عبر حقب طويلة ظنّ الشعب العربي أن مشكلته الأساسية هي مع نظام الحكم السياسي الاستبدادي، سواءً أكان في صورة حكم الغلبة، في الأزمنة الغابرة باسم الخلافة الإسلامية، أو في صورة انقلابات عسكرية باسم حماية الأوطان، أو في صورة حكم الحزب القائد الذي من خلال إيديولوجيته وحدها ستنهض الأمة؛ أو مؤخراً في صورة قوى تحمل راية الجهادية التكفيرية العنفية التي لا تعترف إلا بفهمها وحدها للدّين وللسياسة ولطريق السعادة البشرية.
وفي الأزمنة الحديثة أدرك الشعب العربي أن لديه مشكلة أخرى كبيرة تمثّلت في طبقة أصحاب المال والاقتصاد، الذين بدل أن يستعملوا ثرواتهم في بناء اقتصاد تنموي إنتاجي عادل يعمّ خيره الجميع، انغمسوا في نشاطات اقتصادية تركّزت في مضاربات العقار والأسهم، وفي تسويق منتجات الغير، وفي استثمار الفوائض والأرباح في أرض الغير ولصالح الأغراب. والهدف هو الربح السريع، بأقل جهد، وبأدنى المخاطر، وبتركزه في يد أقلية لا تمارس التشارك والتراحم والتضامن الإنساني. ومن هنا ظلّ الاقتصاد العربي اقتصاداً ريعياً واستهلاكياً، وبالتالي لا تمتدُ أغصانه في الأفق البعيد.
وفي السنين الأخيرة وجد الشعب العربي نفسه أمام مشكلة الكثير من رجالات الدين، المغالين في تشددهم وتزمتهم، المصرّين على الانغماس في المشاحنات المذهبية الطائفية العبثية التي لا تخدم الدين، وإنّما تخدم أهداف القوى الصهيونية والاستعمارية التي تريد الإبقاء على ضعف وتمزق الأمة العربية.
والآن، في هذه اللحظة، يجد الشعب العربي نفسه أمام إشكالية جديدة، إشكالية الكثيرين من القضاة العرب في إصدار أحكام جائزة غير منطقية، وأحياناً انتقامية، خصوصاً بحقّ ناشطي السياسة من شباب وشابات حراكات الربيع العربي، وهذه إشكالية بالغة الخطورة.
ولا يعرف الإنسان إن كان القضاة العرب يدركون أهمية الدور التاريخي الذي يجب أن يلعبوه في هذه المرحلة الحرجة من حياة شعوب هذه الأمة. فإذا كان الشباب قد يئسوا من أن تنصفهم الأنظمة السياسية، ومعها الجهات الأمنية التي تمارس الكثير من العنف والشدة، ويئسوا من المؤسسات الاقتصادية والمالية التابعة للرأسمالية العولمية المتوحشة التي لا تعترف إلا باقتصاد السوق وقيمة التنافسية، ويئسوا من مؤسسات المجتمع المدني التي لم تعرف إلا الصراعات والانقسامات فيما بينها والتي أنهكتها؛ وإلا الانتهازية الزبونية الخاضعة لسطوة السلطة، والتي قادت في النهاية إلى ابتلاع سلطات الحكم لمجتمعاتها. وفي الفترة الأخيرة يئسوا من سلطات التعبير عن الرأي العام الممثّلة في الكثير من وسائل الإعلام المختلفة، والتي في كثير من الأحيان تبرر الظلم باسم حماية الأمن الوطني... إذا كانوا يئسوا من كل تلك الجهات فإن ملاذهم الأخير هو النظام القضائي، الذي يتطلعون إليه ليكون منصفاً وعادلاً.
هنا يتوجُب طرح العديد من الأسئلة: الأول يتعلق بمهمات القاضي، فهل هي لا تزيد عن تفسير القانون وتطبيقه؟ أم أن له دوراً أيضاً في توطيد العدالة؟ وإذا كان القانون جائراً فهل يستطيع القاضي أن يتعايش مع ضميره وربّه إذا قبل بتطبيق أحكامه بدلاً من الاعتراض أو التنحّي أو حتى الاستقالة؟
هل حقاً أن مسئولية الجور والظلم والشدّة في القوانين تقع فقط على كاهل مشرّعي القوانين وليس على مطبّقيها أيضاً؟
السؤال الثاني هو: هل أن حل جزء على الأقل من تلك الإشكالية يكمن في نظام قضائي جديد يعتمد استقلالية القضاء إدارياً ومالياً وتعييناً للقضاة وترقيتهم ومحاسبتهم، بعيداً عن أيّ تدخُل من قبل السلطة التنفيذية في الحكم؟
السؤال الثالث هو: ما مدى الحاجة لإدخال نظام هيئة المحلّفين في المحكمة العربية حتى يكون الحكم على المتهم نتيجة حكم القاضي والمحلفين وبالتالي أكثر توازناً؟
إن إصلاح نظام وممارسة القضاء العربي أصبح أمراً لا يقلُ أهمية عن موضوع الإصلاح السياسي والاقتصادي والديني، ذلك أن أبواب الفرج والأمل في أرض العرب أصبحت تضيق في وجه الإنسان العربي، فإذا سدّ القضاء، أحد الملاذات الأخيرة، فإننا نهيّئ لبراكين من الغضب اليائس الذي سيحرق الأخضر واليابس.
إن أرض العرب تعيش جحيم النواقص الكثيرة في الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية والإعلامية، فهل سنضيف إليها العيش في جحيم نواقص في أهمّ معقل من معاقل الحياة البشرية: معقل العدالة والإنصاف والميزان؟
دعنا نذكّر قضاة أمة العرب بما قاله الإمام علي بن أبي طالب (ع) عندما خاطب عامله في مصر بأن «لا تكونن عليهم (أي الناس) سبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان، إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق». وكذلك بما قاله الصدّيق أبوبكر لعموم الناس: «وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني».
من حقنا على قضاة العرب أن يقوموا هم بمنع بعضهم من أن يصبح سبعاً ضارياً، وبتقويم من يسيء إلى هذه المهنة الربّانية العظيمة.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4535 - الخميس 05 فبراير 2015م الموافق 15 ربيع الثاني 1436هـ
القضاء تبعي وليس مستقل
حتى لو وضعوا هيئة محلفين فستكون تبعيه حالها حال القضاء فمن الواضح ان القضاء يستلم الاحكام جاهزه على طبق من ذهب ب...
لو أسمعت حياً
شكراً لك يادكتور محمد لقد تكلمت عن الأسباب الحقيقية التي تعامي منها أمتنا ولكن الضمائر ميتة عند كافة من تكلمت عنهم ساسة و نخب و قضاة و مابقي الا الألم و الحسرة التي ستنفجر في قلوب الياسين من الاصلاح و ستحرق الأخضر و الابس و سيبكون حين لاينفع الندم .
العدل قوة
العدل أساس الملك .فلا يستقم حكما بلا عدل. ولكم في الحياة عبرة يا أولي الألباب
عجيب
هل الحكومة المصرية مثلا تريد قتل وسجن وإصابة المصريين ؟ أم هل الحكومة البحرينية تريد سجن وقتل البحرنيين ؟ الحكومات مصلحتها في عمل الشعب وإنتاجه وكلما زاد عمل وإنتاج الشعب كلما أصبحت الحكومة أقوى وأغنى، فمن يحرض الشباب على الإحتجام والصبر على القتل والسجن ؟ وتصل لمرحله القول أن الحكومة ستعجز من القتل والسجن وهم لن يعجزون من تقديم الشباب للموت والسجن ! المشكلة أن هؤلاء لا يريدون الحرية والعدل والديمقراطية ولكنهم يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية، فلا تداهنهم فهم أشد ظلما من الحكومات الظالمة.
فات الأوان فلا ملاذ أخير
لم يعد الأمر بيد أحد بعد أن انفجرت الطائفية و التعصب إلا بيد العلماء و المراجع! و جهوا كلامكم إلى هؤلاء فقط ؛ حملوهم المسئولية لما يحدث. بيدهم الحل و العقد ، و الفك و الربط! لا بيد كتاب ولا مثقفين ولا سياسين ولا شعوب ولا حكومات.
القضاة في ظل الانظمة العربية أدوات انتقام وتشفي وتعدي باسم القانون
لو أن الله اوصى القضاة بأن يحكموا بالظلم لما حكموا بهذه الاحكام الجائرة ولو كان القضاة لا يفقهون اللغة العربية لما خالفوا نصوص الدين بهذه الصورة وقبلوا بأن يصبحوا ادوات لتنفيذ السياسة الظالمة ولكن كما يقال ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء
سلطة الظلام لا تختار الا من يشبهها
اوقفوا زراعة الامل الكاذب
التطرّف و الاٍرهاب
لم تعرف الأمة العربية التطرّف و الاٍرهاب الا بعد العام تسعة و سبعين
سيد الناطقين
ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالقرص ولاطمع له الشبع وقال ءأبيت مبطانا وحولي بطون غرثا وأكباد حراء .
الملاذ الأخير قد أغلق
عفوا أستاذنا الكبير فقد أغلق الملاذ الأخير فلنفكر في كيفية فتحه لنر بصيص نور ونسمة هواء وإلا فليبك الباكون وليندب النادبون وليس الفتح بالأمر المستحيل وإن كان شديد الصعوبة ولن يتأتى ذلك إلا بجهود أمثالك وهذا واجبكم حتى لا يصيبنا ما أصاب قوى هود وعاد وثمود ويعم البلاء الأخيار قبل الأشرار