عندما تحركت الملايين من شعب مصر، وزحفت للإعتصام في ميدان التحرير، في الخامس والعشرين من يناير 2011، كان الصراع بين النظام الحاكم وبين الشعب في مصر، فهو بهذا كان أمراً داخلياً، في حدود المساحة والمكوّنات البشرية للدولة المصرية، للمطالبة بحكومة وطنية انتقالية، تؤسس لإعادة بناء الدولة، على أرضية التصويت الشعبي على تعديلات دستورية، من أجل وقف الفساد وسرقة وهدر المال العام، واتباع العدالة في توزيع الثروة الوطنية.
ولكن بغض النظر عمّا آلت إليه النتائج، هل خلص الوضع واستمر في كونه داخلياً؟ أم سارعت عدة أنظمة في دول مختلفة على الصعيدين الإقليمي والدولي للتدخل، كلٌ يدعم ويساند طرفاً؟ سواءً لمناصرة ودعم النظام القائم برئاسة حسني مبارك، أو لتقوية شوكة قوة داخله، مثل الجناح العسكري، أو تقوية شوكة قوة خارجه، مثل حزب أو فرقة؟ بما حوَّل مطالب الحراك الشعبي الملاييني إلى صراع بين دول متعددة، تختلف وتتصارع مصالحها، ولكن ليس للشعب في دعم أي منها نصيب، بدليل ردة فعل النظام المصري الجديد من بعد نظامي مبارك والإخوان المسلمين، ضد شعب مصر إزاء حراكه في الذكرى الرابعة لانتفاضته قبل أربعة أعوام، لتغتال الشهيدة شيماء الصباغ وتلحقها بآخرين، لتعود الحال بشعب مصر إلى حالة «كأنك يا زيد ما غزيت»، فكل ما جَدَّ عليه هو استبدال حامل السلاح ضده بآخرين، أو هم نفس الأفراد ولكن بتنفيذ أوامر أخرى، عكس تلك التي استخدمتها القوى النافذة ذاتها حينذاك، لتظهر بمظهر الراعي والحامي الودود لشعب مصر، واليوم هي قاتلته.
والأحداث ذاتها والحال ذاته، تلك التدخلات التي حدثت بالأمس القريب في تونس، ومآلها اليوم في اليمن، مع اختلاف الأطراف، ففي اليمن هناك التدخلات باسم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي أوكل إليه التقدم بمبادرة مجلس التعاون، وها هي اليمن اليوم تعود من جديد إلى الحراكات الشعبية وتبادل الأدوار بين القوى الشعبية المختلفة، في ظل بروز الحراك الحوثي، ضد استمرار نفوذ نظام الرئيس علي عبدالله صالح القديم، وضد ضعف نظام الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، لتبرز من جديد على السطح، رغبة اليمنيين الجنوبيين في الانفصال في دولة مستقلة.
وما زالت التدخلات قائمة في مصر في شكل دعم النظام القائم برئاسة عبدالفتاح السيسي، ولهذا تتواتر عليها المساعدات، مقابل إبعاد شبح الإخوان المسلمين من جهة، ومن جهة أخرى تهدئة الوضع مع «الجارة» (إسرائيل)، أما اليمن فهي على الحدود مع كبرى دول مجلس التعاون، وفي كلتيهما نما تنظيم «القاعدة»، ومنه انبثقت «جماعة النصرة»، وحديثاً برزت جماعات «داعش»، بحيث أصبح الوضع غير مأمون في جميع هذه الدول. وهنا جاء العون من قبل أميركا وأوروبا.
الأطراف ذاتها التي تدخلت في جميع تلك البلدان، هي ذاتها تدخلت في سورية وغيرها، ولكن هناك في تلك البلاد كان التدخل لوجستياً ودبلوماسياً، أما في سورية وغيرها فقد كان التدخل مباشراً وباستخدام القوة الجبرية، سواء المباشرة أو غير المباشرة كما في سورية.
وفي جميع بلاد الربيع العربي، مازالت الشعوب تصارع أنظمتها الحاكمة، وامتداداتها في التدخلات الخارجية، في حين أن الأنظمة تستنجد بالخارج الإقليمي والدولي، في ازدواجية تعاقب من خلالها شعوبها على اتصالاتهم السياسية والحقوقية بالمؤسسات الأممية وليست الدولية فحسب، بما يصحح ما تبثه الأنظمة من معلومات الغرض منها تشويه الحراكات الشعبية ووصفها بالمؤامرات ضد الوطن وضد الأنظمة بما يخالف القوانين. وتصف الأنظمة بذلك التظاهرات والمطالبات الجماعية، التي تقرها الدساتير والمواثيق الأممية للحقوق المدنية والسياسية، كما تتصدّى الأنظمة بالهدم لكل أشكال ومبادرات العمل الشعبي المنظم، فتحارب مؤسسات المجتمع المدني، سواءً المهنية أو الحقوقية أو السياسية، وتتجاوز بالضرّ أبسط الحمايات التي تفرضها معاهدات حقوق الإنسان.
كل ذلك أمام ناظري الدول التي تصرح بدعمها للحقوق، إلا أنها ذات مصلحة في علاقاتها مع الأنظمة، التي تراها صاحبة الكلمة الفصل، طالما ظلت في سدة الحكم، لذا تجامل هذه الدولُ الأنظمةَ على حساب شعوبها، ما لم تضطلع الشعوب بإضعاف أنظمتها في حال فسادها واستبدادها، عبر الانخراط في العمل السياسي السلمي الجماعي المنظم، لرقابة وتقويم الأداء الحكومي، ما أمكن، وفي حال لم تستجب هذه الأنظمة لمطالب الإصلاح، فليس أمام الشعوب إلا تبكير مواعيد الانتخابات، وانتخاب أفراد أنظمتها من جديد.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4526 - الثلثاء 27 يناير 2015م الموافق 06 ربيع الثاني 1436هـ
المواقف الدولية هي المصالح الدولية
المصالح الدولية هي التي تحدد المواقف الدولية ؛ كل دولة تحدد مواقفها حسب ما يعنيها هي؛ و وفق ما يسبب لها من مكاسب! أما القانون الدول و حقوق الإنسان فهي للصحافة و الإعلام و الأغبياء و قليلي الخبرة.