«شيخوخة الحكومات» هو مصطلح أطلقه بعض المحللين السياسيين عندما انطلقت ثورات الربيع العربي قبل أربعة أعوام، وجاء هذا الوصف في ظل غياب حقيقي لدولة الديمقراطية ومفهومها في دول المنطقة العربية.وعلى رغم أن دولاً كثيرة في المنطقة مازالت تقاوم أي شكل من أشكال التغيير، إلا أن الحديث عن استمرار هذا النوع من المقاومة. ما عاد نافعاً وخاصة أن المتغيرات الاقتصادية بدأت تظهر على سطح مشكلات رجل الشارع العربي. أما بالنسبة للصرف على المواطن كما هو الحال في بعض دول الخليج لن يبقى مستمراً طوال الوقت لأن الدولة أياً كان مسماها ونوعها ستتعب وتشيخ معها السياسات التي من دون شك ستصحب معها ممارسات قد تقضي عليها بالكامل أو تجعلها تتراجع سنوات إلى الخلف دون تقدم واحد.
ولو التفتنا إلى التاريخ الأوروبي وخاصة فيما يتعلق بتطور المجتمعات سياسياً واقتصادياً، فقد دفع مفهوم التطور، التحول نحو الإنتاج من خلال التخلص من أنظمة حياتية وبدائية قيدت تطور المجتمعات. فجميع شعوب العالم، كالألماني والسويدي وغيرهما كانت عبارة عن قبائل وعشائر قبل آلاف السنين، لكنها تجاوزت هذه المرحلة قبل نحو 2000 سنة أو أكثر من ذلك، وأنه إذا كنا اليوم نرى المحللين والأكاديميين الأوروبيين يقومون بالأبحاث والدراسات عن بلدان الشرق الأوسط وأحوالها، ويهتمون كثيراً بدراسة عادات القبائل وتقاليدها في هذه البلدان، فإن واحداً من أهدافهم الأساسية هو أن يكتشفوا أنفسهم، وكيف كانوا يعيشون في أوروبا قبل آلاف السنين من خلال دراسة حياة الشعوب العربية عبر المشهد السياسي الحالي. كما أن المتغيرات العمرانية والانفتاح على الثقافات والشعوب الأخرى وصولاً إلى ظهور المدن قد يؤدي تدريجياً إلى زوال القبيلة كمؤسسة.
وهو لا يعني زوال التقاليد القبلية، فهذه تستمر طويلاً في عادات الناس ولكن للتأثيرات المدنية دوراً في التحول وهو أمر طبيعي ولكن التوقف ضد التطور والإنتاج وحتى التغيير يولد الاحتقان الذي يتحول فيما بعد إلى مصدر إزعاج للحكومات التي بدلاً من أن تعالج مشكلة الاحتقان تتحول إلى دولة بوليسية تقمع. ولا تقف عند هذا الحد بل تذهب في تبني سياسيات تعوق التنمية والانفتاح على الأخر بعيداً عن لغة الإبداع والابتكار.
وبالنظر إلى مستقبل دول الخليج التي مثلاً كانت، في وقت، دولاً فقيرة تعيش على البحر والزراعة وصيد اللؤلؤ وهي اليوم من أكثر الدول ثروة وثراءً لكنها حتى الآن لم تتحول إلى دول مبتكرة تصدر صناعاتها وابتكاراتها على غرار دولة مثل الهند ولم تركز في تطوير أنظمتها السياسية لتواكب التطور. فلا يكفي أن يكون التطور يدور في دائرة العمران وناطحات السحاب فهذا لن يبني مجتمعاً قادراً على الإبداع والابتكار طالما هناك اعتماد كلي على أيدٍ عاملة من الخارج وممارسات تقسم المجتمع على اعتبارات عقائدية وعرقية.
وفي الخليج مازال يتعلم أبناؤها على أكل السمك ولكن لم يتعلموا كيف يصطادوا السمك بطرق إبداعية ومبتكرة لا تؤثر على البيئة أو في إيجاد بدائل قد تحتاج إليها بعد عقود من الزمن. وإذا نضب النفط فإن البدائل موجودة ولا أدل على ذلك من البترول الصخري. ولذا فإن من المهم تهيئة الشعوب نحو ما هو أفضل وما هو قد يطور تلك المجتمعات ويجعلها ترتقي... ولكن في المنطقة العربية مازال الأمر مرهوناً بمدى وحجم عقلية من يصنع القرار السياسي.
ولذا فإن الخليج اليوم بحاجة أكبر إلى بيئة عمل تصنع الإبداع وهذا لن يتم إلا في حال وجود بيئة العمل المناسبة الحاضنة للإبداع البشري والقدرة على الإبداع الذي يصنع الفرق بين الأمم المتقدمة وغير المتقدمة بعيداً عن لغة تتكلم «أنت... وأنتم... هم... ونحن» ولكن لغة تعامل الجميع بالمثل ولا تميز وتفرق أحداً. وخصوصاً في ظل وجود العقلية التي لا تدرك مدى أهمية تحقيق متطلبات الابتكار والإبداع الحديثة وتأثيرها الفعال على المجتمع.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4538 - الأحد 08 فبراير 2015م الموافق 18 ربيع الثاني 1436هـ
جانبك الصواب!..!
ما ذكرتيه"وفي الخليج مازال يتعلم أبناؤها على أكل السمك ولكن لم يتعلموا كيف يصطادوا السمك بطرق إبداعية ومبتكرة لا تؤثر على البيئة "
أبناء البحرين الخلص من يبتكر وعمال المنتفذين من ينتهك. أجزم أن لست على إحاطة بما ايتدليت به كمثال، فتخريل البيئة يعرف من المتسبب بها ...
حل واحد لا شريك له
مناهج التعليم ، لتقويم عقول الأطفال على أساس عقلاني بعيد جداً عن الميتافيزيقيا والماضاوية التي نخرت عقول الصغار والكبار ، لن نصبح في مصاف دول العالم المتحضر الا اذا اعتبرنا وزارة التربية هي وزارة الدفاع والمالية والتجارة والصناعة والنفط نعم هي عقول البشر التي أدت بنا الى النتائج المزرية
شكرا للكاتبة وبئس سياسات الخليج
تحليل ممتع .نفتخر بك كمحللة وكاتبة سياسية من الخليج. محمد بلقاسم -تونس
دول لا تحترم الانسان
كيف نبدع يا اختي وكل شيء يستخدم ضد كل من يختلف في الراي .حتى قناة العرب انتهت بسبب حجة الأعراف الخليجية.أين هي الدولة الحاضنة لحرية التعبير والابتكار؟