بتأمل عالم النملة، حشرة من أضعف خلق الله كما ننظر إليها من مواقع قوتنا وهيمنتنا وسيطرتنا على الأمور على هذا الكوكب. لكن هذه الحشرة في تفاصيل ما تعيشه وتحياه، تثبت أنها أكثر انتظاماً وترتيباً لشئون حياتها من أبسط التفاصيل إلى أعقدها، من كثيرٍ من البشر، وهي تفاصيل عملت وتعمل على حمايتها، ومنحها القوة والدفاع عن بقائها، على رغم ما يحيط بها من كائناتٍ عملاقةٍ وعالم معقد.
في ما يستطيع الإنسان حمله ورفعه طاقة لا يمكن له أن يتجاوزها، مهما بلغت به القوة أو تحايل عليها. بمقاييس قدرة حمل النملة لتلك الأثقال من الرزق، يستحيل على الإنسان أن يجاريها مقارنةً بقوتها ووزنها. الإنسان لن يستطيع رفع الحمل الذي تحمله النملة إلا بمساعدة وسائط وآلاتٍ تتمثل في الرافعات وغيرها.
في ما نقرأ من معلوماتٍ مبثوثةٍ وثابتةٍ، أن النملة بما هي عليه من وزنٍ وقوةٍ محدودةٍ تستطيع حمل عشرين ضعفاً من وزنها، وما تحمله يكاد يقترب من وزن سيارة يرفعها الإنسان على كاهله. ما نراه في برامج التسلية كسحب سيارة من خلال حبل يربط في الخصر أو يتمّ إمساكه بالأسنان، يكون فقط لتُمنح الأرواح المثقلة بالهم بعضاً من تسلية.
وبالنظر إلى عراقة حضور النملة على كوكب الأرض، فلن نرى كثير حضور ووجود يسبقها، مقارنة ببقية الكائنات. هي في القِدَم منه والسحيق من الزمن. يخبرنا التاريخ أن وجودها يمتد إلى أكثر من 92 مليون سنة. ساعد تحديد التاريخ ذاك للوقوف على أقدم نملة على وجه الأرض، حجر تم اكتشافه في الولايات المتحدة الأميركية في العام 1998. 92 مليون سنة هو العام الذي تواجدت فيه الديناصورات. حدث ما حدث من تحولات وتقلبات على الأرض، انقرضت الديناصورات بسبب عوامل وتأثيرات، وبقيت تلك الحشرة التي مازلنا ننظر إليها باحتقار كبير. ولذلك دلالاته التي لا يريد كثيرون أن يقفوا عندها، لأنها تضعهم أمام وزنهم وأحجامهم الحقيقية.
ليس بالضرورة أن تهيمن وتمتلك القوة، وتتوهم أنك من تصنع الحياة وتهيمن عليها إلى أبد الآبدين، فهناك مخلوقات تم احتقارها والتقليل من شأنها وقدرتها على المواجهة والبقاء، هي التي استطاعت أن تبقى وتزاول حياتها، فيما الذين أصابتهم سكرة القوة والغرور ذهبوا إلى مدى الإهمال وحُفر من النسيان.
هلكت الديناصورات، وظلت النملة جارة أبدية ومن أول مواطني هذا الكوكب. وفي كل عالم عبيد، أو ما يقترب من أولئك. في عالم النمل للعبيد حضور، لكن ما اكتشفه العلماء أيضاً أن حالة من الرحمة والمواساة والتكافل ترتبط بها تلك الحشرات مع الذين وجدوا أنفسهم عبيداً في ذلك العالم.
العلماء رصدوا في أبحاثهم بعض أنواع الحشرات التي تعيش مع مجموعة من العبيد، وظيفة أولئك جمع العلف الذي تحتاجه تلك الحشرات للغذاء، ومع ذلك لا يتم تناول الطعام إلا معاً من دون تمييز. بل والأكثر إبهاراً فيما اكتشفه العلماء، أن كبار الحشرات يحرصن كل الحرص على التأكد من تناول العبيد لحصتهم من الطعام من خلال مباشرة إطعامهم.
نحن في بيوتنا اليوم يصبح من العار أن تجلس خادمة معنا على وجبة طعام، أو على الأقل كثير من البيوت يجد في ذلك الخيار مفسدةً لسلوك العاملين لديهم! والأكثر إدهاشاً أن النملات يمتنعن عن تناول الطعام في حال غابت العبيد، وقد يؤدي بها ذلك الموقف إلى الموت جوعاً!
كثير من تلك المثل والقيم لن تجد لها أثراً في عالم الإنسان، الذي من المفترض أن يكون هو النموذج الأول للكائنات جميعاً، إلا أن ممارسته تثبت أن المخلوقات الأخرى هي من يجب أن يتخذها نموذجاً كي يتمكن من استرجاع إنسانيته التي فقدها، ويبدو أنه غير حريص على فقدانها!
ولكم في النمل حياة وعبرة.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4524 - الأحد 25 يناير 2015م الموافق 04 ربيع الثاني 1436هـ
تعليقات !!!
تعليقات بعض القرّاء هنا ذكّرتني بالطُرفة الآتية و بالذات العِبرة منها :
سألَ رجلٌ أحد العلماء : ما معنى الكموج؟
فقال له : أينَ قرأتها؟
قال الرجلُ : قرأتها في قول أمرئ القيس ( وليل كموج البحر أرخى سدوله *** عليّ بأنواع الهموم ليبتلي).
ِِ
فأجابه العالم : الكموج دابة تقرأ ولا تفهم.
الامام علي (ع)
لا يرضى بايذاء نمله وانا على الفطره لا احب قتلهم
امبه نملة شگرة
أنا بعد امبه أعرس على نملة....
شكرا مقال اكثر من رائع
مشكلة الانسان حتى لو علم بنفسه انه مخلوق حقير واستدلالي لقول الدعاء بمناجاة رب العزة الاهى انا عبدك الذليل الحقير وو ال ان البشر طبعهم التكبر ووالتزمت والتجبر واحتقار ما دونه للاسف اشكرك ع مقالك الجميل ابداعك رائع
أبغي أتزوج نملة
أنا مادريت عن النمل چديه عجل الحين باعرس على نملة