العدد 4527 - الأربعاء 28 يناير 2015م الموافق 07 ربيع الثاني 1436هـ

شخصنة الطب

لا نبالغ حين نقول إنّ جيناتك ترسم الخطوط الرئيسية والأساسية لحياتك. الجينات تتحكم في الجسم كَكُل على المستوى الجزيئي العميق عن طريق التحكم في البروتين المُصَنَّع داخل الخلايا كماً، نوعاً، وكيفاً. وعلى رغم أن نحو 99.9% من الحمض الوراثي النووي (DNA) متشابه في جميع البشر، قد يُفَسِّر الاختلاف الذي لا يزيد على 0.1% كل الفروق الفردية بين المليارات البشرية حول العالم. هذا الاختلاف الوراثي الصغير لا يؤثر فقط على المتوارثات الشائعة من لون البشرة، تقاسيم الوجه، والحالة الصحية، بل يمتد ليؤثر بشكل كبير على تقبل الفرد للمؤثرات البيئية المحيطة مثل الغذاء، الكيماويات، الميكروبات المرضية، العقاقير الطبية، والعلاجات المختلفة. لذلك نجد أن علم الوراثة والجينوم (Genomics) أدى إلى نهضة عظيمة في مجال العلوم الطبية بمختلف جوانبها التشخيصية، العلاجية، والوقائية.

توصل علماء مشروع الجينوم البشري إلى أن أكثر الاختلافات الوراثية شيوعاً هو ما يسمى بالتعدد الشكلي للنيوكليوتايد المفرد (Single Nucleotide Polymorphisms – SNPs) والذي ينشأ نتيجة إضافة، فقدان، أو تغير في إحدى المتتاليات النيوكليوتيدية (أدنين A، سايتوسين C، جوانين G، أو ثايمين T) ضمن الحمض النووي، ما ينتج عن سلاسل شخصية بموروثات مختلفة. ومع أن غالبية هذه الموروثات لا تتسبب في أي تغييرات حيوية تُذكر، إلا أن هنالك العديد منها التي قد تؤدي إلى اختلاف في الكفاءة النوعية للبروتينات المُصنعة، تمايز في كمية البروتين المُنتج، أو قد تؤدي إلى عدم إنتاج هذه البروتينات، ما يؤثر بشكل كبير على الوظائف الحيوية.

تتفاعل هذه الموروثات الفردية مع بعضها بعضاً من جانب، ومع العوامل البيئية من جانب آخر؛ لتؤثر بطريقة شخصية معقدة على اختلاف قابلية البشر للإصابة بالأمراض، التعايش معها، أو حتى التعافي منها. لذلك نجد أن من أهم التطبيقات الطبية الواعدة للتعدد الشكلي للنيوكليوتايد المفرد (SNPs) هو إرساء قواعد للطب الشخصي (Personalized medicine) والذي يشير إلى أهمية الأخذ بالفوارق الوراثية بين المرضى مع تجنب الرعاية الصحية الموحدة. معرفة المحتوى الوراثي لكل مريض، تساعد على شخصنة الطب عن طريق تصنيف المرضى إلى فئات مختلفة وراثياً، ما يساهم إيجابياً في تكييف الرعاية الصحية في جميع المراحل، بما في ذلك الوقاية، التشخيص، العلاج، والمتابعة.

في حين أننا نحتاج إلى سنوات من البحث العلمي لنرى الصورة الكاملة لكفاءة الطب الشخصي، هنالك العديد من التطبيقات المُبَشِرة، من أكثرها شهرة هو شخصنة استخدام مضاد التخثر أو ما يسمى بالوارفرين (Warfarin) في علاج الجلطات على أساس الموروثات في الجينات المسئولة عن استقلاب الوارفرين. الشخصنة الجينية في استخدام الوارفرين تسمح بوصفه فقط للأشخاص المتوقع استفادتهم، وبالجرعات المناسبة تفادياً لأي جلطات ناتجة عن قلة الجرعة المطلوبة، أو نزيف ناتج عن جرعة زائدة. وهكذا نجد أن توسع البحوث في مجال الطب الجزيئي الوراثي ضروري لرفع مستوى شخصنة الطب، وبالتالي تقديم رعاية صحية أفضل وأكثر أمناً.

زينب حسن مال الله

ماجستير بيولوجيا جزيئية - جامعة الكويت

العدد 4527 - الأربعاء 28 يناير 2015م الموافق 07 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً