العدد 4529 - الجمعة 30 يناير 2015م الموافق 09 ربيع الثاني 1436هـ

البديع وقرى الجزء الشمالي للساحل الغربي

تناولنا في الحلقات السابقة مجموعة قرى متجاورة والتي أطلقنا عليها فاران وجاراتها، وهذه مجموعة متجانسة من القرى لها تاريخ مشترك وموارد مائية مشتركة. ومجاور لهذه القرى مجموعة أخرى من المناطق بدأت في التشكل منذ القرن الثامن عشر. وتمتد هذه المناطق على الساحل الغربي لكبرى جزر البحرين، وتبدأ من ساحل البحر في أقصى الشمال وحتى قرية الهملة في الجنوب. وقُسمت تلك المنطقة في ثلاث قرى أساسية هي: البديع وثلاب والجسرة.

لا نعلم بالتحديد متى بدأ تأسيس هذه القرية، إلا أن لوريمر ذكرها في كتابه «دليل الخليج»، وقال عنها إنها قرية تقع على الساحل الغربي على بعد ثلاثة أميال جنوبي البديع، وبها 50 بيتاً لبني خالد المتفرعين من الدواودة، ويعملون بصيد اللؤلؤ. ويوجد بها أعداد قليلة من النخيل مجاورة للبحر (Lorimer 1908, V.2, p. 221).

وقد ارتبط تعمير هذه القرية ببناء البيت المعروف ببيت الجسرة. وهو بيت بناه الشيخ حمد بن عبد الله آل خليفة في العام 1907م؛ ولذلك يعتبر هذا التاريخ بداية التعمير الحقيقي الحديث لموقع قرية الجسرة. وفي الثلاثينيات من القرن الماضي سكن بيت الجسرة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة الذي حكم البحرين في الفترة (1942م - 1961م). وقد شهد هذا البيت، في الثالث من يوليو/ تموز من العام 1933م، مولد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة الذي حكم البحرين في الفترة (1961م - 1999م).

وقد تغيرت الجسرة كثيراً حالياً؛ فقد أقيم بها مشروع إسكاني تم على مراحل ما بين الأعوام (1977م - 1998م). كما أنها اكتسبت ميزة، جعلتها تستقطب العديد من الزوار والسياح، كونها تحتضن جزءاً مهماً يوثق تراث البحرين القديم، فقد أصبحت قرية الجسرة تحتضن مركزاً للحرف اليدوية. وقد أنشئ مركز الجسرة للحرفيين في العام 1990م للحفاظ على الفنون والحرف اليدوية. ويمكن للزائر لهذا المركز معايشة صناعة الحرف اليدوية المحلية؛ حيث يتكون المركز من غرف صغيرة، تضم بداخلها عدداً كبيراً من الحرفيين العاملين في مجال الفنون التقليدية لصناعة الفخار والنسيج وصنع السلال والمشغولات الخشبية. كما تتوفر الهدايا التذكارية لمن يرغب في الشراء.

تعمير البديع

يمكن تتبع تاريخ هذه المناطق من خلال كتابين تناولا بالتفصيل تاريخ هذه المنطقة، وهما، كتاب «البديع موطن الأجداد وموئل الأحفاد» لجاسم الميبر، وكتاب «البديع حبيبة الشمس» لإبراهيم الدوسري. ويعتبر الكتاب الأخير أكثر توسعاً، بينما يتميز الأول بالصور الواضحة والكبيرة الحجم. ومن خلال هذين الكتابين يمكننا أن نستنتج ارتباط تأسيس البديع باستقرار أعداد من فروع قبيلة الدواسر على الساحل الغربي لكبرى جزر البحرين. يذكر أنه توجد قرية أخرى تحمل اسم البديع في منطقة الأفلاج وهي أيضاً سكن لقبيلة الدواسر. وقد قام الدواسر الذين استقروا في البحرين بتعمير البديع، فقد عمل الدواسر في الغوص، فكان منهم النواخذة الكثيرون والغاصة الذين عملوا في صيد اللؤلؤ، وكذلك عملوا في الزراعة، فأصبحت البديع واحة غناء وأرضاً زراعية خضراء بجهود أبنائها من الدواسر وتوافر المياه العذبة (الميبر 2007، ص 6).

وليس هذا من قبيل المبالغة، فالبديع كانت منذ نهاية القرن التاسع عشر بمثابة مدينة كبيرة، وقد ذكرها لوريمر في كتابه بصورة مطولة فوصفها بالمدينة التي تمتد إلى نحو ميل على البحر وعمقها نحو 300 ياردة، ويبلغ العدد الكلي للسكان بنحو 8000 نسمة. وتتكون البديع من 3 أحياء تسمى فريق العمامرة، وفريق الدام وفريق البديعة، والأخير هو أقدمها ويقع في أقصى جنوب المدينة. وهو متصل في الشمال بفريق الدام الذي يقع على رأس البديعة وفريق الدام بدوره متصل بفريق العمامرة في الشرق. وفي فريق البديعة برج ملحوظ، وسكانه كلهم سُنّة ومنهم للدواسر (800 منزل) والعمامرة (100 منزل). ومعظم البديعة وأحياء الدام من الدواسر الذين يأتون بمياههم من الآبار في مزارع النخيل من قرى دراز، وبني جمرة، أما أهالي حي العمامرة فيأتون بالماء من بئر توجد إلى الشرق قليلاً من منازلهم. ومعظم الناس يشتغلون بصيد اللؤلؤ. ولهم أكثر من 100 قارب بعضها من حجم لا بأس به وهي 11 بتيلاً و10 بكارة و56 شوعياً و37 ماشوة وقوارب خفيفة، ويستعمل من هذه 57 قارباً في صيد اللؤلؤ (Lorimer 1908, V.2, p. 324).

«ثلاب» ما بين البديع والجسرة

ثلاب اسم لمنطقة تقع على الساحل الغربي لكبرى جزر البحرين، وتقع شمال الجسرة وجنوب البديع، وهي المناطق التي استوطنتها أفراد من قبيلة الدواسر في القرن التاسع عشر. وقد جاء ذكر هذا الاسم، أي ثلاب، بهذا المعنى في وثيقة تعود للعام 1922م نشرها بشار الحادي على موقعه (bashaaralhadi.blogspot.com)، وذلك ضمن دراسته عن «شيخ الدواسر عيسى بن أحمد بن سعد الدموخ المسعري الدوسري». وهي وثيقة تؤكد ملكية عيسى بن أحمد بن سعد الدوسري لمزرعة في منطقة ثلاب.

وأما الذكر الثاني فقد جاء في كتاب «البديع حبيبة الشمس» لإبراهيم الدوسري. وقد ذكر الاسم عن مصادر شفوية تحدد أن منطقة ثلاب تقع شمالي قرية الجسرة وقد كان يسكنها في العام 1926م أحد رجالات الدواسر وهو علي بن أحمد البن سعد الدوسري وهو من دواسر القسم الجنوبي من البديع (الدوسري 2015، ص 19).

لقد تغيرت الخارطة الرسمية في الوقت الراهن، حيث يفصل بين البديع والجسرة منطقة الجنبية الحديثة، وهي منطقة شاسعة تضم سبعة مجمعات. وفي محيط الجنبية الحديثة توجد أسماء لقرى أخرى، غير ثلاب، لم يعد لها ذكر، كقريتي مغزال وخويص (حويص)، وهناك أسماء لقرى مازالت باقية، لكننا نجهل الكثير من تاريخها، وهذه قرى سنحاول الكشف عن بعض أسرارها في الحلقات القادمة.

العدد 4529 - الجمعة 30 يناير 2015م الموافق 09 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:34 ص

      يوسف مكي

      يعتبر ناصر بن جوهر الخيري من بين المؤرخين الذين اشاروا الى البديع في كتابه 0 قلائد النحرين في تاريخ البحرين ) . واسم البديع مرتبط بمن سكنها من الدواسر فهم من اطلق عليها هذا الاسم ابتداء من سنة 1845 .اما قبل ذلك فكانت البديع عبارة عن مزارع تمثل امتدادا لقريتي الدراز وبني جمرة . اما سم البديع فهو تصغير بدع او ابداع اوبديع ، اي تأسيس من لاشيء . مع تحياتي

اقرأ ايضاً