العدد 2491 - الأربعاء 01 يوليو 2009م الموافق 08 رجب 1430هـ

ثقافة السلام في المناهج الفلسطينية

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

تتجذر المناهج الدراسية في عقيدة الدولة وفلسفتها، فلكل دولة في العالم فلسفة ورؤية تبني على أساسها الأهداف التي تنوي تحقيقها، والتي تظهر بشكل واضح أو مبطن في الكتب المدرسية. والدولة الفلسطينية لا تملك فلسفة ملموسة باستثناء وثيقة الاستقلال. فدولتنا لم تستقل بشكل فعلي، ونحن نعتبر أننا لانزال تحت الاحتلال، الأمر الذي يؤخر تطوير فلسفة واضحة تستمد منها الوزارات المختلفة الأسس التي تبني عليها رؤيتها وأهدافها.

وتعتبر وزارة التربية والتعليم الوزارة الأكثر حاجة لهذا الأمر، كونها تعمل على تربية أجيال المطلوب منهم أن يكونوا جميعا جنودا لخدمة هذا الوطن، كلٌّ في المجال الذي يختاره. ربما كان الأمر متروكا بشكل مؤقت ريثما تتضح معالم الدولة، مما يؤكد هلامية الأهداف في هذه المرحلة الحرجة من حياة الدولة، الأمر الذي يلقي عبئا على كاهل معلّمنا غير المؤهل أيضا لكونه لم ينشأ في ظل دولة طبيعية ولم يتشرب ثقافتها إلا في زمن الاحتلال.

وبناء على ما سبق يمكن اعتبار المناهج الدراسية الفلسطينية مجموعة من المعلومات في مجالات مختلفة لا تساعد على تحقيق أهداف فعلية تخدم الوطن، مما يؤثر بشكل واضح على سلوك أبنائنا الذين نجدهم ينتمون بشكل مباشر أو غير مباشر لفصائل وتيارات سياسية مختلفة يتبعون فيها الاتجاه الموجود في البيت أو لدى بعض المعلمين. ويؤدي هذا التشتت الناشئ عن الاتجاهات المختلفة للمواطنين بالضرورة إلى مشكلات بين أبناء الوطن الواحد ويبعدنا سنوات عن تحقيق الدولة الحلم.

ولو أمعنا النظر في سلسلة كتب التربية الوطنية للصفوف السابع إلى الحادي عشر على سبيل المثال لظهرت لدينا عدة تساؤلات. فهذه المادة تتطرق لتاريخ الشعب الفلسطيني منذ العام 1921 وحتى ما بعد اتفاقية أوسلو. ولكن إلى أي مدى تزيد الانتماء الوطني للقضية؟ وهل السلام وثقافته ضمن الأهداف الموجودة؟ الواضح أنه ليس كذلك، فأولادنا لا يستطيعون التعبير عن القضية الفلسطينية مما يؤكد أن الانتماء لم يزد من خلال هذه السلسلة من الكتب، ولا هم يحملون فكرا سلميا يقبل اتفاقات السلام ويؤمن بها ويطبقها على الأرض.

وليس من الغريب أن اللجنة الرباعية رفضت هذه السلسلة ورفضت الدول المانحة تمويل طباعتها وتوزيعها في المدارس. وهذه المجموعة بالذات انتقدتها السيدة كلينتون واعتبرتها تحمل في طياتها دعوة للعنف.

ويعتبر الأمر أفضل قليلا في موضوع الدفاع عن الأرض والوطن. ففي كتب اللغة العربية، وخصوصا بالنسبة إلى الصفوف التاسع والعاشر، نجد هذه الفكرة موجودة بشكل يهدف إلى تنمية الحس الوطني ولكن من دون تمرد أو عنف، ونجد روح السلام والتسامح منتشرة بشكل واضح، حتى في بعض القصائد الأدبية والتي يمكن للقارئ أن يفهمها أو يفسرها بصورة مختلفة. إلا أن رسالة الدفاع عن الوطن بأسلوب لا عنفي، والموجودة في هذه القصائد، تضيع أحيانا عندما يقوم الأستاذ بشرحها بأسلوب سطحي من دون الخوض بتفاصيلها أو معانيها الضمنية. ونجد أن الكتب في كثير من الأحيان تخضع لإعادة الطباعة بهدف حذف بعض الأجزاء التي تحرك عند الطلبة شعورا وطنيا جارفا. فعلى سبيل المثال، قام واضعو المناهج في الإدارة العامة للمناهج بحذف قصيدة للشاعر الفلسطيني أبو سلمى للصف العاشر لما احتوته من دعوة للمقاومة والعنف، وذلك في محاولة للظهور أمام العالم كدعاة سلام.

إن ثقافة السلام لا تُطرَح بشكل مباشر وإنما تُمرَّر من خلال دروس مختلفة استعرضْتُ بعضا منها في السطور السابقة. ولكن يبقى الأمر معلقا بيد الكوادر البشرية وعلى رأسها المعلّم الذي يستطيع تمرير ما يريد وبالطريقة التي يراها مناسبة. وهذا المعلم يتحمل مسئولية كبيرة، فالفجوة الواسعة بين ما هو مكتوب وبين التطبيق تخلق إنسانا لديه تساؤلات وشكوك في إمكانية تحويل الأفكار إلى واقع ملموس ضمن النظام التعليمي.

أما بالنسبة لكتب التربية الإسلامية فالأمر مختلف، إذ تمت الموافقة على تمويل هذه السلسلة وطباعتها، ويمكن للقارئ الناقد أن يجد فكرة السلام والتسامح منتشرة بين صفحات الكتاب على جميع المستويات، مطروحة بأسلوب بسيط ولكنه عملي ومدروس.

فكرة الجهاد على سبيل المثال، والتي أصبحت هوسا عالميا، نجدها في كتب الثامن والتاسع الأساسيين، معرّفة على أنها أسلوب سامٍ لرفع العدوان عن المظلومين، وأنه طالما لا تتعرض الأمة لاعتداء فلا داعي له. وفي درس صلح الحديبية، تشير الكتب بوضوح إلى إمكان عقد اتفاقيات صلح مع غير المسلمين والخضوع للشروط وتقديم بعض التنازلات مقابل السلام.

أما بالنسبة للقتال وخوض المعارك فالمناهج تشير إلى أن الإسلام لم يستعمل السيف كثيرا، وأكبر دليل على ذلك درس «فتح مكة» الذي يُطرح للطلبة على أساس إمكان الوصول إلى الحلول بالتفاوض ومن دون سفك الدماء.

ويشكّل درس «العهدة العمرية» الذي يصف وصول المسلمين إلى القدس، ويعرض تفاصيل استسلام المدينة بعد أن يعطي عمر بن الخطاب، ثاني الخلفاء المسلمين عهدا لأهلها يضمن لهم سلامتهم وحرية الدين والعبادة مع عدم التعرض للكنائس والصلبان بأي سوء، وصولا إلى فكرة التسامح الرائع بين الأديان وتقبل غير المسلمين في المجتمع المسلم، يشكّل درسا آخر في التسامح عبر الأديان.

من الواضح أن السلطة الفلسطينية تحاول إدخال كتب ومناهج تقبل وتحترم اتفاقات السلام مع «إسرائيل»، ولكن هذه العملية مستمرة تحتاج لفترة زمنية ولا يمكن تحقيقها في الطبعات الأولى أو الثانية أو حتى الثالثة. كذلك تتغير الظروف السياسية باستمرار، وهذا سبب آخر يدعو إلى ضرورة أن تكون للأمة فلسفة واضحة جيدة الصياغة. وأنا أعتقد على رغم ذلك كله أن الأمر الأهم هو الحاجة لأن تكون لنا دولة مستقلة حرة ذات سيادة.

*مديرة مدرسة قرطبة في الخليل، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2491 - الأربعاء 01 يوليو 2009م الموافق 08 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً