بعد العدوان الإسرائيلي على عناصر «حزب الله» في القنيطرة، كانت هناك هجمة جديدة شنتها قبل أيام جماعات التكفير والإرهاب المسلحة على مراكز للجيش اللبناني قرب تلة الحمراء في «جرود بعلبك». الهجمة جاءت أثناء استهداف الجيش لمواقع تجمعات هذه الجماعات وتحصيناتهم وطرق تسللهم بالمدفعية الثقيلة والصواريخ البعيدة المدى وسلاح الطيران، وتم تدمير آلياتهم واستعادة الموقع.
الإعتداء الأخير أدى إلى استشهاد ثمانية من أفراد الجيش اللبناني، كما خلف جرحى ومصابين، بالمقابل سقط قتلى وجرحى في صفوف مسلحي «داعش» و»جبهة النصرة» المتحالفة مع «إسرائيل»، من بينهم قادة. وماذا أيضا؟
قبلها ومنذ الحرب على سورية، تكرّرت عمليات الاختطاف والقنص الإرهابي لعناصر الجيش والتفجيرات، وآخرها تفجير انتحاري مزدوج في أحد المقاهي في «جبل محسن»، وكان ثمة مخطط لتفجير «كازينو لبنان» بسيارات مفخخة جرى إبطاله، والكثير الكثير من محاولات خلق وقائع ميدانية جديدة على الحدود الشرقية لصالح «الإمارة الإسلامية»، فيما العدو الإسرائيلي في حال استنفار واستعداد لاقتناص الفرص، وجيشه يواصل حشد المزيد من آلياته باتجاه مواقعه في مزارع شبعا ومرتفعات الجولان، وتحليق مكثف لطيرانه المروحي والحربي فوق المناطق كبنت جبيل ومرجعيون، وصولاً إلى صور والنبطية وإقليم التفاح، مع شن غارات وهمية مكثفة على علو منخفض وطائرات استطلاع تخترق السيادة اللبنانية بشكل يومي.
فما سبق ومعه عدوان القنيطرة، ثمة دلالات ومؤشرات تشي بأن لبنان بات في عين العاصفة، بل ويتمركز في قلب الحريق الإقليمي المفتوح على أسوأ الاحتمالات، وهو في أتون حرب الإنهاك والاستنزاف القائمة على جبهات ومحاور متعدّدة تستهدف السلم الأهلي والأمن الوطني، لم لا وأعداد ضحايا المعارك المتنقلة والتفجيرات العابرة في حاضنة كل الطوائف والمذاهب في الشريط الحدودي الشرقي وغيره في حال تنامٍ مستمر.
وتيرة القلق والتوجّس الأمني في لبنان ترتفع باطراد، والتهديدات التي يواجهها في اتساع، وسلسلة الأسئلة والاستفهامات التي يخلفها العدوان الإسرائيلي وشبح العمليات الانتحارية التكفيرية مستمرة، فهل ستقع الحرب؟ وإن وقعت ما هو مداها الزمني والجغرافي؟ أين ومتى ستقع؟ هل في الجنوب اللبناني أم في الجولان؟ وهل التطورات الأخيرة تهدف إلى تعزيز خطط تدريب المعارضة السورية المعتدلة ضد النظام السوري؟ أم بهدف تكرار تجربة «انطوان لحد» السورية لإنشاء شريط حدودي سوري لمصلحة الكيان الصهيوني واستقراره؟
في هذا الشأن قيل الكثير وتساءل المراقبون عمّا إذا قرّرت إيران في الأصل تسخين الجبهة الشرقية وإلغاء هدنة الجولان وإعلان الحرب لاسترجاع مرتفعاته المحتلة؟ بيد أن فتح هذه الجبهة حتماً، سيخلط أورق اللعب ويدمّر ما تبقى لاسيما لجهة تخريب أجواء المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها الغرب حول ملفها النووي، ما يعني أن إيران لا يمكن أن تتورط في حرب إقليمية قد تأكل الأخضر واليابس خصوصاًً أن خطواتها محسوبة وهي في حال تنسيق وتشاور مستمر مع حليفتها روسيا.
هنا تجدر الإشارة إلى أن التصريحات الإيرانية النارية والتهديد بالانتقام من «إسرائيل» الذي أعقب «عدوان القنيطرة» وراح ضحيته الجنرال محمد علي الله داد وجهاد مغنية، قد وردت على لسان الحرس الثوري «الجناح العسكري» الذي لا يمثل اتجاه رئيس الجمهورية الإسلامية حسن روحاني، وبالتالي فليس من مصلحة إيران من الناحية الفعلية منح أية فرصة ومنفذ لنتنياهو لنسف مفاوضات النووي والحوار المحتمل أن يفضي إلى إبرام اتفاق نهائي بين إيران والدول الست المعنية بالملف.
وعليه يتوقع بعض المحللين أن أي رد فعل هجومي سيقوم به «حزب الله» على عداون القنيطرة وتوابعه من اعتداءات إرهابية في الوقت الحالي، سيكون محدوداً للغاية، وهدفه الأساسي رفع العتب عن الحزب ولن يتحوّل إلى مواجهة واسعة، ذلك لأن إيران ووفقاً لبعض الآراء، تسعى إلى إظهار حسن نيتها للولايات المتحدة وتقديم نفسها كقوة استقرار يُعتمد عليها في المنطقة، ما يعني احتمالية تأجيل الضربة الثأرية إلى وقت ومكان آخر ربما خارج حدود لبنان أو سورية تماماً، كما حدث في العملية التي جاءت رداً على اغتيال الأمين العام السابق لـ «حزب الله» عباس الموسوي العام 1992.
من ناحية العدو الإسرائيلي، المتوقع توجيه مزيدٍ من الضربات والاعتداءات على «حزب الله» بهدف تحديد الحيز الجغرافي الذي يشارك فيه الحزب في الحرب السورية ومنعه من تجاوز تلك الحدود، لاسيما وأن «إسرائيل» لا تقبل البتة تحوّل الجولان إلى جنوب لبنان آخر، أي ببساطة شديدة لا تقبل بوجود عسكري مباشر على حدودها لـ«حزب الله» أو لإيران – أي بوضع قواعد إطلاق لأي صواريخ- وهي بعدوانها أيضاً ترسل رسالة مفادها بأنها ستكون درعاً واقياً لـ«جبهة النصرة» أمام أية عملية عسكرية يجري إعدادها للقضاء عليها – أي على جبهة النصرة-.
ولهذا تواصل تل أبيب اتصالاتها مع موسكو لاستخدام نفوذها في توصيل رسالتها مضمونها «أنها ليست في وارد التصعيد وتسخين الجبهة الشمالية، لكنها لا تقبل إقامة قواعد لجماعات إرهابية (تقصد طبعاً إيران وحزب الله) قرب حدودها»، حسب تعبير الإذاعة الإسرائيلية.
أضف إلى ذلك ما أشار إليه دبلوماسي غربي «من أن أي حرب إسرائيلية غالباًً ما تتطلب تغطية أميركية مهما كان حجمها ومداها لتأمين استمرارها والانتصار فيها»، وهذا الأمر مفقود في «عملية القنيطرة»، فواشنطن وحتى اللحظة، لم تعلّق على العملية سلباً ولا إيجاباً. وما يزيد الطين بلة بالنسبة لـ «إسرائيل»، الأخبار التي تواردت حول إصرار الرئيس أوباما على إنجاح مفاوضات النووي الإيراني، للمستوى الذي هدّد فيه الكونجرس باستخدام الفيتو لو حاول فرض أية عقوبات جديدة على إيران.
الخلاصة، لبنان يمر بمرحلة حساسة ومتعدّدة المخاطر من تاريخه، وهي تستوجب وعياً عالي المستوى للفرقاء السياسيين، وإلى إرادة سياسية تواكب الجهود العسكرية والأمنية التي يقوم بها الجيش اللبناني، بل وإلى توحيد الموقف الأمني والسياسي تجاه مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وإرهاب الجماعات التكفيرية، فما هو آتٍ قد يكون أصعب وأشدّ تصعيداً، خصوصاً مع اقتراب مرحلة الحسم وتعزيز أوراق التفاوض وتحقيق المكاسب والاستحقاقات، فلبنان ومهما قيل عنه، ما هو إلا ورقة من أوراق الصراع الأممي الدائر في منطقة الشرق الأوسط.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4526 - الثلثاء 27 يناير 2015م الموافق 06 ربيع الثاني 1436هـ
كلام في كلام
اكثر من أربعين سنه ولم نسمع طلقة رصاصه في الجولان ،، ايران التي تلعب علي عواطفنا من سنين كثيره بأنها من سيحرر فلسطين !! واتي بعده حزب الله الذي مشي في خطه بالتحرير ( والعرب في سبات ) وبعدهم الاسد الذي قتل شعبه ولم يفعل شئ للجولان المحتل .. لبنان ستكون بخير عندما يرفع حزب الله يده عنه ويعود لبنان الجميل .