لا يمكن أن تكون أوطاننا قائمة على المنطق والعقل. أعني الأوطان التي تخرّج طوابير من القتلة والانتحاريين، وقاطعي الطرق والرؤوس، واحتراف تفخيخ المدن، والعمل على الترصُّد لكل حال استقرار في أي أرض يمكن أن تطولها أيديهم. لا يمكن لتلك الأوطان التي تُنجب وتفرِّخ مثل أولئك أن تكون خالية من الوهم والخرافة، واللصوص والقتلة، والمفسدين وتجار الفتن، أو مُحصَّنة من الغرور والغطرسة.
لا يمكن لأوطان بتلك المواصفات، وبتلك القدرة العجيبة على النسيان، وعدم التعلُّم من الأخطاء والدروس، بتعهُّد وتبنِّي تلك المخلوقات المشوَّهة في داخلها، والممتلئة بالقبح، والاستعداد لتحويل ما تبقَّى من فرح شحيح، إلى نعي ومناحات ومجالس عزاء، وتحويل ما تبقَّى من ضوء إلى عتمة، وتحويل ما تبقَّى من ائتلاف واتفاق إلى تشظية لعلاقات البشر في ما بينهم، والبدء بالعلاقات المرتبطة بالدم والأرحام. لا يمكن لتلك الأوطان وللمرة الثانية، أن تكون بمنأى عن الخرافة والوهم.
الأوطان التي نعني من حيث هي موئل للبشر وبيت لهم، والأم التي فتحوا أعينهم على الدنيا لتتلقَّفهم أرضها، فإما إعماراً لها يتوجهُّون، وإما تفتيتاً لأواصرها يعمدون.
ولا تتبدّى الخرافة إلا بالفهم المُجيَّر والمختطف للدِّين الذي لا يشك أحد في أنه واحد من عوامل وأسباب التوازن والانضباط الذي يمكن أن يتحقق للإنسان. حين ينعدم مثل ذلك التوازن، بالاختطاف والتجيير الذي يحدث للدِّين، ستتحكَّم الخرافة في كل التفاصيل، وسيتحكَّم الوهم في حركات وسكنات أولئك. لا خرائط للوهم، كما أنه لا خرائط للخرافة بحيث تُرشد المتوحِّدين بها إلى الجادَّة المُثلى، والطريق القويم، والأهداف التي يعمُّ الخير بتحقُّقها ومثولها.
كثير مما أصَّله الدِّين وأراده أن يشيع بين المؤمنين به، صار نهباً إما للخرافة أو الوهم. وكل ما يشذُّ عن القيم السامية، والروح الإنسانية المنفتحة على البشر والكائنات والعالم كله، لن يتجاوز الاثنين: الوهم والخرافة.
وهْم أن يتم قتل المخالف لتقليص واختزال المسافة إلى الجنة. كأنَّ الطريق إلى الجنة محفوفة بالجماجم ومحيطات من الدماء، ولن يجد أولئك مقاعدهم ومستقرَّهم فيها ما لم يُنجزوا ما يمليه عليهم الوهم - باسم الدِّين - بإشاعة الاضطراب والقتل والموت والدمار. أن يُكفِّروا بشكل اعتيادي، من له فهمه للدِّين أيضاً، كما يُعطون لأنفسهم الحق في الفهم، في تمهيد لإدخال مخالفيهم ضمن قائمة الضحايا الذين سيلقون حتفهم في حافلة للركاب، أو محطة للمترو، أو في سوق شعبية تغصُّ بالذين هم على هامش الحياة.
والإيمان أيضاً بأن الوهم الذي يعيشونه بذلك النمط من الفهم، هو ما سيحقق لهم الاستقرار الذي ينشدون، واستدعاء نماذج ضاربة في الزمن لإدارة شئون البشر الذين هم على شاكلتهم، وفي تحوير وخروج عليها، بالمآلات والطريقة التي تُدار بها تلك الشئون، وكأنهم في معزل عن العالم وحركته وحقيقته!
وخرافة أن تكون الحقيقة حكْراً عليهم، لا ينازعهم فيها أحد، ولا يتجرَّأ شخص من خارج دائرتهم أن يُلوِّح بالحقيقة التي يرى ويؤمن بها، مادامت غير متطابقة معهم.
مرضى الأشكال هم أيضاً. مرضى التشابه في انشداد عجيب وغريب، يلغي واحدة من أنبل السمات وأهمها في الإنسان: الاختلاف الذي يبني، ويعطي للعقل البشري حرية التحرك والبحث والتأمل والقراءة والاستنتاج. هم أسرى التطابق الشبيه بالموتى، والشبيه بشواهد القبور، حيث تتوقف الحياة هناك.
وخرافة أن العالم، كل العالم مدين لهم بالحقيقة التي يمتلكون، وفي الطريق إلى صنع مجتمع مثالي يقوم على الذبح، وفرز العالم، وتنقيته من شوائب ونجس الاختلاف.
لا تكون الأمكنة موبوءة إلا بتسيُّد الخرافة في عصر هتك المعرفة لأسرار العالم. ولا تكون موبوءة إلا بهيمنة الوهم في عالم تجاوز واقعيته إلى خيال يتيح طريقة حياة أفضل لبشره، وأكثر فاعلية وإبداعاً. مثل ذلك التسيُّد وتلك الهيمنة؛ ما يجعل العالم غير صالح للاستهلاك والعيش فيه. ما يجعل الأوطان على براميل من البارود الذي تشعله المخلوقات الدميمة المسوِّقة للخرافة والمروِّجة للوهم!
لا ينقصنا لاكتمال حقيقة المشهد سوى يافطة عند المعابر والمداخل نصها «أهلاً بكم في أوطان الوهْم والخرافة»!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4534 - الأربعاء 04 فبراير 2015م الموافق 14 ربيع الثاني 1436هـ
نعم هي اوطان وهن وخرافة
حين يكون الامن يعني أن الأمن هو فقط لاشخاص محدودين وليس لكل ابناء الوطن فذلك وهم كبير
اكثر من 3000 معتقل سياسي ويتكلمون عن امن في الوطن من اين يأتي هذا الامن وبلد صغير لا يصل شعبه لمليون وهذا عدد المعتقلين فيه وكأن شعب البحرين هو قائد ورائد الارهاب وعكس ما تصفه شعوب العالم بالطيبة
تتعب
وأنت تتكلم..لا حياة لمن تنادي