نبات القرم ثروة وطنية وبيئية وركيزة محورية في منظومة التنوع الحيوي، ويدخل ضمن قائمة الاهتمامات الإستراتيجية في المشروع الوطني والإقليمي والدولي البيئي. وتأكيداً على الأهمية الاستراتيجية لهذا النبات في منظومة التنوع الحيوي في مملكة البحرين جرى اعتباره هدفاً رئيساً لشعار يوم البيئة الوطني الذي صادف الرابع من فبراير/ شباط 2015، ويتبنى الشعار «نبات القرم... إدارة واستدامة».
المجتمع الدولي ممثلاً في المنظمات الدولية والإقليمية المختصة في الشأن البيئي والدول بمختلف مناهج عملها وخططها البيئية، يتبنى في المناسبات البيئية شعارات مركزية تجسد منظور البعد الاستراتيجي لخطة عملها السنوية، وتعمل وفق توجهات الخطة التي يجري وضعها بالارتكاز على مؤشرات محددة الأهداف في تبني سياسات مؤسسة في آليات عملها وموجهة في مناهج خططها التنفيذية لإنجاز المحددات الاستراتيجية لأهداف ومضامين الشعار، لمعالجة معضلة بيئية محددة في حاجة إلى تركيز الاهتمام عليها والبحث عن مخارج عملية تمكن من تغيير واقعها البيئي إلى الأفضل، والعمل على تبني إجراءات قانونية وإدارية وتوعوية، وتأهيل وإعادة توازن نظامها الطبيعي.
الحدث الوطني البيئي مناسبة للتأمل والمراجعة، وقراءة الحقائق وتبصر الوقائع، وتشخيص المتطلبات والمخرجات، كما أنه حدث لتفعيل الجهود والشراكة المؤسسية والمجتمعية، والتأكيد المؤسس للإرادة السياسية في تحقيق المنجز الاستراتيجي للعمل البيئي، ومضمون الشعار يلامس في محدداته البعد البيئي والاجتماعي والاقتصادي والسياحي، لصون النظام الطبيعي لنبات القرم. لذلك فمن الطبيعي أن تؤكّد فلسفة الشعار محدّدات خطة العمل التنفيذي الموجهة لإحداث تغيير نوعي في الواقع البيئي لهذا النبات الحيوي في نظام البيئة الساحلية لمملكة البحرين.
نباتات القرم تنمو في منطقة المد والجزر في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية. ووفق ما تشير الدراسات العلمية والبيئية، فإن النبات يتحمّل الملوحة والظروف المناخية الصعبة، وله جذور تنفسية أنبوبية الشكل تساهم في نقل الهواء الجوي إلى النباتات، ولا تتأثر بالمياه التي تغمرها لمدة طويلة خلال فترات المد. ويؤثر في زيادة نمو النبات انخفاض درجة الحرارة وخصوصاً في فترة الشتاء، حيث يتوقف النبات عن النمو وقد يموت. كما أن شدة الرياح وقوة الأمواج تؤثران سلباً على نموه، وتتسببان في الحد من نمو نبات القرم أيضاً، كما تؤثر العوامل المتمثلة في ضحالة التربة الصخرية أسفلها الذي لا يسمح للجذور بالتعمق في الأرض، إلى جانب خطر التمدد العمراني نتيجة عمليات الردم المتواتر للشواطئ والمناطق الساحلية.
ولنبات القرم خصوصية بيئية واجتماعية ومعيشية وسياحية، إذ تشير الدراسات البيئية إلى أنها تمثل مناطق حضانة للعديد من أنواع الأسماك والقشريات مثل الربيان، وهي مصدر مهم للمواد الغذائية، وتساهم في حماية الشواطئ من التعرية وتساعد جذورها على تماسك التربة وتمنع الرسوبيات من النزول إلى البحر وترسبها على الشعاب المرجانية.
التقرير الوطني حول حالة البيئة في مملكة البحرين (2009) تناول في معالجاته بيئة أشجار القرم، وأشار إلى أن «القرم الأسود هو النوع المتواجد في خليج توبلي، وهو المكان الوحيد لتواجد هذا النوع من أشجار القرم، الذي يعتبر تحت تهديد الانقراض بسبب عمليات الدفان للأراضي في خليج توبلي، وما يترتب من تصريف لمصانع غسل الرمال ومحطة توبلي.
كما توجد أنواع أخرى من أشجار القرم في دوحة عراد، وهي تعد الآن موائل اصطناعية بعد قيام إدارة الثروة البحرية بزراعتها في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. ويشير التقرير إلى أنه «من حيث التوزيع فإن أشجار القرم تتركز في ثلاث مناطق رئيسية في البحرين، هي خليج توبلي ودوحة عراد ورأس حيان».
الاستراتيجية الوطنية للبيئة في سياق معالجتها لواقع التدهور البيئي أشارت إلى أن متطلبات التنمية الحضرية في المملكة واجهت مشكلة عدم توفر الرمال اللازمة لذلك، وأدى ذلك الواقع إلى «استخراج وتعدين الرمال البحرية وخاصة من مياه البحرين الإقليمية الضحلة». كما تشير إلى أن ذلك الاستغلال من الطبيعي أن تكون له تأثيرات بيئية كبيرة على كل البيئة الساحلية والبحرية بعد غسل الرمال وإعادة مياه الغسيل إلى البحر، وخصوصاً في خليج توبلي ومحمية سند لنبات القرم، بسبب زيادة عكرة المياه وزيادة سمك الطبقة الطينية القاعية، واستحالة حياة الحشائش البحرية بها، بالإضفة إلى الضغط الواقع على جذور نباتات القرم».
الحقائق والمعطيات تؤكد على مؤشرات التدهور البيئي لمواقع نبات القرم نتيجة العمليات التنموية والأنشطة الأخرى، وتلك معضلة يجري معالجتها في مفاصل القانون رقم (21) لسنة 1996 بشأن البيئة الذي يؤكّد في المادة (1) على «حماية البيئة من المصادر والعوامل الملوّثة، ووقف تدهورها وذلك بوضع الخطط والسياسات اللازمة للمحافظة عليها من الآثار الضارة الناجمة عن الأنشطة التي تؤدي إلى إلحاق الضرر، بالصحة البشرية، والمحاصيل الزراعية، والحياة البحرية والبرية، والموارد الطبيعية الأخرى والمناخ، وتنفيذ هذه الخطط والسياسات، واتخاذ جميع الإجراءات والتدابير المناسبة لوقف تدهور البيئة، ومنع أو مكافحة التلوث البيئي بجميع أشكاله، والحد منه لصالح الأجيال الحاضرة والمستقبلة، من خلال تحقيق أهداف التنمية المستديمة».
الإدارة والإستدامة معادلةٌ أحسن المجلس الأعلى للبيئة اختيارها لإنجاز صون النظام البيئي لنبات القرم، بيد أن الشعار في حاجة إلى خطة عمل مؤسسة الأهداف لتحقيق جودة منجزاته.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4535 - الخميس 05 فبراير 2015م الموافق 15 ربيع الثاني 1436هـ
شكرا دكتور
شكرا دكتور على هذه المعلومات القيمة ونرجوا لك التوفيق في خدمة المجتمع متمنيا لك مستقبل زاهر وفقك الله
الجيل القادم
يجهل حقيقة هذا النبات في البيئة البحرينية نظرا لحذف المحتوى للمادة من المناهج حيث كان يقدم كمادة أساسية في العلوم دون التطرق لاهميته البيئية في خصوصية المجتمع البحريني