شاركت 100 شخصية خليجية في «منتدى الخليج» الـ 35 الذي عقد في الكويت على مدى يومين (6 و7 فبراير/ شباط 2015) تحت عنوان «مستقبل مجلس التعاون الخليجي» بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في حين تأرجحت الآراء بشأن مستقبل مجلس التعاون والتحول إلى الاتحاد.
والمؤتمر السنوي عاد الى الكويت بعد انقطاع عامين، وكان يعقد سنوياً في البحرين ما بين 2001 حتى 2011، ويضم نخبة من المفكرين الخليجيين، وتسلم رئاسته شخصيات مثل المفكر القطري علي الكواري وأستاذة علم الاجتماع منيرة فخرو والباحثة الاماراتية ابتسام الكتبي.
وفي منتدى هذا العام، قدم أمين عام مجلس التعاون سابقاً عبدالله بشارة ورقة عمل بعنوان «من التعاون إلى الاتحاد... أحلام القادة وأوهام الواقع» أوضح فيها أن السيادة شيء مقدس لدى دول الخليج وليست لعبة ولا بد من الإجماع للحصول على الاتحاد، مشيراً إلى أن اللجنة المشكّلة لتشكيل الاتحاد حية ولكنها غير فاعلة.
ولفت بشارة إلى أن الأحداث الأخيرة التي حصلت في العالم غطت على موضوع الاتحاد الخليجي، معبراً عن ألمه لما آل عليه مجلس التعاون، كما عبر عن غضبه لتخشيب المسيرة التعاونية الخليجية.
وانتقد بشارة خلال المنتدى الورقة السعودية حول الاتحاد الخليجي، مؤكداً أنها غير موفقة ومضمونها لا ينسجم مع الواقع وتفتقد للإجماع والاطمئنان. وعقب رئيس جمعية الشفافية البحرينية عبدالنبي العكري «ان مشروع الاتحاد الخليجي لم يعد مطروحا كما كان في البداية».
من جانبها قالت الباحثة الأنثروبولوجية بجامعة البحرين، سوسن كريمي في ورقتها «مستقبل التعاون الخليجي - البعد الاجتماعي»: «إن الاستثمار في الجوانب الإيجابية من الهوية الخليجية وبنائها وتطويرها إلى المواطنة الموحدة، يرتبط باشتراطات بالإصلاحات في البنية التعليمية والاقتصادية ومعالجة قضايا التمييز.
وطرحت الورقة تساؤلاً أساسياً بشأن الهوية الخليجية، وهو: هل هناك هوية/ هويات خليجية؟ وإن كانت موجودة، فهل تمتلك هذه الهوية/ الهويات فرص الاستمرارية والنمو مستقبلاً وبما يتوافق مع بنية الدولة الحديثة وشروط الاتحادات الإقليمية؟».
وتتطرق الورقة إلى بعض من الخصائص التي تميز الهوية الخليجية عامة والشبابية خاصة، وذلك لأن الشباب يمثلون فئة حاملي عبء الهوية المستقبلية، وقارنت الورقة بين الهوية الشبابية البحرينية ومثيلاتها من الخليجية في التعرف على الواقع واستخلاص النتائج.
وعلى فرضية وجود «الهوية الخليجية» الجامعة وذلك على المستوى الشعبي، يسعى بحث كريمي إلى تقصي بعض من ملامح الهويات بين الفئات الشبابية في المجتمعات الخليجية وتلمُّس مدى تقاربها مع بعضها أو تباعدها، ومقارنتها بالهويات الشبابية البحرينية، وعليه إمكانية بناء منظومة مواطنة خليجية مستقبلاً.
وتساءلت: «هل تستطيع هذه الهويات الخليجية تسهيل عملية التحول إلى المواطنة الخليجية الموحدة استناداً على وجود مقومات اجتماعية وموروثات مشتركة بين شعوب منطقة الخليج، أم أن الظروف والتغيرات الاقتصادية والسياسية أفرزت حالات من الخصوصية الاجتماعية بين شعوب دول مجلس التعاون الخليجي.
وخلصت الورقة إلى استنتاج عدة وقائع للهويات الخليجية منها: وجود إرث لغوي، عقائدي، عرقي، ثقافي، وتاريخي يجمع شعوب المنطقة الخليجية والأنظمة الحاكمة وأسس قوية لقيام ثقافة شعبية مشتركة تعرف بـ «الثقافة الخليجية».
كما خلصت الورقة إلى أن التجارب التاريخية المتفاوتة (الثقافية، السياسية، والفكرية) بين مجتمعات دول الخليج أفرزت بنيات ثقافية وطنية تتميز بالخصوصية في كل دولة من دول الخليج.
وأكدت الورقة أهمية الالتفات إلى العوامل التي تلعب دوراً محورياً في صياغة الهويات الشابة في المجتمع الخليجي المعاصر، وأن تطلعات الشعوب الخليجية في التعاون والوحدة لا يعكسها واقع الصراعات والخلافات السياسية بين الأنظمة الحاكمة.
وشددت على أن الواقع الاقتصادي الحالي المتفاوت بين دول الخليج وشعوبها وتفاوت الدعم الحكومي في أنظمة الرعاية والضمان الاجتماعي أدى إلى تفاوت طبقي حاد بين مواطني دول الخليج العربي وحتى داخل الدولة الواحدة.
وقالت كريمي: «إن تبني الحكومات الخليجية منظومة الاقتصاد الرأسمالي الحر وركوب موجة النيوليبرالية القائم على التجارة الحرة والسوق المفتوحة والخصخصة والتحرر من القيود عزز من سطوة وثروات العوائل الثرية التقليدية والمتنفذة والتي تربطها مصالح مع السلطات الحاكمة».
وخلصت الورقة إلى طرح عدة اشتراطات للاستثمار في الجوانب الإيجابية من الهوية الخليجية وبنائها وتطويرها إلى المواطنة الموحدة، وترتبط هذه الاشتراطات بالإصلاحات في البنية التعليمية والاقتصادية ومعالجة قضايا التمييز على مختلف الأصعدة، وبناء المؤسسات السياسية الديمقراطية بما يتطلب المشاركة المجتمعية، إلى جانب تأسيس برامج وبناء استراتيجيات إعلامية تسعى كلها إلى عمارة هوية ثقافية فكرية قومية مشتركة بين دول المنطقة.
ويقوم البحث على المنهج الإنثروبولوجي وهو البحث الإثنوغرافي مستخدماً عدة أدوات من المنهج الكيفي. واستند على طلبة جامعة البحرين كعينة للبحث.
ورأت كريمي أنه «بالنظر لفئة الشباب في البحرين نجد خصائص تميزه عن جيل الشباب في الدول الخليجية الأخرى، كما هو الحال أيضاً بالنسبة للشباب في باقي دول الخليج. ففي البحرين، شعور قوي بين عدد كبير من أفراد المجتمع البحريني، إنه مختلف (إيجابياً وسلبياً) عن باقي شعوب الخليج وله هوية ثقافية وتاريخية تميزه عنهم».
وقالت: «إن من بعض العوامل التي أدت إلى تشكل هذا الحس، وهو أن تكون بحرينياً، إذ إن في الوضع الاقتصادي يرى المواطن البحريني التفاوت الشديد بينه وبين معظم مواطني دول الخليج من حيث الدخل ونوعية الوظائف والسكن والضمانات الاجتماعية، والصحة والتعليم، والخدمات الأخرى، فاشتهر البحريني بين الخليجيين بـ «الهندي» لمزاولته مهناً تمارس في دول الخليج الأخرى من قبل العمالة الآسيوية الوافدة وهي ذات أجر زهيد، وعليه ينظر له الخليجي بحقارة».
وأضافت «إرث النضال والعمل السياسي والنقابي مازال مستمراً في البحرين وبصورة قوية مقارنة بباقي دول الخليج».
وعن وضعية المرأة، أوضحت كريمي أن البحرينية تمتلك مساحة أكبر من الحرية في مختلف المجالات، وذلك على المستوى الشعبي والرسمي، وتتخوف من خسارتها عند تأسيس الاتحاد الخليجي.
وفي جانب «الإرث الثقافي والفكري»، أشارت إلى أن البحريني يرى أنه سبق دول الخليج في التعليم وتأسيس النوادي الثقافية والحركات العمالية والنسائية، فيرى البحريني نفسه إنساناً مثقفاً، لكن «مطحون» في مقابل الخليجي الذي ترعاه دولته وتدللـه.
وكانت الورقة بدأت بالتساؤل عن حقيقة فرضية الهوية الخليجية وهل هي موجودة بين الشباب الخليجي الذي من المفترض أن يلعب دوراً رئيسياً في إدارة المجتمع وبنائه وتنميته مستقبلاً. وإن كانت هذه الهوية موجودة فعلاً فما هي المقومات التي تستند عليها.
وعرضت الورقة عدداً من المقومات الموروثة المشتركة بين مجتمعات الخليج العربي، منها: اللغة واللهجة، والعقيدة، ومنظومة التراث الشعبي، والتاريخ والدم والتزاوج بين العوائل. وشكلت تلك المقومات إرثاً ثقافياً خليجياً مشتركاً وصاغت سمات بارزة (ولكن ليست مطلقة أو جامعة) لما يمكن تسميته بالهوية الخليجية بين الشباب، ودون أن ينفي ذلك تعدد الهويات بين المجتمعات الخليجية وداخل المجتمع الخليجي الواحد. ومن عوامل التعددية في الهويات الخليجية هي الطائفية والعرقية والطبقية.
وأكدت الورقة أن ليس للأفراد أو الجماعات هوية واحدة بل هويات عدة ومتداخلة، والسياقات هي التي تبرز هوية دون أخرى. كما أن الهوية تتغير وتتشكل استجابة أو كردة فعل للظروف المحيطة.
وتطرقت الورقة أيضاً إلى العوامل التي تعصف بمستقبل هذه الهوية وتهدد إمكانية قيام اتحاد خليجي، تلك الموروثة منها كالتمييز الطائفي والعرقي والجنسوي والطبقي، وكذلك المعاصرة منها كمنظومة التعليم التقليدي وهيمنة الثقافة الاستهلاكية ودور «الوكيل الرسمي» الذي يلعبه الإعلام الخليجي في صياغة الهويات الشابة.
واستنتج البحث ضرورة معالجة المنظومة التعليمية والإعلامية وقضايا التمييز على مختلف الأصعدة لضمان تأسيس منظومة اجتماعية وسياسية واقتصادية وقانونية متكاملة تهدف نحو التحول التدريجي إلى الاتحاد الخليجي.
من جانبه قال المشارك في المنتدى محمد بن هويدن: «لا يمكن أن تذهب إلى الاتحاد وأنت تعاني من الفشل في قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية، والتكامل الأوروبي ناجم عن نجاحات».
وأضاف قائلاً: «أنتم تتكلمون عن تكامل إحساس ونحن نتكلم عن الاتحاد، والذي يعد تكاملاً سياسياً وهو أخطر وأصعب المراحل، ومجلس التعاون هو تكتل واقعي وليس تكتلاً قومياً».
وأوضح بن هويدن أن التداعيات الطبيعية لا يمكن أن تتحقق بدون نجاح المسار الطبيعي، مشيراً إلى أن تعدد الأخطار لا يمثل عائقاً وإنما يضفي أهمية حول ضرورة تفعيل مجلس التعاون.
وذكر بن هويدن أن مقارنة الحالة الخليجية بالشروط العامة لنجاح التكامل السياسي غير كاملة، مبيناً أن الحل الوسط لوجهات النظر المتباينة هو في تفعيل مجلس التعاون.
في حين علق فيصل العتيبي بأن فكرة تفعيل مجلس التعاون تظل لابن هويدن واقع ومستقبل الاتحاد الخليجي.
وقال المشارك عبدالخالق عبدالله: «من هو الخليجي؟، كل من ينتمي لموقع جغرافيا الخليج العربي هو خليجي وكل من ينتمي لكيان سياسي اسمه مجلس التعاون هو خليجي».
وأضاف قائلاً: «إن المداخلات متشائمة جداً ومحبطة وغاضبة جداً تجاه واقع ومستقبل مجلس التعاون في الجلسة الثالثة المسائية لمنتدى التنمية المنعقد في الكويت».
وتابع قائلاً: «متى ما بدأت أي مسيرة تكاملية فإن التداعيات الطبيعية لهذه العملية التكاملية هو التحول إلى الاتحاد، إن الاتحاد هو جنين في طور التشكل وهو قادم لا محالة».
أما المشارك غانم النجار فأكد أن هناك تأرجحاً في الآراء بشأن مستقبل مجلس التعاون، إذ إن هناك من هو متفائل ومن هو متشائم، متسائلاً: «هل هناك هوية خليجية؟، مشيراً إلى أن المشاركين اختلفوا في لقاء منتدى التنمية الـ 35 المنعقد بالكويت.
من جهته قال المعتصم البهلاني: «إن مجلس التعاون عزز الانقسام في الهوية الخليجية الخليجية، هناك شعور عام بين المداخلين مختلط بالموقف الرسمي من الاتحاد بين متفائل وبين محبط من العمل المشترك الحالي بين دول المجلس».
وأشاد البهلاني بنظرة عضو اللجنة المركزية بجمعية (وعد) منيرة فخرو التي اتسمت بالتفاؤل والإيجابية اتجاه الشباب الخليجي.
وعلق أحد المشاركين عبر مداخلته مؤكداً أن الدعوة إلى الوحدة بسبب التهديد الأمني يعارض المادة الرابعة والتي تحدد أن التكامل هو طريق الوحدة، في حين أن آخر أكد أن الخلافات بين دول المجلس فوقية، مبدياً أسفه على أنها بدأت تؤثر على الشعوب الخليجية.
العدد 4536 - الجمعة 06 فبراير 2015م الموافق 16 ربيع الثاني 1436هـ