يصادف أن تسافر في مهمةٍ ما وحيداً وأنت لا تعرف ستلتقي بمن، ومن سيكون برفقتك طوال مدة سفرك، ولكن ومنذ اللحظة الأولى تجد نفسك واحداً من «شلّة» تكون لك وطناً منذ اللقاء الأول؛ ففي السفر تتقارب الأرواح بشكلٍ غريب، تصادف بشراً تراهم للمرة الأولى، ولكنك تشعر بألفة وكأنك تعرفهم منذ ولادتك.
تجد نفسك محاصراً بجمال قلوب بيضاء ألفتك وألفتها بشكل سريع. قلوبٌ تؤثث أيامك بضحكات متواصلة وسعادة لا تنقطع، وتبعث في روحك جمالاً يشبهها.
في السفر، يصادف أن تطأ قدماك أرضاً تشي بحنينك لوطنك، تشي بنبضك وهو يلقي التحية على أرضه من بعيد، فتفاجأ بها تحتضنك وتحرر شريط الذكريات عن بلادك، تقارن بين هذي البلاد ووطنك، تبحث عن مواضع الشبه قبل الاختلاف، حتى لون التربة ورائحة العشب وطعم الماء وشفافية الهواء، تبحث عن التشابه لتشعر بشيء من الألفة التي تهوّن عليك طعم الغربة المرّ الذي لا يغيره أي شيء برغم لحظات الفرح والتجلي.
في السفر... تصبح عقارب الساعة متواطئة ضدك؛ تنسى أن تتحرك، وحين تفعل تتقمص دور السلحفاة، خصوصاً حين يحين موعد عودتك بعد غياب طويل بحسب مقياس الشوق، فتصبح الدقيقة قرناً من الحنين.
في السفر، تكون كل الوجوه كوجوه أبناء شعبك وأنت تبحث فيها عن ملامح من تحب، تسمع كل صوتٍ يتبختر بلهجة وطنك وأنت تحن لصوت من تحب، تشمّ رائحة عطر من تحب وأنت تتجول في صورهم، تتقمص شقاوة أطفالٍ يسكنونك ببراءتهم فتبحث عنهم في ضحكة كل طفل.
وفي السفر تجد نفسك أمام نفسك فقط، حين تعود لغرفتك وتخصص وقتاً للبحث بداخلك وتقييم يومك وتقييم كل لحظة في سفرك، خصوصاً حين يكون سفراً لعمل أو أداء مهمة.
ولا يكون السفر ممتعاً إلا حين تتجرد من كل أثقالك التي تحني ظهرك وتثقل كتفيك، من كل ما تحمله روحك من شجن، من كل ما ينتظرك من مهمات وواجبات ومسئوليات؛ لتعيش لحظتك وتعيش متعة الوقت وهو يتواطأ عليك ليجعلك تبتسم وربما تصطلي بالشوق، ولكن من يستطيع أن يفعل بشكل مستمر؟
في السفر عليك أن تقبض على كل لحظة وتتمسك بها؛ لأنها ستكون لك زاداً من الذكرى بعد حين.
وفي السفر لابد وأن تكون أنت، أنت الذي تخفي بداخلك ولا تظهره لأسباب عديدة، وحين تكتشفه تضحك من أعماقه، وتفرح من قلبه، وتجن وتعود طفلاً كان في يومٍ ما قبل أن تحيله كهلاً.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4538 - الأحد 08 فبراير 2015م الموافق 18 ربيع الثاني 1436هـ
اهم شي الچاي
أنا اهم شي امبه ويايي دلة چاي احمر في السفر