بحلول يناير/ كانون الثاني 2015، تكون انقضت أربع سنوات على سلسلة ثورات وانتفاضات واحتجاجات لا سابق لها اجتاحت الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، انطلاقاً من تونس حينما أقدم بائع الخضراوات محمد البوعزيزي على إشعال النار في نفسه احتجاجاً على إهانةٍ بالغةٍ إثر صفعة تلقاها من شرطية في بلدته بوزيد، ومصادرة عربة الخضراوات، مصدر رزقه الوحيد.
وهكذا وبسرعة أشعل البوعزيزي النار في الهشيم العربي القابل للاشتعال بفعل تراكم الشعور بالمهانة والتهميش لدى ملايين العرب، حيث الصفعة التي تلقاها البوعزيزي يتلقاها المواطن العربي كل يوم فعليّاً أو معنويّاً.
اليوم وبعد أربع سنوات من الإعصار، فإن من الواضح أن المحصلة متفاوتة بين بلد عربي وآخر، وخصوصاً البلدان التي شهدت ثورات وانتفاضات، لكن المؤكد أن الوطن العربي والنظام العربي لم يعد كما كان قبل 14 يناير 2011. اجتمع العرب في قمةٍ في شرم الشيخ، وحضر الجميع باستثناء الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، الذي حاصرته الثورة وكان يستعد للهروب، أما باقي الزعماء فقد كانوا في أحسن حالات الوفاق والاطمئنان، بحيث كانوا يلتقطون الصور الودية وهم يتمازحون.
الصورة اليوم مختلفة، فالنظام العربي في أسوأ حالاته، والحرب دائرة في ليبيا وسورية والعراق واليمن، والاضطرابات منتشرة في مصر والسودان، والأزمة السياسية تخيم على السودان والأردن ولبنان والبحرين وغيرها، والاحتجاجات المتقطعة في معظم الدول العربية.
محصلة الربيع العربي هو سقوط النظام كليّاً أو جزئيّاً في تونس ومصر واليمن وليبيا، واهتزازه في أكثر من بلد عربي.
بالطبع فإن تقييم ما جرى يختلف بحسب من يقوم بالتقييم، وهو يتراوح ما بين اعتباره خريفاً دمويّاً؛ ومن اعتبره مؤامرة خارجية لنشر الفوضى ومن ثم تقسيم الوطن العربي؛ ومن اعتبره محاولة جديدة لنهضة عربية جديدة من خلال إصلاح شامل للأنظمة العربية بعد تعثر محاولات سابقة.
والحقيقة أن الربيع العربي واجه منذ البداية عقبات كأداء، ومقاومة شديدة الشراسة من قبل الأنظمة العربية، وتدخلاً من القوى الغربية والإقليمية لتوجيه التغييرات لصالحها، إلى جانب ضعف في قوى الثورة والتغيير، نلخصها في الآتي:
أولاً: باستثناء المغرب الذي استجاب فيه النظام والقوى السياسية لمطالب الحركة الاحتجاجية، وذلك بإدخال إصلاحات مهمة على النظام السياسي من خلال دستور جديد جرى الاستفتاء عليه، وإصلاحات في النظام الانتخابي يتيح للشباب التمثيل في مجلس النواب إلى جانب النساء، وتعزيز مؤسسات حقوق الإنسان ومكافحة الفساد وغيرها، فإن باقي الأنظمة العربية واجهت الحركة الاحتجاجية بالقمع الدموي، وتجاهل المطالب المشروعة. وقد أدى ذلك إلى نشوب حرب فعلية في كل من ليبيا وسورية، وعمليات قمع دموية كما في تونس ومصر واليمن، وأعمال قمع وإجراءات أمنية شديدة في باقي البلدان.
وباستثناء تونس حيث جرى تحييد المؤسسة العسكرية، وتراجع المؤسسة الأمنية، وتوافق القوى السياسية، وهو ما أمَّن انتقالاً سلميّاً للسلطة، فإن مسار التغيير قد تعثر في باقي البلدان ودخول ليبيا وسورية واحتمال اليمن في حرب أهلية، أو استيعاب الحراك الشعبي من قبل أجهزة الدولة القديمة وخصوصاً المؤسسة العسكرية كما في مصر، أو إجهاض الحراك كما في بلدان أخرى.
ثانياً: إن غالبية الجماهير التي تجرأت وخرجت إلى الشارع بدءاً من تونس ثم مصر ثم باقي البلدان العربية، وفي معظمها لم تكن قوى منظمة أو منتمية إلى تنظيمات سياسية راسخة ذات قيادات معروفة ومجربة، بل بمعظمها من الشباب الغاضب والجماهير العامة، وقد التحقت قوى المعارضة إن وجدت بهذا الحراك. وكون الأحزاب والمجتمع المدني الديمقراطي إما محرَّمة أو مهمّشة في هذه البلدان، فقد كانت فرصة القوى الإسلاموية من الإخوان المسلمين وما يعرف بالجهاديين، لاستغلال الحراك وقطف الثمار بوصولها إلى الحكم كما في مصر وتونس في البداية، أو تسيّد ميدان الصراع كما في ليبيا التي انزلقت إلى الفوضى التامة، أو سورية الغارقة في حرب أهلية، أو اليمن الذي ينزلق أيضاً نحو حرب أهلية بعد فشل الترتيبات لانتقال السلطة برعاية خليجية ودولية، وصعود الحوثيين والقاعدة.
ثالثاً: من الملاحظ أنه حيثما كان هناك مجتمع مدني قوي مثل المغرب وتونس، فقد لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً مهمّاً لكبح جماح القوى السياسية المتنافسة والمساهمة في ترتيبات لنقل السلطة كما في تونس، أو إدخال إصلاحات كما في المغرب، لكن في البلدان التي دُمّر فيها المجتمع المدني مثل ليبيا أو هو هامشي كما في سورية واليمن، فقد انفردت القوى السياسية بميدان الصراع.
رابعاً: مرةً أخرى يثبت النظام العربي الرسمي ممثلاً في جامعة الدول العربية، فشله الذريع في التصدي لأزمة عربية قوية، ويترك الأمر للدول الغربية لتتصرف بل وتتدخل عسكريّاً كما في ليبيا وسورية، خلافاً لدور الاتحاد الأوروبي - مثلاً - في معالجة الأزمات في الدول الأعضاء. كما أن المنظمات الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي، لعبت دوراً سلبيّاً من حيث عدم إعطاء أي اهتمام للشعوب، ومباركة كل ما تعمله الأنظمة الأعضاء، والانحياز إلى الأنظمة على حسب الشعوب.
اليوم وفي الذكرى الرابعة للربيع العربي، فإن المشهد فاجع فعلاً. ففي البلد الأكبر والأهم مصر، فإن الاحتفال بذكرى ثورة 25 يناير، والتي يستند النظام إلى شرعيتها، قد قمعت بدون رحمة، وسقط شهداء ليس من الإخوان فقط، بل من الديمقراطيين، ومنهم الشهيدة شيماء الصباغ من الحزب الثوري الاشتراكي، فيما كانت مع رفاقها في طريقهم لوضع إكليل من الزهور على نصب شهداء الثورة في ميدان التحرير. والمفارقة هو أنه في حين جرى إطلاق سراح جميع قيادات النظام السابق وعلى رأسهم حسني مبارك وابناه ووزير داخليته العادلي، ويجرى تبرئتهم تباعاً من تهم القتل والفساد وغيرهما، فإنه يجرى قمع الحركات الاحتجاجية باعتبارها «إخوان مسلمين»، أو «العمالة للخارج»؛ ومحاكمة نشطاء الثورة وإصدار أحكام قاسية بحقهم، وتعزيز نظام سياسي استبدادي من خلال تجريف العمل السياسي، ونظام انتخابي يهمش القوى السياسية، وترسانة من القوانين المقيّدة للحريات العامة.
المشهد في باقي البلدان، باستثناء تونس، محزن أيضاً في تصفية قوى الثورة والتغيير، حيث الاحتفال بذكرى الثورات والانتفاضات والحراك محرّم، وفي جميع البلدان العربية جرى تشديد القبضة البوليسية، وترسانات القوانين القمعية، والتعاون الأمني العربي.
أما الوجه الآخر، فهو انطلاق قوى التكفير والتطرف من عقالها إلى حد إقامة «الدولة الإسلامية» (داعش) على أراضي سورية والعراق، بعقيدتها التكفيرية والدموية التي لا سابق لها. وتتنافس «داعش» بأذرعها الموجودة في أكثر من بلد عربي مع التنظيمات التكفيرية المنافسة، وأخطرها تنظيم القاعدة ذو الامتدادات عربيّاً.
وفي مواجهة خطر «داعش» والتنظيمات التكفيرية على الأنظمة العربية والغرب، جرى اصطفاف دولي لتصفية هذه التنظيمات، لكن دون التصدّي للبيئة التي ولَّدتها، ودون مواجهة الأنظمة العربية بمسئوليتها عن هذه الظاهرة، ومن دون مراجعة الغرب لسياساته الانتهازية التي أسهمت أيضاً في نشوئها.
وبالطبع يجرى تجاهل المطالب والدوافع التي دفعت بالملايين من العرب إلى الشوارع. والاستمرار في قمع القوى الديمقراطية، وتجاهل مطالب الإصلاحات الشاملة والعميقة، للأنظمة العربية والإقليمية أو النظام الرسمي العربي.
لكن هل هذه هي الصورة فقط؟ لا، فهناك الوجه الآخر للصورة والمتمثل في الثقافة الجديدة التي اكتسبتها الشعوب العربية، في عدم الاستسلام إلى الواقع والركون إلى الروتين اليومي للحياة. فمعظم الشعوب العربية لم تعد تركن إلى شرعية الأنظمة، ولم تعد الإجراءات الشكلية مثل الانتخابات النيابية أو الرئاسية أو تغييرات في إطار النظام أو تغييرات وزارية، تخدعها، بل إن مقاطعة الانتخابات أصبحت هي الظاهرة الأبرز عربياً.
وعلى رغم تحريم العمل السياسي والمجتمعي أو تقييده بشدة، فإنه يجرى بناء أشكال جديدة من التنظيمات السياسية والمجتمعية خارج إطار النظام الرسمي، كما أن الحراك الجماهيري لا ينتظر الترخيص، ويوفّر الفضاء الإلكتروني مجالاً واسعاً للتثقيف والإعلام البديل.
كما أنه في مقابل التحالف الرسمي العربي لمواجهة التغيير، والدعم والتحالف الغربي مع الأنظمة تحت يافطة «مكافحة الإرهاب»، فإن هناك تضامناً متزايداً فيما بين الشعوب العربية، وحركاتها الاحتجاجية، ومنظماتها المجتمعية، ونشطائها السياسيين والحقوقيين في تحالف مع القوى التقدمية والديمقراطية والحقوقية في المجتمع السياسي والبرلماني والحقوقي، ما يسهم في مواجهة واقع الاستبداد.
قد نكون على أعتاب موجة جديدة من الحراك العربي، بشائرها في مصر وبعض البلدان العربية، وعلى أية حال، لن تستكين الشعوب العربية وشعارها، «الشعب ما يرجع ورا».
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4527 - الأربعاء 28 يناير 2015م الموافق 07 ربيع الثاني 1436هـ
محب الوطن الشعب مايرجع وراء في حالة اتحاده 0755
صباح الخير نعم جميع شعوب العالم حققة الديمقراطية عندما تمكنة من عمل أحزاب مدنية تمثل جميع الأطياف لا أحد في الداخل أو الخارج يستطيع أن يتهمها بأي شيء لانها تضم جميع الأديان والمذاهب والألوان أما العكس فيرجعنا إلى الوراء وأكثر فهل فيه فائدة واحدة من جمعيات تمثل السنة لوحدهم والأخرى تمثل الشيعة والمطالب العادلة مبتغى الكل
انه خريف و ليس ربيع
خلاص هذا الربيع الامريكي الصهيوني انتهى من غير رجعه باْذن الله و الى مزبلة التاريخ