتال في مناطق الصراعات في سوريا والعراق. وتسببت التهديدات الإرهابية التي تواجهها بلجيكا منذ فترة، في اتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية، ومنها ما يتعلق بكبار المسئولين في البلاد.
وقبل أيام بدأت السلطات البلجيكية تحقيقا حول ما يتعلق بتهديدات من تنظيم داعش بشن هجمات في بلجيكا باستخدام سيارات ملغومة خلال أيام الأعياد والعطلات في الفترة المقبلة، بسبب جلسات محاكمة عناصر في جماعة «الشريعة في بلجيكا»، وفي رسالة وجهت إلى العاهل البلجيكي فيليب، والسياسي بارت ديويفر زعيم حزب كتلة التحالف الفلاماني الفائز الأكبر في الائتلاف الحكومي الحالي، قالت «داعش»، إن ما حدث في فرنسا سوف يتكرر في بلجيكا، وإن السبب في ذلك يعود إلى محاكمة عناصر من جماعة الشريعة في بلجيكا. وأشارت الرسالة إلى أنه جرى تخزين المتفجرات المطلوبة لشن هجمات بالسيارات الملغومة في بلجيكا، ونوهت الرسالة إلى الفيديو الذي جرى بثه من جانب «داعش» قبل أسبوع، وهددت فيه أوروبا بشأن الكثير من الهجمات في بعض الدول.
وفي الأسبوع الماضي قرر مجلس الوزراء البلجيكي إطلاق مهمة فريق عمل من المتخصصين خلال الأيام القليلة المقبلة، لدراسة ملف سحب الجنسية، من المتورطين في أنشطة ذات الصلة بالإرهاب، وفي نفس الوقت تراجعت حدة الجدل الدائر حول نشر قوات الجيش في الشوارع، للمشاركة في عمليات تأمين للمراكز الحيوية ضد أي تهديدات إرهابية، وذلك في أعقاب تصريحات حول هذا الصدد على لسان أعضاء في الائتلاف الحكومي الحالي، وخصوصا من الحزب الديمقراطي الفلاماني.
من جهته، قلل وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون عقب اجتماع للحكومة مساء الجمعة من أهمية هذا الجدل، وقال: «المهم هو أن عملية تأمين المناطق الحيوية تسير بشكل فعال وليس المهم من يقوم بهذه المهمة، سواء كان رجال الشرطة بلباسهم الأزرق أو من الجيش باللباس الكاكي». وعلق قائلا: «المهم أن القطة تصطاد الفئران».
وجاء ذلك في إطار حزمة إجراءات أعلنت عنها السلطات لمواجهة تهديدات إرهابية في أعقاب الإعلان في بلجيكا منتصف يناير الماضي عن إفشال مخططات إرهابية في شرق البلد في مدينة فرفييه كانت تستهدف رجال الشرطة ومراكز شرطة، وجرى إلقاء متفجرات وتبادل لإطلاق النار مع الشرطة من جانب عناصر قالت السلطات إنها عادت مؤخرا من سوريا، وانتهى الأمر بمقتل شخصين وإصابة الثالث واعتقاله، وأعقب ذلك حملة مداهمات واعتقالات في عدة مدن بلجيكية.