ستعقد هذا العام «لجنة المرأة بالأمم المتحدة» اجتماعاً تستعرض فيه وتقيّم ما تم تنفيذه من «إعلان ومنهاج عمل بيجين» المعتمدين في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة «بيجين-1995»، كما سيتم في الوقت نفسه، تناول نتائج الدورة الاستثنائية الثالثة والعشرين للجمعية العامة «2000». وعليه وجهت جهة الاختصاص بالأمم المتحدة وهي «المجلس الاقتصادي والاجتماعي» التابع للأمم المتحدة، جميع الدول الأعضاء إلى القيام باستعراض وطني لما تم إنجازه من تقدم، وما يواجههم من صعوبات وتحديات إزاء تنفيذ مبادئ إعلان ومنهاج عمل بيجين.
ترى ما الذي يعنيه «إعلان ومنهاج بيجين»؟ وما علاقته بالمرأة عموماً وبشعارات تمكينها الذي يتداول في المؤتمرات والمنتديات وتتضمنه المواثيق الدولية كما تتصدره الاستراتيجيات الوطنية المعنية بالنهوض بواقع المرأة وتطورها؟
في الأصل، يعتبر المؤتمر العالمي المعني بالمرأة والذي عُقد في بيجين من 4- 15 سبتمبر/ أيلول 1995، من أبرز وأهم المؤتمرات الدولية التي تطرّقت إلى قضية تمكين المرأة وتحقيق مساواتها بالرجل، ومشاركتها في التنمية المستدامة، لاسيما وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخمسين «إعلان ومنهاج عمل بيجين» بصيغتهما التي اعتمدها من حضر المؤتمر، وأسّس لمفهوم تمكين المرأة في المجتمعات الإنسانية.
وقد تناولت وثيقة الإعلان التي وافقت عليها حكومات الدول التي اشتركت في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة حيث ورد في الوثيقة: «اجتمعنا في بيجين، في سبتمبر/ أيلول 1995، عام الذكرى السنوية الخمسين لإنشاء الأمم المتحدة؛ وعقدنا العزم على التقدم في تحقيق أهداف المساواة والتنمية والسلم لجميع النساء في كل مكان لصالح البشرية جمعاء؛ وإذ نعترف بأصوات جميع النساء في كل مكان، ونحيط علماً بتنوع النساء وأدوارهن وظروفهن، ونكرم النساء اللاتي مهدن السبيل، ونستلهم الأمل المتمثل في شباب العالم؛نعترف بأن أحوال المرأة قد شهدت تحسناً في بعض الجوانب المهمة على مدى العقد الماضي».
بيد أن الوثيقة تشير في مضمونها إلى أن التقدم المحرز متفاوت، إذ ما برحت أوجه التفاوت قائمةً بين المرأة والرجل، ومازالت هناك عقبات كبيرة، تؤدي إلى عواقب خطيرة تؤثر على رفاهية الناس جميعاً. وقد اعترفت الحكومات المجتمعة بأن هذه الحالة تزداد سوءاً بسبب الفقر المتزايد الذي يؤثر على حياة أغلبية سكان العالم، ولا سيما النساء والأطفال، والناشئ عن أسباب وطنية ودولية؛ وتعهدت بتكريس أنفسها ودونما تحفظ، على معالجة هذه القيود والعقبات، وتعزيز سبل النهوض بأحوال المرأة وتمكينها في جميع أنحاء العالم. كما أكدت الحكومات بأن تحقيق ذلك يقتضي عملاً عاجلاً ينطلق من روح العزم والأمل والتعاون والتضامن في الوقت الحاضر، ويحقق الاستمرارية في المستقبل.
تأسيساً على ما سبق، أكّدت الحكومات المجتمعة في وثيقة الإعلان التي صدرت، على تساوي النساء والرجال في الحقوق والكرامة الإنسانية المتأصلة، وسائر المقاصد والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغير ذلك من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، ولا سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، فضلاً عن إعلان القضاء على العنف ضد المرأة، وإعلان الحق في التنمية؛ إضافةً إلى ضمان الإعمال الكامل لحقوق الإنسان للمرأة والطفلة باعتبارها جزءاً لا يقبل التصرف أو التجزئة أو الفصل عن جميع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
ومن كل ذلك يكون الانطلاق إلى تحقيق توافق في الآراء مما تحقق من تقدم، وما نتج عن المؤتمرات السابقة للأمم المتحدة واجتماعات القمة – المعنية بالمرأة في نيروبي العام 1985، والطفل في نيويورك العام 1990، والبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو العام 1992، وحقوق الإنسان في فيينا العام 1993، والسكان والتنمية في القاهرة العام 1994، والتنمية الاجتماعية في كوبنهاغن العام 1995، بغية تحقيق المساواة والتنمية والسلم؛ والتوصل إلى التنفيذ الكامل والفعال لاستراتيجيات نيروبي التطلعية للنهوض بالمرأة وتمكينها، بما في ذلك الحق في حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد، على نحوٍ يسهم في تلبية الاحتياجات المعنوية والأخلاقية والروحية والفكرية للنساء والرجال، فرادى أو بالاشتراك مع غيرهم، وبذلك تكفل لهم إمكانية إطلاق كامل طاقاتهم في المجتمع برسم مجرى حياتهم وفقاً لتطلعاتهم هم أنفسهم.
لقد تبلورت قناعة الدول في هذا المؤتمر بأن تمكين المرأة ومشاركتها الكاملة على قدم المساواة في جميع جوانب حياة المجتمع، بما فيها المشاركة في عملية صنع القرار وبلوغ مواقع السلطة، تعد أموراً أساسية لتحقيق المساواة والتنمية والسلم. كما أن حقوق المرأة هي من حقوق الإنسان؛ وأن المساواة في الحقوق والفرص، والوصول إلى الموارد، وتقاسم الرجل والمرأة المسئوليات عن الأسرة بالتساوي، والشراكة المنسجمة بينهما... أمور حاسمة لرفاهيتهما ورفاهية أسرتهما، وذلك من خلال تدعيم الديمقراطية والقضاء على الفقر وتحقيق التنمية الاجتماعية، وحماية البيئة، وتوفير العدالة الاجتماعية وإشراك المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير تكافؤ الفرص بمشاركتها مشاركة كاملة على قدم المساواة مع الرجل، باعتبارهما عاملاً من عوامل تحقيق التنمية المستدامة في المجتمعات.
كذلك نوّه المجتمعون في إعلانهم إلى أن «الاعتراف الصريح بحق جميع النساء في التحكم بجميع الأمور المتعلقة بصحتهن، وخصوصاً المتصلة بخصوبتهن يعد أمراً أساسياً لتمكين المرأة؛ وأن السلم المحلي والوطني والإقليمي والعالمي لا يمكن تحقيقه إلا بالنهوض بالمرأة التي تمثل قوة أساسية في مجالات القيادة، وحل النزاعات، وتعزيز السلم الدائم على جميع المستويات، والذي من الضروري أن يتم بمشاركة كاملة من المرأة، على أن تصمّم وتنفّذ السياسات والبرامح الإنمائية بحيث أن يراعى فيها اعتبارات الجنسين، وأن تتسم بالفعالية والكفاءة والتعزيز المتبادل فيما بينها، وعلى جميع المستويات التي من شأنها أن تعزّز وتشجّع على تمكين المرأة والنهوض بها.
ولأجل تحقيق ما سبق، أكّد الإعلان على ضرورة وأهمية مشاركة وإسهام جميع العناصر الفاعلة في المجتمع المدني، خصوصاً الجماعات والشبكات النسائية وسائر المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمعات المحلية، مع مراعاة الاحترام الكامل لاستقلاليتها، وإن التعاون بينها وبين الحكومات يعد أمراً مهماً لتنفيذ منهاج العمل ومتابعته بفعالية.
والخلاصة أن تنفيذ منهاج العمل يقتضي التزام الحكومات والمجتمع الدولي، بهذا الإعلان والمنهاج والالتزام بمبادئه على المستوى الوطني والدولي، بما في ذلك الالتزامات المعقودة في المؤتمر ذاته، الأمر الذي يعني ضرورة اتخاذهم تدابير فورية يمكن من خلالها تحقيق شعار «تمكين المرأة» والنهوض بها.
فما هي تلك الجهود والالتزامات؟ هذا ما سوف نتناوله في مقال قادم.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4531 - الأحد 01 فبراير 2015م الموافق 11 ربيع الثاني 1436هـ