العدد 4531 - الأحد 01 فبراير 2015م الموافق 11 ربيع الثاني 1436هـ

نَزْوَى... إطلالة عن قُرب

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الـ «إيسيسكو»، هي اختصار لـ «المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم»، إحدى مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي ومقرها الرباط. هدفها التنسيق «بين الوكالات المتخصصة» بالمنظمة «في مجالات التربية والعلوم والثقافة، وبين الدول الأعضاء». أنشِئت تنفيذاً لأمل «المصلحين والمجدّدين ودعاة الوحدة وجمع الشمل» في الأمة كما ورد في ديباجة تأسيسها.

هذه المنظمة، اختارَت مدينة نَزْوَى العُمانية عاصمة للثقافة الإسلامية (2015) لكونها مدينةً ذات تأثير حضاري كبير على مرّ القرون، وأيضاً «لتكون مركز إشعاع علمي تبرز فيه نتاجها الثقافي والتاريخي والحضاري الذي يشغل مساحة كبيرة من عمر الزمان يزيد على اثني عشر قرناً» كما جاء في وصف الاختيار.

قبل الولوج في التفصيل، يجب أن نعرف عن نَزْوَى كأرض وديموغرافيا، فهي تقع في رقبة الجغرافيا العُمانية. يسكنها 84.528 ألفاً حسب الإحصاء السكاني الأخير (2010). وضمن التصنيف الإداري لسلطنة عُمان، تعتبر هذه الولاية مركز المحافظة الداخلية التي تضم (بالإضافة إلى نَزْوَى) كلاً من سمائل وبهلا وأدم والحمراء ومنح وإزكي وبدبد.

الحقيقة، أن أصل ذلك الاختيار من الإيسيسكو جاء متوافقاً مع مضمونه. بمعنى أن مَنْ اختاروا نَزْوَى ومَنْ عليهم أن يُقدِّموها للعالم لن يجدوا صعوبة في تحقيق الانسجام ما بين الشعار والشعور، والصورة الجوهر. فنَزْوَى، تمتاز تاريخياً بالأدب والشعر، والإرث الفقهي الذي ارتبط بالإمامة الإباضية الإسلامية منذ القرن الثاني الهجري.

لذلك، كانت نَزْوَى خلال عهود الإسلام الأولى وما تلاها، عاصمة لعُمان، ومهد القيادات الدينية والسياسية والثقافية التي زَخَرَت بها هي ومنطقة شبه الجزيرة العربية. وقد أشار خير الدين الزركلي في الجزء الثامن (ص 7) من كتابه «الأعلام» ضمن تعريف سلطان بن محسن النبهاني، كونه أحد ملوك بني نبهان، بـ «ملك نَزْوَى».

من الجوانب المهمَّة، التي تميَّزت بها نَزْوَى عبر التاريخ هو إسهاماتها في مجال الأدب والشعر، إلى الحد الذي كان فيه العلماء العُمانيون النَّزوَانيون (وغيرهم) يقرضون الشعر في مكاتباتهم الدينية المقرونة بالفتوى. ويمكن أن نجد ذلك بوضوح في إجابات العلامة نور الدين عبد الله بن حميد السالمي (1867- 1913) صاحب كتاب «معارج الآمال».

فعُمان ومدنها، وبالتحديد نَزْوَى، ضاربة في القِدَم. وارتباط العمانيين بمادة العرب لا مِراءَ فيه. لذلك، كانوا على مر العصور أصحاب شعر وقصيد لا ينضب. وقد وجدتُ التفصيل حول بني زياد أنهم «رهط مشهور بعقر نَزْوَى، وهم أيضاً من سامة بن لؤي بن غالب، فهم أيضاً من قريش» كما ذكر السيابي في «إسعاف الأعيان في أنساب أهل عُمان» في الجزء الأول (ص 7).

وعُرِّف الشاعر الكبير راشد بن خميس بن جمعة بن أحمد الحبسي النَّزْوي العماني (1678– 1737) في معجم الشعراء العرب بأنه «شاعر مجيد، من أهل عُمان، اشتهر في أيام إمامة ابن سلطان، ولد في عين بني صارخ من قرى (الظاهرة) من عُمان، ورمد وعمي في طفولته، ثم انتقل إلى أرض (الحزم) من ناحية الرستاق (في عُمان) ثم سكن نَزْوَى إلى أن مات، وله في اليعربيين ووقائعهم قصائد كثيرة في شرحه بعض العلماء».

كما ورد في «معجم الشعراء العرب» أيضاً في الجزء الأول (ص 33) حول تعريف أبي علي أبزون بن مهمرد الكراني الكافي العُماني (1038) أنه «شاعر عُماني، عاش في جبل من جبال عُمان، ويقول حاجي خليفة أنه كان يعيش في نَزْوَى». كما ذُكِرَ كثير من الشعراء الذين ارتبطوا بنَزْوَى في المولد أو المنشأ أو لطلب العلم أو الوفاة كأحمد بن سعيد الخروصي الستالي (1188– 1277)، وسالم بن غسان اللواح الخروصي (1457– 1514) وغيرهم.

أما في مجال الفقه والعلوم الدينية، فإن نَزْوَى كانت تاريخياً منطلقاً لنظام الإمامة الإباضية، الذي كان معمولاً به منذ العام 128 هـ (وقيل 132 هـ) وحتى خمسينيات القرن الماضي. وقد أنتجَ ذلك تراثاً دينياً مهماً كالمعتبر والاستقامة وبيان الشرع والمصنف وحاشية الترتيب والإيضاح والعدل والإنصاف وقاموس الشريعة والمعارج والجواهر وغيرها من التراث الديني والفلسفي للمدرسة الإباضية.

ومن المهم هنا أن نشير إلى مسألة مركزية تتعلق بجوهر الصورة التراثية للإباضية وبالتالي نَزْوَى. فقد عُرِفَ عن المدرسة الإباضية أنها لم تُكفِّر المسلمين، وأجازت مناكحتهم، وقبلت شهادتهم، وعدَّت أرض مخالفيهم دار توحيد لا كفر. وكان علماء نَزْوَى يتميزون بالاعتدال أكثر من غيرهم ضمن مسطرة العلماء.

وخلال مراحل تطور الفكر الديني الإباضي، إلى حيث ما انتهى إليه اليوم، كان منهج الاعتدال واضحاً في نظرتهم للقضايا الدينية الكبيرة، وبالتحديد إلى التاريخ الإسلامي، حيث إنهم لم يُوظفوا الخلافات التاريخية في معاملاتهم اليومية، ولم يعتمدوها كبوابة عبور نحو المناكفات التي تجري اليوم في كثير من الأمصار العربية والإسلامية.

وعندما حضرت ندوة مسقط الفقهية العام الماضي التي عُقِدَت تحت عنوان: «المشترك الإنساني والمصالح»، كان من أهم توصياتها أنه لابد من مراعاة الظروف الزمانية والمكانية عند مناقشة آراء علماء الإسلام «وفتاويهم ونصوصهم الفقهية في هذا الموضوع، والنظر في التراث الفقهي في ضوء تأثيرات الزمان والمكان، وإعادة قراءة المصطلحات الشرعية المتعلقة بالمشترك الإنساني وتعميق فهمها في التعامل مع الآخر». هذا الأمر غاية في الأهمية، كي لا يُحمِّلوا الحاضر كل ما جاءه من التراث بطوله وعرضه. ولو اتبعت ذلك المذاهب الإسلامية لكنا اليوم في خير وسلامة.

إن اختيار نَزْوَى من قِبَل الإيسيسكو كعاصمة للثقافة الإسلامية (2015) لهو أمر تستحقه تلك الولاية عن جدارة. فهي قد حازت على حَسَنَتَيْ الأدب والفقه، وهو أمر جلي أثبته التاريخ والتراث.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4531 - الأحد 01 فبراير 2015م الموافق 11 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:33 م

      سلطنة التماسح.

      رائع أخي الأستاذ محمد عبدالله

    • زائر 2 | 12:43 م

      شكرا

      مقال تعريفي جميل معلومات تاريخيه رائعه اشكرك من الاعماق استاذ

    • زائر 1 | 12:50 ص

      سلطنة عمان

      في وجهة نظري ... يجب ان يتم اختيار سلطنة عمان بكاملها كرمز و مركز للتسامح الديني و التعدديه المذهبية ... نسئل الله ان يحفظ جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم و ان يرده الى وطنه و اهله سالما

اقرأ ايضاً