نشرت الصحف البريطانية صباح يوم 31 يناير/ كانون الثاني 2015 أنباء الحادث الإرهابي الخطير في سيناء، واعترفت بذلك الجماعة التي تسمي نفسها باسم «الدولة الإسلامية»، وأعلنت مسئوليتها عن الحادث وقالت بافتخار إن العملية تمت بثلاث سيارات مفخخة ضد مؤسسات عسكرية وأمنية، مؤكّدة وجودها فيما أسمته «إمارة سيناء». ونتساءل: هل أصبح جيش مصر هو العدو؟ تباً لمثل هذا التصور الخاطيء.
وكتبت صحيفة «الأهرام» المصرية اليوم فنسه، أن قناة «الجزيرة» شريكٌ في الجريمة بالتحريض، وعرضت في تقرير لها في الصفحة الرابعة، عمليات التحريض التي تقوم بها «الجزيرة» منذ فترة، وخصوصاً إثر وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله. وأضافت إن الجزيرة قامت ببث الحادث في نفس لحظة حدوثه، مستخدمةً أحدث التقنيات والقمر الصناعي والكاميرات المتطورة.
أما الولايات المتحدة فجرياً على سياستها اجتمعت مع القيادي الإخواني جمال حشمت وعدد من الأخوان في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والكونجرس، وكذلك مع عدد من القيادات الحوثية من اليمن، وعندما نشر موقع الأخوان صورة اللقاء أكّدت المتحدثة الرسمية الواقعة وقالت إن بلادها تلتقي مع مختلف الأطراف في العملية السياسية.
ويثور السؤال الأول عن أية عملية سياسية تتحدث الولايات المتحدة حيث لا توجد في مصر سوى عملية وحيدة، هي خارطة المستقبل، وآخرها الانتخابات النيابية في مارس/ آذار المقبل.
أما اليمن فإن بها عملية سياسية نكث بها الحوثيون، ثم حبسوا تحت الحصار رئيس الوزراء وعدداً من الوزراء، وأخيراً حاصروا بيت الرئيس، ما اضطر الجميع لإعلان استقالتهم. والسؤال الثاني: هل هناك عملية سياسية في دولةٍ ما يصر أحد أطرافها على إملاء شروطه والاستجابة لها مقدماً؟
أما السؤال الثالث: هل أخذ الأخوان والحوثيون الضوء الأخضر من القوة العظمى كما يحاولون الإيحاء بذلك من نشرهم أنباء الاجتماعات؟ أنا اشك في الأمر.
كما نشرت «الأهرام» في الصفحة الأولي في اليوم نفسه، حدوث تفجيرين في بغداد أديا إلى قتل 70 شخصاً، وأن التفجيرين استهدفا قوات الأمن، كما قتل قائد البشمركة في كركوك ومعه خمسة من مساعديه وأصيب قرابة 40 عنصراً بجروح. ونطرح السؤال الرابع: هل قوات الأمن في مختلف الدول أصبحت مستهدفة؟ وهل هناك دولة بلا قوات أمن سواءً ديمقراطية أو ديكتاتورية إسلامية أو غير إسلامية؟
من ناحية أخرى، نشرت صحيفة «الوسط» البحرينية في اليوم نفسه على الصفحة الأولى، مقتل 60 شخصاً في مسجد من مساجد الشيعة في بلدة شيكاربور بولاية السند في جنوب باكستان.
كما نشرت الصحف قبل ذلك بثلاثة أيام، تحرير منطقة ديالى العراقية من عناصر «داعش»، وقام بالتحرير قوات الجيش العراقي ومعهم عناصر مليشيات، واتهمت الأطراف السنيّة في المنطقة تلك المليشيات بأنها قتلت 70 شخصاً من المواطنين السنّة بعد تحرير المنطقة، وأن هذه المليشيات كانت مرافقة للقوات العراقية الرسمية.
لقد نفت المليشيات حدوث ذلك، ولكن الآخرين يؤكدونه، فقرّر رئيس الوزراء إجراء تحقيق. وأنا لا أعرف الحقيقة في كل هذه الأنباء، وإنما هي نقلاً عن الصحف كما أشرت. والسؤال الخامس هنا: لماذا يقتل السنة الشيعة ويقتل الشيعة السنة كما في ديالى وباكستان وغيرها من المناطق؟ أليسوا جميعاً مسلمين؟ بل أليسوا بشراً؟ والقرآن الكريم قال «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً»؛ والجهة المنوط بها إصدار الأحكام هي السلطة السياسية في الدولة، أما عمليات القتل التي تتم الآن بين المسلمين بعضهم بعضاً، فيقوم بها أفراد خارجون عن القانون، ولكن يتم ذلك كله باسم الإسلام.
والسؤال السادس: لماذا يقتل السنة بعضهم بعضاً من «داعش» و»النصرة» و»الأخوان» بافتراض أن هؤلاء هم المسلمون، وإن من هم ضدهم ليسوا مسلمين بل ليسوا بشراً؟ مع أن القرآن الكريم غلّظ جريمة القتل للبشر ولم يقيّدها بالدين أو الطائفة أو المذهب.
السؤال السابع: لماذا تنقض حركة أنصار الله الحوثية في اليمن اتفاقاتها مع الحكومة؟ وهل قرأ هؤلاء حديث الرسول «آيات المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا ائتمن خان وإذا عاهد غدر»، وفي رواية أربعة بإضافة «وإذا خاصم فجر». فهل ما يفعلونه هو الإسلام؟ ربما، ولكنني لا أعرف هذا النوع من الإسلام وأتساءل: هل جاء إسلام جديد لا نعرف عنه شيئاً؟
السؤال الثامن ما هو المنطق العقلاني الذي يجعل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح يحارب الحوثيين ستة حروب، ثم بعد أن قبل المبادرة الخليجية كوسيلة لحل الصراع في اليمن يلتف حولها ويتحالف مع الحوثيين. ثم يعلن أحد قادة الحوثيين كما جاء في الأخبار، أنهم متمسكون باتفاقية السلم والشراكة الوطنية ولكن يجب على الرئيس عبد ربه منصور هادي أن ينفّذ مطالب الحوثيين. ثم يضيف المصدر الحوثي: الآن انتهت شرعية عبد ربه وهي شرعية دستورية واليوم توجد شرعية جديدة هي الشرعية الثورية، وأن منصور هادي يجب أن يظل في السلطة ثم يتخلّى بعد تشكيل مجلس رئاسي أو مجلس عسكري... وهذه أحجية غير مفهومة.
والسؤال التاسع: في العراق بعد الغزو والاحتلال الأميركي تم إصدار دستور يقوم على المحاصصة الطائفية في العراق، وهل المحاصصة بالنمط العراقي هي الديمقراطية المثلى؟ أم هي وصفة للصراع الطائفي الدائم؟
والسؤال العاشر: ما هو الهدف من كل هذه الصراعات؟ إنه الصراع على ومن أجل السلطة. ونتساءل: ألا توجد وسيلةٌ أخرى للوصول للسلطة سوى بالقتل والدمار باسم الديمقراطية والإسلام؟
وأخيراً لا نقول إلا... لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وياحسرتاه على الإسلام الحنيف من سلوك المسلمين وأفعالهم وأهدافهم. ونختتم بالقول المنسوب للإمام علي بن أبي طالب في وصيته لعامله على مصر بحسن معاملة الجميع، مؤكّداً له بأن الناس صنفان «إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق».
ونقول للجميع: هل من كلمةٍ سواء أيها المسلمون، بل أيها البشر جميعاً؟ أم أننا تعوّدنا على استمرار الصراع، والاستمرار في قتل هابيل لأخيه قابيل ولو عدة مرات، وليس هناك غرابٌ يدلّه على كيفية دفنه.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 4532 - الإثنين 02 فبراير 2015م الموافق 12 ربيع الثاني 1436هـ