“هم بركة البيت”... هذه جملة دائماً ما تتردد على لسان أمي في البيت، عند الحديث معنا عن جدي وجدتي سواء في حضورهما أو غيابهما.

لي من الجدَّات في عائلة جدة واحدة أطال في عمرها تبلغ من العمر 84 عاماً، أحب الحديث معها كثيراً، فهي صاحبة قلب كبير والحديث معها ممتع كثيراً... في الفترة الماضية وعند مراجعتها للطبيب طلب منها الطبيب الاعتناء بصحتها فنسبة السكر في دمها باتت كبيرة جداً، لذلك نصحها بالمشي لمدة نصف ساعة يومياً، وعليه قرر والدي بأن يخصص لها نصف ساعة من اليوم ليمشي معها فيه، وكان ذلك بعد صلاة المغرب مباشرة.

أخذها والدي في اليوم نفسه لشراء حذاء رياضي، فكانت فرِحة بهذا الحذاء تماماً مثلنا نحن الصغار عندما يشتري لنا ذوونا أي شيء جديد... ابتسامتها وضحكاتها ومزاحها معنا كانت تكفي والدي لتعبر لنا عن مدى سعادتها باهتمامنا بها. هي لم تقبل بأن يخصص لها والدي وحده النصف ساعة هذه، بل طلبت منه بأن تكون هذه النصف ساعة عائلية بأن يكون المشي لنا جميعاً، أحب والدي فكرتها وبالفعل أصبحت هذه النصف ساعة عائلية تجمعنا جميعاً كعائلة.

بعد أسابيع من مشينا العائلي معنا، ذهبت جدتي لموعدها في عيادة السكري، وعندما تم فحص دمها، أخبرتها الطبيبة هناك بأن تحليلها ممتاز جداً، فطلبت الطبيبة أن تعرف السر، فقالت لها عائلتي هم السر، ففرحتي بوجودهم معي وأنا أمشي يشجعني على أن أهتم بصحتي لأجلهم فأنا أحبهم جميعاً.

كم أحب جدتي كثيراً... بل إنني أحب الجلوس مع كبار السن كثيراً، فكما تعلمون، فالكبر حلقة من حلقات التاريخ، وجزء لا يتجزأ من وجود كل مجتمع. وتقدم السن امتداد لتاريخ طويل، أمضى فيه الإنسان حياة، ربما يكون ملؤها المخاطر والتضحيات، وعليه ستكون بلاشك مليئة بالحكم والمواعظ. لذا، فإن الاهتمام بكبار السن ورعايتهم واجب علينا، عملاً بمبادئ ديننا الحنيف، ورسالته الغراء التي تجعل الأسرة متضامنة متآزرة على السراء والضراء، ويعدّ وجود الكبار في المنزل امتيازاً وبركة ووقاراً، والشيخوخة مصدر استقرار، وجمع الشمل ولمّ الأولاد، وتحقيق المحبة والود بين أفراد الأسرة كلها، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً... فهنيئاً لنا وجودهم معنا... وأطال الله في أعمار أمهاتنا وآبائنا وأجدادنا وجداتنا.

مناهل