ليس هناك أبشع من تغييب رأي الناس، وتضليل وعيهم بتزييف الواقع من حولهم، إذ يتحركون في حياتهم ضمن ما رُسم في أذهانهم، وخُيّل لهم أنه الطريق الصواب، ومعه تزهق أرواح، وتذهب فرص، وتضيع أعمار، وتسرق أموال، وحين تذهب السكرة تأتي الفكرة، ليذهب الجهد سدى، هذا هو ديدن التاريخ، وهذا مسار أصحاب القوة والنفوذ: الفن في التضليل وبيع الوهم... لكن من يشتريه؟
الوعي كلمة تعني الشعور المصحوب بالعلم والمعرفة، بمعنى أن يكون العقل في حالة إدراك بمحيطه الخارجي، لكن قد يكون الوعي زائفاً، بمعنى أن تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله، بل يدعو غيره ليسير وفق وعيه على اعتبار أنه الأنضج والأوعى.
يعتبر الإعلام الأداة المثالية لتضليل الوعي وقلب الحقائق، فلم يعد دوره الآن مقصوراً على نقل الخبر، بل أصبح أساسه في تحديد اتجاهات الرأي العام في القضايا البارزة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالنشاط الإعلامي من أقدم النشاطات الإنسانية في التواصل بين الجماعات البشرية في حالات التآلف والانسجام أو الحروب والصراعات، إذ لم يكن قرع الطبول إلا إيذاناً للحرب، ولم يكن إشعال النار إلا طلباً للمساعدة، ولا تحمل الحمام الزاجل إلا رسائل الخير والسلام.
في عالمنا اليوم لا يوجد إعلام حيادي، ولكن يوجد إعلام هدفه تشكيل الوعي وآخر تضليله والسيطرة عليه. والتضليل يعني فيما يعنيه عدم تقديم المعلومة المطابقة للواقع كما هي للمتلقي، فالمتحكّمون في إعلام التضليل يسمحون لأنفسهم بإجراء ما يراد تغييره في النص أو في الصورة، وذلك تمهيداً لتغيير المفاهيم والصورة الذهنية للمتلقي، لخلق واقع جديد لديه لا يتصل بالواقع الحقيقي بأية صلة، فيعيش في الوهم.
وهناك أساليب عدة لصناعة التضليل، وهي: التضخيم، والتعتيم، والتكرار، وإثارة الخوف، ولفت الأنظار، والكذب، والإثارة، والخطاب المزدوج. وفي هذا الصدد يشير فيلسوف التعليم البرازيلي باولو فرير إلى أن «الحكام لا يلجأون إلى التضليل الإعلامي إلا عندما يبدأ الشعب في الظهور -ولو بصورة فجة- كإرادة اجتماعية في مسار العملية التاريخية، أما قبل ذلك فلا وجود للتضليل -بالمعنى الدقيق للكلمة- بل نجد قمعاً شاملاً، إذ لا ضرورة هناك لتضليل المضطهدين عندما يكونون غارقين في البؤس».
ادولف هتلر طبق استراتيجية إعلامية فعالة لتعبئة ألمانيا النازية لدخول الحرب العالمية الثانية، وتقوم هذه الاستراتيجية على فكرة أنه «إذا أردت السيطرة على الناس أخبرهم أنهم معرّضون للخطر، وحذّرهم من أن أمنهم تحت التهديد، ثم شكّك في وطنية معارضيك». وأدرك هتلر أن الإعلام هو الوسيلة القادرة على الترويج والتضليل، فعيّن جوزيف جوبلز وزيراً للإعلام، والذي أسس فن الدعاية السياسية وهو المروج للفكر النازي، إذ يقول: «أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعباً بلا وعي»، وهو صاحب المقولة الشهيرة «اكذب ثم اكذب ثم اكذب، لابد أن يعلق شيء مما تقوله في أذهان الناس».
يبقى التضليل كذباً، ولكنه كذب ممنهج، يُراد به ما يراد، فالخبر والمعلومة كالريح إذا مرّت على النتن حملت نتناً، وإذا مرت على الطيب حملت طيباً.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4534 - الأربعاء 04 فبراير 2015م الموافق 14 ربيع الثاني 1436هـ
سلمت يااسناذه
موضوع رائع
موضوع رائع
موضوع رائع، وهو حقا ما جرى وما زال يجري على الشعوب التي تحاول أن تطل من النافذة.
الاعلام سلاح ذوحدين
موضوع جدا رائع
سلمت يداك .
لله الحمد ان هناك الكثير ممن يقرأ رغم أننا امة أقرأ وهناك الكثير ايضا ممن لا يحبون القراءة والاطلاع , الامة الناجية هي من تتمسك بدين قيم دين محمد وآل محمد وتزيده بالمعرفة وطلب العلم والعمل الشريف وبذالك تكون محصنه من التضليل الزائف , ولا يخفى على أحد ان الجبابرة يتبعون أسلوب الكذب والتضليل والتجهييل وتجهيل الناس من اهم اساليبهم المتبعه وتحبيبهم بحب الدنيا الدنيه . خاتون