رحل الوجيه عبدالكريم العليوات صباح أمس الأحد (25 يناير/ كانون الثاني 2015)، وكان آخر ما أصدره من الإنتاجات الأدبية كتابه «البحرين... مذكراتي من الهيئة إلى الاستقلال» والذي روى فيه مشاهداته عن حقبة الاستعمار البريطاني للبحرين في ثلاثينيات القرن الماضي، وما لحقه من تشكيل هيئة الاتحاد الوطني بزعامة عبدالرحمن الباكر وصولاً إلى مرحلة الاستقلال.
الزميل جعفر الجمري سبق وأن لخص هذا الكتاب الذي يقع في 171 صفحة، ويضم بين دفتيه اثني عشر فصلاً، في تقرير مطول نشرته «الوسط» منتصف العام الماضي.
حينها قال الجمري: «إن العليوات لم يتكئ على الذاكرة وحدها، فمن سياق قراءة شهادته على تلك المرحلة من تاريخ النضال في البحرين، يمكن الاطمئنان إلى أن المنعطفات الكبرى من ذلك التاريخ تم رصدها وتوثيقها في ما يشبه اليوميات المتفرقة وتم استجماعها في الهيئة التي صدرت بها».
يبدأ العليوات الراحل كتابه مستعرضاً تاريخ نشأته، وهو الذي ولد بالمنامة في العام 1929 من أبٍ وطنيٍ مناضل يُصنف من كبار التجار وقتها وهو المرحوم عبدعلي العليوات.
يقول العليوات الابن في ترجمة نفسه: «التحقت بالمدرسة الجعفرية بالمنامة ليبدأ مشواري التعليمي في المرحلة الابتدائية، وحين أستذكر هذه الفترة من طفولتي أتذكر معها الكثير من المرارات والكثير من المعاناة».
الزمن تنكر لعائلة العليوات الثرية فأحالها بعد غناها فقيرة لا تملك ما تسد به رمقها» كان جدي من الأثرياء، لكن الزمن تغير فشحت يده، وتأثر نتيجة لذلك وضعنا المعيشي، وأتذكر أنني وإخوتي نخرج من البيت صباحاً متوجهين إلى المدرسة دون تناول طعام الإفطار، وكان والدي المناضل عبدعلي العليوات يخرج إلى السوق في ذلك الوقت ليدبر الأحوال، ويحضر بعض المال ويعطيه إلى والدتي فتقوم بدورها بتحضير طعام الإفطار لنا وتحضره إلى المدرسة وقت الفسحة، حيث كانت تنتظرنا في مكان محدد اعتدنا عليه خارج المدرسة، حيث نذهب إليها لنتناول الطعام». قال ذلك العليوات في لقاءٍ أجراه مع الزميل سعيد محمد في العام 2008.
عقِب تخرجه من المدرسة الجعفرية في العام 1944، تم تعيين العليوات أميناً للسر في المكتبة العامة بالبحرين. الكتب والثقافة عامةً ظلت تداعب مشاعر العليوات حتى صارت جزءاً منه. في تاريخه الثر شواهد على ذلك.
قام مع أخيه فيصل بتأسيس مكتبة تجارية في منتصف خمسينيات القرن الماضي، فأطلق عليها حينها «مكتبة الأندلس» قبل أن تتحول إلى «لشركة العربية للوكالات والتوزيع». وفي تواصلٍ للمسيرة الأدبية وفي درب عشق الصفحات، انضم العليوات إلى اتحاد الناشرين والموزعين في العالم «الديتبرس» . كان ذلك في العام 1965. ثم بعدها بخمسة أعوام انضم إلى اتحاد الموزعين العرب.
الأكثر تميزاً أن الراحل عبدالكريم العليوات في 30 مارس/ آذار العام 1971 أقام أول معرض للكتاب في البحرين وضمه نادي العروبة، برعاية من القائم بأعمال رئيس التربية والتعليم حينها الراحل الشيخ عبدالعزيز آل خليفة، وظل العليوات وفياً إلى هذا الدرب حتى الأيام الأخيرة من حياته، حيث بقي يعمل في مكتبته ويتابع كل ما له علاقة بالكتاب والتوزيع والنشر ومعارض الكتب.
في كتاب مذكراته يسترجع العليوات موقفاً صادفه في العام 1949، حين كان يعمل كأمين سر لجلسات المحاكم البحرينية. يقول العليوات: «أحد المسئولين طلب مني، كما فعل مع آخرين التبرع بمبلغ لشراء هدية للمستشار البريطاني بلغريف، فرفضت القيام بذلك على رغم التهديد بإيقاف راتبي الشهري. وهي جرأة قد لا تكون مستغربة منه، إذ ذكر العليوات أيضاً مثيلاً لها في لقائه مع «الوسط».
«كان عمري وقتها 26 عاماً. لقد كان الإنجليز يفتشون بيوت الجيران عند الساعة الثالثة من بعد منتصف الليل، وكأنهم لا يعرفون أين يقع بيت عبدعلي العليوات. استيقظ والدي مبكراً وارتدى ثيابه بعد أن علم بما يجري، وطلب مني أن أفتح الباب بدلاً من مرورهم على بيوت الجيران في هذا الوقت، فرفضت، وقلت: «لا أستطيع فتح الباب».
في الفصل الثالث من الكتاب يتناول فكرة الحركة المطلبية في العام 1934 «انطلقت من جانب عدد من الأشخاص وهم: والدي عبدعلي العليوات، منصور العريض، محسن التاجر، عبدالرسول بن رجب، حاجي عبدالعزيز بن حجير البوري، أحمد بن ناصر، حسين المدحوب، وحاجي علي بن عباس العالي».
يسرد العليوات فصول الحكاية «اتفقوا حينها على مخاطبة حاكم البلاد آنذاك سمو الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، مذكّرين بدورهم في تعزيز استقرار البلاد بعد الأحداث التي شهدتها البحرين في عشرينيات القرن الماضي»، مستدركاً « لكنها لم تلق رداً يذكر».
يردف العليوات «وفي 1938، برزت إلى السطح الحركة الوطنية الأولى التي رفعت مطالب لجميع فئات الوطن، وذلك بعد اندماج نشاطات شخصيات مثل، علي بن خليفة الفاضل، محمد الفاضل، خليل المؤيد، يوسف كانو، عبدالرحمن الزياني، سعد الشملان، وأحمد الشيراوي مع محسن التاجر، محمد علي التاجر، السيد سعيد بن السيد خلف، عبدعلي العليوات، منصور العريض، السيد أحمد العلوي، الشيخ عبدالله بن محمد صالح وحاجي أحمد بن خميس».
في الفصل الرابع من الكتاب يستعرض العليوات ما عُرف لاحقاً بـ «فتنة سبتمبر/ أيلول 1953»، والمصادمات التي جرت في خط سير موكب عزاء يوم العاشر بالمنامة، قبل أن تتدخل شخصيات من الطائفتين السنية والشيعية من أمثال عبدالرحمن الباكر، عبدعلي العليوات، عبدالعزيز الشملان لاحتواء الأزمة.
لاحقاً على ذلك، فصّل العليوات في كتابه قضية اعتقال والده ثم نفيه لجزيرة سانت هيلانة مع بقية قيادة هيئة الاتحاد الوطني.
يشير العليوات «في تلك الفترة تم إعلان حالة الطوارئ، مع بدء محاكمة قادة الهيئة في 22 ديسمبر/ كانون الأول 1956، وصدر الحكم على القادة الثلاثة في يوم واحد في مركز شرطة البديع في محكمة برئاسة الشيخ دعيج بن حمد آل خليفة وعضوية كل من الشيخ علي بن أحمد آل خليفة، الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، والمدّعي العام رجل إنجليزي يدعي بِني».
الفصل العاشر من الكتاب أفرده عبدالكريم العليوات لما اعتبرها أسباب فشل الهيئة، بعد أن حكى في الفصول التي قبلها مراحل المفاوضات التي تمت بين الهيئة والحكومة، فيما خص العليوات الفصل الثاني عشر والأخير لسيرته «المكتبية» وعشق الثقافة والأدب.
العدد 4524 - الأحد 25 يناير 2015م الموافق 04 ربيع الثاني 1436هـ