لحظات من الراحة والمتعة كنا نعيشها مع نسمات الهواء العليل في الأجواء الطبيعية الرائعة الجمال في المنطقة البرية بالصخير. فجأةً شعرنا بحالة اختناق بفعل روائح غير طبيعية سببها احتراق مواد بلاستيكية مصدرها نار التدفئة في المخيم الذي كنا متواجدين فيه.
الرائحة كانت مؤذية وتسبب الاختناق، ما دفعنا للتوجه إلى مصدر التلوث الذي بلاشك له أضرار صحية، ويتسبب في تلويث الهواء والمحيط البيئي للإنسان إلى جانب الأضرار البيئية الأخرى، بيد أن ما هو محزن الإجابة الهزلية التي فاجأنا بها أحد الأخوة الجالسين الذي لا نشك في مستوى حصيلته المعرفية والتعليمية والثقافية، حيث قال وهو يبتسم دون مبالاة أو إدراك لحقيقة ذلك السلوك: «خربت البيئة».
الاستخفاف بالخطر معضلةٌ نعاني من آثارها السلبية، وهي مصدر الخطر والسبب في تصاعد الآثار السلبية على واقعنا الصحي والبيئي نتيجة السلوك والمفاهيم غير الواعية لأبسط الممارسات. فالإستخفاف ببسائط الأمور تدلل على ضعف الوعي لدى شريحة واسعة في المجتمع، وهي ركيزة الخطر بحد ذاته.
تلك الحادثة عادت بنا إلى ذاكرة الأيام، عندما كنا مجتمعين في مارس/ آذار العام 2001، للتحضير لتأسيس جمعية البحرين للبيئة. يومها كان الحضور متنوعاً وضم نشطاء العمل الاجتماعي البيئي من جوّالة نادي المالكية وجماعة السلام 2000 وجماعة العالم الجديد، بالإضافة إلى عددٍ من الأطباء والمحامين والاقتصاديين والشخصيات الاجتماعية والثقافية والبيئية.
وعاد بنا ذلك الحادث إلى الموقف الذي فاجأنا به يومها أحد المشاركين في الاجتماع، حيث أصرّ في حواره الجانبي بيننا، للدفع باتجاه تبنّي مبادرة الترويج لثقافة استخدام الأكياس البلاستيكية بدلاً من الأكياس الورقية للتقليل من مستوى نفايات «القراطيس» -حسبما أسماها- من الشوارع والأزقة في الفرجان.
الموقف في المخيم جعلنا أيضاً نعود إلى واقع الجدل الذي أحيط بمشروع إنشاء مصنع لتدوير النفايات في مملكة البحرين بالمنطقة الجنوبية يستخدم تقنية الحرق، ونتوقف عند المرئيات والمواقف التي سجلناها ضمن قراءتنا ومقارباتنا لحقائق معضلة حرق النفايات وآثارها السلبية على الإنسان والبيئة، وذلك في المقابلة المنشورة في صحيفة «الوسط» (العدد 4181، الاثنين 17 فبراير 2014)، وجرى في سياق معالجاتنا الاستناد إلى رؤى الرئيس التنفيذي للمجلس الأعلى للبيئة عادل خليفة الزياني (سابقا)؛ الذي أكد في تصريح نشر له في «الوسط» أيضاً (العدد 3460، 27 فبراير2013)، من أن «أعمال حرق الحاويات والمواد المطاطية كالإطارات لها أضرار كبيرة على صحة القاطنين والسكان في مواقع الحرق، وأن انبعاث الأدخنة الناتجة من الحرق تحتوي على العديد من الغازات السامة كأول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت، كما تحتوي على جسيمات هيدروكربونية متناهية الصغر تؤدي إلى أمراض الربو والالتهابات الرئوية، بالإضافة إلى غازات الدايوكسين والفيرون التي تنبعث عند احتراق المطاط والمواد البلاستيكية في العراء، والتي تؤدي إلى أمراض القلب وزيادة في معدلات السرطان».
معضلة ضعف الوعي بالأبعاد السلبية لهكذا ممارسات ليست مقتصرة على مجتمع دون آخر، ويمكن أن نجد حقائق تلك المواقف ليس في واقعنا وحسب بل في البلدان الأخرى، وكان لجمعية «بييزاج» في المغرب موقف مشابه إلى حدٍّ ما، بيد أنه متباين في حيثياته وفي بعد خطره على الإنسان والبيئة. وبالإستناد إلى حيثيات التقرير الذي أصدرته الجمعية فإنه يشير إلى أن نشطاء الجمعية اكتشفوا بضواحي المزار وتكاض «مقبرة لحرق ودفن نفايات فلاحية للبلاستيك الأسود، والذي يتم طرحه وحرقه في الهواء الطلق». ويبين التقرير أن «للبلاستيك أضراراً كثيرة وبليغة على البيئة الطبيعية وصحة الإنسان، ويحتوي على ملوثات خطيرة أثناء عمليات الحرق المباشر في الهواء الطلق».
المخاطر التي جرى تبيانها هي معضلةٌ نعاني من آثارها السلبية في واقعنا المعاش، فكثيراً ما تحيط بمنازلنا سحب من الدخان نتيجة حرق النفايات المنزلية ومخلفات المزارع والأنشطة الضارة الأخرى، والتي تشعرنا بالاختناق والغثيان وضيق التنفس والحرقة في العين. وتلك أضرارٌ غير محسوب مخاطرها الصحية، وعندما تبادر في الحديث عن هذه الظاهرة غير السوية تشعر وكأنك «تنفخ في جربه مبطوطة» كما يقول المثل الشعبي.
والسبب في عدم تقبل المجتمع لذلك هو شيوع المفاهيم الخاطئة وغير المسئولة، وانعدام الوعي بما يمكن أن تسببه تلك الظاهرة من مخاطر صحية على المجتمع المحلي. وعلى الرغم من أن القانون رقم (21) لسنة 1996 بشأن البيئة لم ينصّ صراحةً على ذلك، إلا أنه أكّد في المادة (18) على أنه «يحظر على الأشخاص والمشروعات المختلفة، حفظ المخلفات أو التخلص منها بأية طريقة لا تتماشى مع النظم والمعايير والأساليب التي يضعها جهاز البيئة».
الموقف الهزلي الذي دفعنا في طرح معضلات واقع الوعي الاجتماعي البيئي على الرغم من احتمالية أن يكون ذلك ليس مقصوداً، إلا أننا نعتقد بل نجزم، بأننا في حاجة ملحة إلى تفعيل خطط العمل الاستراتيجي لتنمية الوعي والثقافة البيئية للمجتمع، من أجل الحد من المفاهيم والسلوكيات غير الواعية في ممارسة الأنشطة البسيطة في ظاهرها والخطيرة في آثارها السلبية على حياتنا وعلى منظومة أمننا الصحي والبيئي.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4528 - الخميس 29 يناير 2015م الموافق 08 ربيع الثاني 1436هـ
الله يعين
المسيلات من اهم مسببات السرطان من چدي زايده حالات السرطان عندنا
ولا تنسى حرق الإطار يا ولد عمي
السيد ما قصر وأعتقد أنه ما راح يقصر وسيساعدك على التعرف على أضرار حرق الإطارات على البيئة ؟
اقوول
مو اخطر من الشوزن..ومسيل الدموع..هذا لا يرقى لذاك....