العدد 4532 - الإثنين 02 فبراير 2015م الموافق 12 ربيع الثاني 1436هـ

إسرائيل: عملية القنيطرة إنجاز قريب المدى لكنه خسارة استراتيجية فادحة

الوسط – المحرر السياسي 

تحديث: 12 مايو 2017

قالت صحيفة الحياة اليوم الثلثاء (3 فبراير/ شباط 2015) إن الوضعية الجديدة التي وصلت إليها منطقة الحدود الشمالية، إسرائيل - لبنان- سورية، بعد عمليتي القنيطرة وشبعا، تعيد رسم الخريطة الأمنية على طرفي الحدود. فقد باتت هناك قواعد لعب جديدة في المنطقة، حتى لو لم يرغب بها رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتانياهو، تجاه ايران وحزب الله. وتلقف حزب الله هذه القواعد وسط غضب عارم على نتانياهو في المؤسسة الاسرائيلية نفسها.

وهذا كله من دون ان تقول إيران كلمتها. فهي ايضاً تعرضت لضربة إسرائيلية، وقتل ضابط كبير لها في عملية القنيطرة. وسيكون لها رد وفقاً لقواعد لعب جديدة، والتقديرات في إسرائيل هي أن هذا الرد سيكون ضخماً بحجم عملية تفجير السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين قبل ثلاثين عاماً.

والغضب في إسرائيل مبني على الشعور بأن عملية القنيطرة لم تكن سوى مغامرة أقدم عليها نتانياهو من اجل مصالحه الشخصية، الحزبية والانتخابية. وستخدم إسرائيل فقط لفترة قصيرة، ولكنها على الصعيدين الأمني والاستراتيجي، ستفتح جبهة حرب جديدة في منطقة ظلت هادئة على مدار اثنين وأربعين عاماً، في الجولان السوري المحتل.

نتانياهو يدرك، وقد أصغى جيداً كبقية الإسرائيليين لخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بأن الحزب غير معني بحرب مع إسرائيل وان الحرب مع لبنان، إنْ وقعت لن تكون بتلك السهولة التي يتحدث عنها بعض الإسرائيليين.

لكن تصريح نتانياهو العنجهي في مستهل جلسة حكومته الأسبوعية، بعد يومين من خطاب نصر الله، والذي هدد خلاله أن أحداً لا يتمتع بحصانة أمام حمم القصف الإسرائيلي لإحباط عمليات وهجمات ضد إسرائيل، إنما هو إعلان عن إشعال هذه الجبهة. وخلال شهر ونصف الشهر، من الوقت المتبقي حتى الانتخابات البرلمانية، سيبقي نتانياهو فتيل الحرب مشتعلاً وسيكون على استعداد لأي تصعيد امني تجاه سورية، لخدمة مصالحه الشخصية وكرسي الرئاسة.

ويرى الإسرائيليون أن مغامرة نتانياهو بفتح جبهة في الجولان المحتل، تشكل خطورة كبيرة في الوضع الذي تعيشه المنطقة، حيث أدت الحرب السورية، وفق تقرير إسرائيلي، إلى ظهور جبهات فرعية جديدة: حزب الله يرسل آلاف المقاتلين إلى سورية لمساعدة نظام الأسد على البقاء، وإسرائيل تعلن أنها ستعمل على منع مرور قوافل الأسلحة من سورية إلى حزب الله في لبنان، ومنظمات المعارضة السورية تسيطر باطراد على غالبية الحدود مع إسرائيل في مرتفعات الجولان، وبعضها يرتبط بعلاقات مع إسرائيل، في حين ترسخ إيران وحزب الله قاعدة لهما على الحافة الشمالية للحدود ذاتها، بهدف توفير قاعدة للعمل ضد إسرائيل في مرتفعات الجولان، وفق التقرير الإسرائيلي الذي يضيف انه نتيجة حالة الاضطراب توافرت لهذه الأطراف شبكة معقدة من المصالح، بعضها جديدة، تقود في بعض الأحيان إلى حرائق مؤقتة.

وفي استنتاج التقرير أن الهدوء المتواصل على مدار 40 سنة في مرتفعات الجولان منذ عام 1973، وسبع أو ثماني سنوات في لبنان بعد حرب 2006 – انتهى ويتوقع استمرار الضربات الدورية: ضربة ورد فعل، يليه رد آخر، وبعدها تجري اتصالات مكثفة من خلال التدخل الدولي في محاولة لتجنب الحرب، وهو ما تعتبره إسرائيل حرب استنزاف خطيرة، وهي حرب يصعب على الجيش الإسرائيلي التعامل معها.

استهداف لبنان

اعتبر عسكريون وخبراء أن أهم ما تضمنه خطاب نصر الله هو تحطيم شروط اللعب السابقة، بخاصة التعامل مع حدود لبنان وسورية مع إسرائيل كجبهة واحدة مشتركة في الصراع ضد اسرائيل. وركزوا على قول نصر الله: «من حقنا الشرعي في الرد على العدوان الإسرائيلي في كل مكان وزمان وبكل الطرق. انتهت لعبة انتم تهاجمون ونحن نرد». وحلل الإسرائيليون هذا الحديث بأن حزب الله يعلن انه يعتبر نفسه حراً الآن في العمل كما يشاء وفي كل قطاع يختاره، وهذا يشمل هضبة الجولان أما الرسالة الثانية من هذا الخطاب، وهي مرتبطة بالأولى، فهي أن جبهة سورية وإيران وحزب الله موحدة.

أما قواعد اللعب الجديدة التي يريدها نتانياهو، وفي مقدمها وضع خطوط حمر، فعلى رغم ما تحمل في طياتها من أخطار وعلى رغم التحذيرات التي توجهها أكثر من جهة إسرائيلية، عسكرية وسياسية، إلا أن نتانياهو يحظى بدعم حولها من جهات ليست قليلة، عسكرية وسياسية. فعندما يدعو غيورا ايلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إلى أن الردع الإسرائيلي يجب أن يكون في إبلاغ رسالة واضحة للبنان بأن أي مواجهة مع إسرائيل تعني تدمير لبنان، كل لبنان، فهذا لا يعني تغيير قواعد اللعب فحسب، بل تصعيداً في حملة تهديدات قد تجلب المنطقة إلى حال تصعيد خطير. اذ يرى ايلاند ان طابع عملية مزارع شبعا، لا يعود إلى حقيقة أن حزب الله ليس معنياً بالتصعيد الكامل، فهو قادر على التصعيد من الناحية العسكرية حيث انه، بحسب ايلاند، يملك قدرات عسكرية مثيرة، لا سيما أن منظومة صواريخه التي تعتبر سلاحه الأساسي لم تتضرر على رغم خسائره الكبيرة في الحرب السورية، لا بل ازدادت قوته كثيراً مقارنة بحرب 2006، وبات يملك كمية اكبر من الصواريخ التي اتسع مداها وقدرتها على التدمير الهائل ومستوى دقتها. ولكن، يرى ايلاند، ان حزب الله لا يتمتع بشرعية كاملة في لبنان لمهاجمة إسرائيل، سواء من جهة سورية أو لبنان.

في إسرائيل خرجت أصوات داعمة لموقف ايلاند. وهناك من وضع اللوم على متخذي قرار حرب لبنان الثانية بمحاربة حزب الله لوحده وليس حكومة لبنان وجيشه وحتى البنى التحتية، وهو خطأ اعتبره البعض استراتيجياً في أعقاب عملية شبعا. وهنا يرسم البعض سيناريوات حرب لبنان الثالثة في حال تم خوضها قريباً. ومن وجهة نظر ايلاند ستكون اشد قسوة من عام 2006، بحيث لا تستطيع إسرائيل الانتصار على «حزب الله» إلا بثمن وأضرار وإصابات لا يمكن تحملها. ويضع ايلاند ثلاثة شروط لانتصار اسرائيل في هذه المعركة وهي:

 ردع حقيقي

- إذا تواصل إطلاق النار من الأراضي اللبنانية على إسرائيل، فانه يجب إعلان الحرب على لبنان. وكلما كان التخوف من تدمير لبنان موثوقاً في شكل اكبر، سيحقق الأمر ردعاً حقيقياً ويمنع المواجهة الشاملة. ولكن إذا وقعت المواجهة، فان التهديد بتدمير لبنان سيقود إلى وقف النار خلال ثلاثة أيام، وليس 33 يوماً.

- الادعاء بأن الحكومة اللبنانية ليست مذنبة ولا تستطيــع فـــرض شيء عـــلى حزب الله غير صحيح، وليس ذا صـــلة. ويمكن لتهديد لبنان ان يحقق الردع الحقيقي، لأن حزب الله كتنظيم سياسي، يتخــــوف من التسبب بدمار لبلاده. قد يظهر من يدعي أن هذه الإستراتيجية ليست صــــحيحة، لأن العالم لن يسمح لنا بذلك، وهـــــذه المقولة، يضيف ايلاند، ضحلة كون دول العالم، وبالتأكيد الولايات المتحدة، ستسمح بعملية كهذه بتوفر شرطين: الأول، ان نقول لها ببساطة بأننا لا نملك القدرة على هزم حزب الله، وإذا كانوا يعتقدون انه يمكن ذلك فليقولوا لنا كيف. ويكشف ايلاند انه خلال محادثات له مع عسكريين كبار وشخصيات سياسية رفيعة في الولايات المتحدة، يمكن تجنيد دعم كبير عندما يتم طرح الامور في شكل جدي ومهني.

- الشرط الثالث هو طرح التفسير المهني المسبق لكون هذه الطريقة هي المفضلة، وليس خلال الحرب. عملياً كانت لدينا ثماني سنوات ونصف السنة كي نفسر ذلك، ومن المؤسف جداً إننا حتى في الساعات الأخيرة نوجه التهديدات الى «حزب الله» بدل ان نوجهها الى العنوان الصحيح – حكومة لبنان»، يقول ايلاند مهدداً الدولة اللبنانية.

 خطاب نصرالله

الإعلان المسبق عن موعد خطاب نصر الله، جعل العديد من المسئولين الإسرائيليين يصغون إليه، وليس فقط في القيادات من عسكريين وسياسيين بل السكان العاديين، بخاصة سكان الشمال. فهؤلاء أعلنوا لوسائل الإعلام الإسرائيلية، قبل موعد الخطاب، بأن على إسرائيل أن تصغي لكل كلمة يقولها نصر الله لأنه لا يمكن إلا أن ينفذ ما يقول.

وهذا الحديث جاء في مقابل الانتقادات التي تعرض لها نتانياهو، إزاء حملة التهديدات وإقناع الإسرائيليين بأنه الوحيد القادر على ضمان أمنهم. فأول استنتاج خرج به الخبير العسكري، ناحوم برنياع، والمعروف باطلاعه الواسع على طبيعة النقاشات الداخلية في المؤسستين السياسية والعسكرية، ان نتانياهو يقول الشيء، ويهدد ويزبد، لكنه في الممارسة، على أرض الواقع، يفعل نقيضه. وكل ما ذكره نتانياهو عن ردع لا وجود له وفي افضل الاوضاع يوجد ردع متبادل. فنتانياهو هدد بعد عملية القنيطرة» من يقف وراء أي هجوم على إسرائيل سيدفع الثمن كاملاً». ولكن بعد تنفيذ عملية مزارع شبعا جاءت تصريحاته بقبول التهدئة واحتواء الحدث، وأن «كل من شارك في المداولات في مكتب رئيس الحكومة اعتبر أن وراء تهديد نتانياهو تختفي كلمات جوفاء».

وازاء هذه الوضعية طرحت في اسرائيل اسئلة عدة:

- كيف يمكن فهم الرسالة التي بعثت بها إسرائيل إلى حزب الله، عبر القوات الدولية، بأنها تريد التهدئة في مقابل الرسالة التي أطلقها نتانياهو أمام الإسرائيليين بان إسرائيل ستنفذ كل ما تستطيع من عمليات لمنع أي سيطرة لـ «حزب الله» وإيران على المنطقة الحدودية على طول خط وقف إطلاق النار في مرتفعات الجولان، من مزارع شبعا وحتى القنيطرة؟

- وسؤال آخر طرحه برنياع هو «ليس واضحاً كيف تحول وجود حزب الله في شمال الجولان إلى مسألة وجودية. فهل تفضل إسرائيل أن تجلس في مرتفعات الجولان مقابل قوات «داعش» أو جبهة النصرة؟ إذ إننا نقف اليوم مقابل تنظيمات كهذه، من القنيطرة جنوباً، ولم أسمع أن إسرائيل فتحت حرباً ضدهما، يقول برنياع ويضيف سؤالاً آخر: لماذا نحن قادرون على العيش مقابل حزب الله في حنيتا والمطلة ومسكاف عام ودوفيف وكريات شمونه وشلومي (بلدات في منطقة اصبع الجليل والجليل الأعلى)، ولا يمكننا العيش مقابله في (مستوطنة) ماروم جولان في الجولان».

- لماذا تمت تصفية الجنرال الإيراني؟ لماذا صُفّي بعملية تكاد تكون علنية؟ من الذي قرر تنفيذ هذه الغارة، ومن أراد أن يردع ومن أخاف باستثناء مئات آلاف المواطنين الإسرائيليين الذين يسكنون بالقرب من الحدود الشمالية؟

ويخلص برنياع في هذا السياق إلى التحذير من أن «كل من يعتقد أن إطلاق النار في الشمال أرضى غريزة الانتقام لدى الإيرانيين، هو واهم. فالحذاء الأول سقط (بمعنى ألقي) مع تنفيذ عملية مزارع شبعا. ولم يتبق للإسرائيليين سوى انتظار الحذاء الثاني».

وبرنياع هو مجرد نموذج، ففي جميع الصحف الاسرائيلية نشرت مقالات مشابهة توجه أسئلة صعبة لنتانياهو وتستنتج بأنه ليس ذلك الرجل القوي، بل بالعكس. وان لا هم عنده سوى العودة إلى دورة أخرى لرئاسة الحكومة في الانتخابات القريبة المقبلة.

 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً