العدد 4538 - الأحد 08 فبراير 2015م الموافق 18 ربيع الثاني 1436هـ

العريض يختار رحيلاً هادئاً... وتلاميذه ينعون معلماً ومفكراً سابقاً لعصره

ظل ممسكاً بكراسه حتى الرمق الأخير... مترجلاً وفي جعبته الكثير

الموسوي: فجعنا جميعاً برحيل قامة
الموسوي: فجعنا جميعاً برحيل قامة

شيعت جموع من المعزين، جثمان المفكر التربوي جليل العريض لمثواه الأخير بمقبرة المنامة أمس الأحد (8 فبراير/ شباط 2015)، وسط إجماع على أن رحيله «خسارة فادحة تكبدها الوطن، تحديداً في القطاع التربوي والتعليمي، حيث البروز الأكبر لنشاط الفقيد واهتماماته».

موكب المعزين الذي انطلق من مأتم العريض صبيحة الأمس، شهد حضور عدد من الشخصيات الرسمية والمجتمعية، تصدرها رئيس مجلس الشورى علي الصالح، والذي اعتبر في حديث لـ «الوسط» أن «رحيل العريض خسارة كبيرة، بوصفه رجلاً أفنى حياته في خدمة الوطن»، منوهاً بالتقدير والاحترام الذي تكنه القيادة السياسية لشخص الفقيد حتى آخر أيام حياته، من قبل جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد.

واختار العريض لنفسه رحيلاً هادئاً، رغم ضجيج نشاطه الثقافي والأدبي والتعليمي، ذلك ما يقر به الصالح عبر قوله «هو رجل الحكمة ورجل العقل الذي لا يحب الضجيج، عاش بصمت ورحل بصمت، لكن بصماته ظلت واضحة».

وأضاف «بدأ الفقيد مشواره في التربية والتعليم وظل حتى آخر لحظة من حياته مهتماً بهذا الجانب، فكان صاحب عطاء متدفق، ويعجز اللسان عن تعداد مزاياه، فكان مليئاً بالإنسانية وكان على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب البحريني، تربطه علاقات طيبة مع الجميع، والخسارة في ذلك خسارة لنا جميعاً».

وتابع «كنت تلميذاً عنده عندما كنت طالباً في المرحلة الثانوية، درسنا وتعلمنا وبقينا ننهل من علمه حتى آخر لحظة في حياته، وندعو له بالرحمة والغفران، وأن يلهم الباري ذويه الصبر والسلوان وأن يكونوا خير خلف لخير سلف».

وعن أبرز المواقف التي جمعته بالفقيد العريض، قال «كثيرة هي المواقف التي لا تسعفني الذاكرة في وصفها في هذه اللحظات، فكان من خيرة المدرسين الذي يتفانون في إيصال المعلومة لتلاميذهم، وكان مشاركاً لنا في كل صغيرة وكبيرة، محاولاً عبر ذلك تعليمنا أساليب الدراسة والبحث العلمي، فكان قدوة لنا بكل ما تحمل الكلمة من معنى».

الصالح الذي اعتبر نفسه محظوظاً بتطور العلاقة مع العريض، أشار إلى أن زواجه بأخت زوجة الفقيد، انتهى بمصادقة التلميذ لأستاذه.

في ذلك يقول «أصبحنا (عدايل) وتعززت العلاقة، وهو في ذلك صديق لا يمكن وصفه إلا بالصديق الصدوق، فمنذ عرفته وجدته أميناً صادقاً مخلصاً وملتزماً في عمله، أما عطاءاته فبقيت تترى بتواضع ومن دون مقابل، ولذلك فقد بقيت أتعلم منه حتى آخر دقيقة من حياته».

ورداً على سؤال حول ما إذا كان العريض قد نال نصيبه من التقدير والتكريم، أجاب الصالح «أعتقد أنه قدر، لكنه يستحق أكثر مما نال، وفي جميع الأحوال هو في قلوب الكثيرين من أبناء هذا الشعب، وله مكانة خاصة عندهم».

وفي إطار الولوج لحيثيات أكثر ترتبط بمشوار العريض مع حقل التعليم، كان لـ «الوسط» وقفة مع رئيس الجامعة الأهلية عبدالله الحواج، والذي زامل الفقيد نحو 20 عاماً، كان فيها شاهداً على تفاصيل كثيرة.

يقول الحواج «لا شك في اعتبار العريض أحد رواد التعليم في البحرين، حيث كان من أوائل المتعلمين والمهتمين بذلك، وبحكم عملي معه وقربي منه، وأستطيع القول بكل صدق وأمانة أن البحرين خسرت رجلاً عالماً ونزيها، وفقدت عالماً من علمائها».

وأضاف «بلاشك فقد أثر فينا الفقيد كثيراً، وتعلمنا منه الكثير، فقد وقفت على الكثير من الرؤى التي يمتلكها، بما في ذلك إيمانه ومنذ البداية بأن التعليم صناعة لا مجال للتهاون فيها، لذا كان يعمل في هذا المجال، وكان في ذلك سابقاً لعصره، الأمر الذي اضطره لمواجهة بعض المشاكل في إدارته للجامعة، وعاش أياماً صعبة في آخر حياته».

وعن أبرز السمات التي التصقت بشخصية الفقيد، قال الحواج «علمياً، كان الرجل عالماً، وكان جيداً جداً في علوم إدارة التعليم، أما سلوكياً، فكان صاحب علم وأخلاق».

ولم يتمكن العريض الذي رحل عن عمر ناهز الـ 82 عاماً، من تحقيق جميع طموحاته، وفقاً لتوضيحات الحواج عبر قوله «كنت في زيارة له بمعية بعض الأصدقاء في منزله قبل 3 أسابيع من رحيله، وكان يؤكد لنا أن في جعبته طموحات لم تتحقق بعد، ولذا طلب مني أن أبعث له اللوائح والقوانين الجديدة، معبراً عن أمانيه بأن يقرأ ويكتب في هذا المجال».

وأضاف «كان مقاوماً لعامل الكبر والشيخوخة، ورغم مرضه فقد فوجئت شخصياً برحيله، عطفاً على الزيارة التي وجدته فيها ذا ذهن صافٍ وكان يعرف كل ما يتكلم عنه، كما كان يتحدث بانسياب متطرقاً لآمال يريد تحقيقها، من بين ذلك أن يكون للتعليم في البحرين شأن أكبر مما هو عليه الآن، وكانت تلك آخر كلماته».

وفي إشارات لا تخلو من نقد، أكد الحواج أن المجتمع البحريني يعاني بشكل عام من مشكلة «رحيل الكبار دون كتابة وتفريغ المذكرات»، قبل أن يستدرك ليرجع ذلك لما أسماه «مشاغل الحياة»، مبيناً في الوقت ذاته الحاجة لجهات متخصصة تقوم بهذه المهمة.

وأضاف «فيما يتعلق بالفقيد العريض، كنت أتمنى لو أنه كتب وألف، ولا أعلم إذا ما كان ذلك موجوداً»، مطالباً أبناء الفقيد بالعمل على جمع كل العلوم والمعارف والنظريات التي تحدث عنها، وخاصةً في إدارة التعليم.

وأثرى الأديب تقي البحارنة الحديث ببعض من ذاكرته الوطنية المليئة بالكثير من الأحداث، مبيناً أن «رحيل العريض رحيل يدمي القلب، فقد كان صديق العمر منذ كنا صغاراً، وأنا أتردد على والده المرحوم إبراهيم العريض، حيث نشأت بيننا الصداقة والعلاقة الأخوية والأدبية والعلمية».

وأضاف «كانت بيننا اتصالات فيما يتعلق بالأدب والشعر، وأستطيع القول أن الفقيد العريض كان محققاً بالغاً في اللغة العربية، متحرٍ للدقة بصورة دائمة، كما كان بجانب ذلك طيب القلب لم يؤذِ أحداً، ولم يستغب أحداً، وكان دائم التبسم، وقد زرته قبل أيام من وفاته ووجدته جيد الذاكرة، وتكلمنا في أمور كثيرة وكأنه لا يعاني من المرض العضال، ولكن الأقدار شاءت رحيله الذي يمثل خسارة للبحرين، لا بل للأمة العربية».

من جهته قال الوزير السابق عبدالله جمعة: إن رحيل العريض خسارة كبيرة، فقد أعطى كل حياته للعلم، حتى بات معروفاً لدى الكبير والصغير، وهو في ذلك ابن أبيه، الذي قدم الكثير للوطن، وظل محتفظاً بعلاقات ممتازة مع الجميع.

وأضاف «جمعتني مع الفقيد علاقة معرفة بحكم السكن منذ سنوات في نفس المنطقة، عززت لاحقاً بصلة النسب»، مثنياً على علاقاته الاجتماعية البريئة من أي تصنيف أو تمييز، وحرصه على التواصل مع الجميع وبمحبة، دون فرق بين صغير وكبير.

بدوره، قدم رئيس مجلس الشورى السابق فيصل رضي الموسوي تعازيه في رحيل العريض، معقباً «فجعنا جميعاً برحيل قامة كانت لها إسهاماتها في المجالين الثقافي والعلمي في البحرين، وكانت لها دورها الواضح في تعليمنا ورفد المسيرة التعليمية في البلد».

ثقافياً، كان للعريض نشاطه المحموم في نادي العروبة، كما يقول عضو مجلس إدارة النادي سابقاً محمود القصاب.

القصاب الذي امتدح العريض ثقافياً وعده «قامة من قامات الفكر والثقافة في البحرين والمنطقة بشكل عام»، بين أن نشاطه مع نادي العروبة يمتد لعقود خلت، وفي ذلك يبقى على النادي واجب تخليد ذكرى الفقيد والاحتفاء بمشواره الطويل. وأضاف «أفنى العريض حياته في مجال الفكر والأدب والعلم، فكان أقرب للعالم المثقف الموسوعة، حتى يمكننا القول أن نادي العروبة كسبه، منذ عقود، فهو ابن الأديب والشاعر إبراهيم العريض وهو أحد أعمدة نادي العروبة، وبثقافته وفكره أسهم في إبراز دور النادي وإسهاماته».

وتابع «علاقته بالنادي قوية، وله بصمات واضحة في ذلك، حيث إسهاماته في الندوات وأعمال التأليف، وإثراء الحركة الثقافية، الأمر الذي يدفعنا لاعتبار رحيله مساوياً لفقدان عمود من أعمدة النادي، ومفكراً لا يعوض».

شخصياً، قال القصاب إن العديد من المناسبات جمعته بالفقيد، كانت تربطه به علاقة من نوع خاص، «حتى شكل منهلاً من الثقافة والعلم وكنت أستفيد منه في كل لقاء ألتقي به».

وذكر أن ميزة العريض هي الابتعاد عن الأضواء، رغم قدراته، إذ ظل يقدم عطاءاته بصمت من أجل البلد ومن أجل إغناء الفكر والثقافة. وأردف «وجدت في مجالسته متعة وفائدة، فهو مربٍ ومعلم وموجه، يؤمن بالنقاش والاختلاف دون حدة أو انفعال، وقد تصدى لقضايا كثيرة تختص بالمجتمع والوطن، بما في ذلك قضايا الشباب والمرأة، وفي نهاية الأمر هو سليل عائلة عريقة قدمت الكثير من الكفاءات للوطن في مختلف المجالات، بما في ذلك الشاعر والأديب، والمفكر والسياسي، والطبيب والمهندس، وغيرها من الكفاءات التي لا تزال تتوارث جيلاً بعد جيل».

الصالح لدى حضوره التشييع أمس - تصوير : عقيل الفردان
الصالح لدى حضوره التشييع أمس - تصوير : عقيل الفردان
جموعُ شاركت في تشييع ومواراة جثمان الفقيد في مقبرة المنامة
جموعُ شاركت في تشييع ومواراة جثمان الفقيد في مقبرة المنامة

العدد 4538 - الأحد 08 فبراير 2015م الموافق 18 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:03 ص

      غفر الله له واسكنه فسيح جناته

      نسأل الله له الجنة .. كان إدرايا كذلك من نوع فريد ..

    • زائر 2 | 11:23 م

      عظم الله لكم الاجر

      انا لله وانا اليه راجعون
      كل نفسا ضائقة الموت .... المدرس والمعلم لا يموت وان دفن جسده .. فعلمه يبقى مدى السنون
      تعازينا لاسرته الكريمه ونسال الله ان يلهمهم الصبر والسلوان

    • زائر 1 | 11:22 م

      رحمة الله عليه

      رحم الله الفقيد وغفر له
      نعزي أهل الفقيد برحيل قامة علمية من قامات الوطن

اقرأ ايضاً