في محاضرة بعنوان «الإسلام وتحديات العصر» والتي قدمها الخبير في العلاقات الدولية والاستراتيجية، محمد نعمان جلال في مركز كانو الثقافي مساء يوم الثلثاء 20 يناير/ كانون الثاني 2015، وأدارها الشاعر علي عبدالله خليفة، بحضور مجموعة من المثقفين والمهتمين ورواد المركز، أكد نعمان جلال أن دواعي بحثه في الإسلام وتحديات العصر هو المفارقة ما بين بداية القرن العشرين مع دعاة التنوير والإصلاح والانتهاء مع دعاة الإرهاب والظلام، حيث قال: «بدأنا القرن الحادي والعشرين بمفارقة خطيرة ففي مقابل رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده والكواكبي وخير الدين التونسي وغيرهم ممن قادوا مسيرة التنوير في مختلف البلدان العربية والإسلامية، ها نحن الآن مع ابن لادن والظواهري وأضيف لهما أبوبكر البغدادي وللأسف أحدهما مصري والآخر سعودي من أصل يمني والثالث من عاصمة الدولة العباسية حتى نشارك كلنا كعرب في هذه الكارثة الكبرى، فمن دعاة التنوير والنهضة والثقافة إلى دعاة الانغلاق والعداء والكراهية والقتل الوحشي، وكل ما لا يمت للإسلام بصلة. هذه هي إحدى المفارقات التي تجعلنا كعرب مسلمين ومسيحيين ويهود وغيرهم من العقائد أن نبحث عن القواسم المشتركة كافة بيننا، وهذا هو لب ما أحاول أن أثيره في هذه المحاضرة».
بعد توضيحه لمدى المفارقة بين دعاة التنوير والإرهاب بدأ نعمان جلال يسرد التحديات بحسب رؤيته لمدى خطورتها في هذه المرحلة المعاصرة، والتي منها تحدي الفرق المنحرفة وأشار فيها إلى مظاهر التكفير، التجهيل، ومقولة الحاكمية القرآنية والجهادية وغيرها، وهي تسميات في غير موضعها وتنطبق عليها مقولة «كلمة حق أريد بها باطل» ومن ذلك تعبير الدولة الإسلامية، وغيرها من المسميات التي تحمل اسماً أو مصطلحاً دينياً ورد في القرآن أو نسبة للرسول، ومن التحديات فرق الجهاد المتعددة والفهم الخاطئ لمفهوم الجهاد، ما أدى لتشويه صورته والخلط بينه وبين الإرهاب، ومن التحديات التعامل مع الآخر سواء صاحب العقيدة الدينية السماوية أو غير السماوية أو صاحب طائفة معينة تماشياً مع مبدأ الحرية الدينية وحرية الشعائر ومع مفهوم المساواة، ومن التحديات التخلف العلمي والتكنولوجي والاقتصادي في معظم الدول الإسلامية والذي يتناقض مع دعوة الله للعلم وللتفكر في خلق الإنسان وخلق الكون.
وأضاف جلال ومن التحديات ضرورة الفهم الصحيح للقواعد الفقهية وللنصوص الدينية والمقاصد الخمسة للشريعة، وهي حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال، ومراعاة القواعد المتفق عليها في الأولويات الإسلامية وفي مقدمتها أن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأن دفع الضرر العام مقدم على دفع الضرر الخاص؛ وذلك حماية للمجتمع، وهو ما يؤدي لحماية الفرد، وأن الضرر لا يدفع بالضرر، والضرورات تبيح المحظورات، ومبدأ التيسير، ومبدأ رفع الحرج.
وأكد جلال أن من التحديات المعاصرة ضرورة فهم الواقع، باعتماد المرجعية الصحيحة التي تعود إلى روح النصوص في مبدأ التدرج ومبدأ الاعتدال، وتغير الأحكام بتغير الأزمان والأوطان وتغير المصطلحات بتغير مفاهيم اللغة العربية كمصطلح الحكم والذي يعني القضاء، أما السياسة والحكم في الإسلام فإنها تعتمد المفهوم المدني في مصدر السلطة.
وفي مجال التحديات الحقوقية أكد جلال على أهمية مراعاة مبادئ العلاقات الدولية المعاصرة، ونظرة الإسلام لحقوق الإنسان، الذي اعتمد على مبدأ التكريم للإنسان، وإعلاء المساواة وتأكيد الإخاء والحرية والعدالة بين البشر كافة، وحقوق المرأة. فهناك أكثر من سورة في القرآن الكريم عن المرأة مثل سورة النساء، ومريم والمجادلة والممتحنة، فضلاً عن عشرات الآيات التي تتناول حقوق المرأة ومساواتها بالرجال إلا في استثناءات بسيطة في حالات محددة بالنسبة للميراث والشهادة. ومن التحديات ضرورة مراعاة التطور الحضاري في النظرة للآخر، وحفظ حقوق الجوار كأفراد ودول، والآيات حول الجوار كثيرة، وعدم الخلط بين مفهوم الأمة ومفهوم الدولة بالمعني الحديث. ومراعاة مفهوم الوطن والمواطنة وقد أعلى القران وأحاديث الرسول من شأنهما كما أوضح ذلك علماء السنة والشيعة وفي مقدمتهم العلامة محمد مهدي شمس الدين رحمه الله والإمام أبوحامد الغزالي والإمام الشاطبي وغيرهم.
وأكد جلال على الأخذ بمفهوم التعددية، حيث يقوم الإسلام على مبدأ التعددية والاختلاف، وكذلك العقلانية الإسلامية التي تحدد منهج التعامل مع الآخر وتطوره، والقواعد الإسلامية الصحيحة وفقاً للقرآن، حيث توضح الآيات بلا لبس علاقة المسلم بغيره سواء كان فرداً أو جماعة أو دولة، مع التأكيد على رفض الجمود والتشدد والمبالغة والمغالاة، والتطرف.
ومثل جلال بنظرة الأزهر الذي اعتمد منهج الاعتدال في التعامل مع رأي الآخر ومبادرته في التقريب بين المذهبين الشيعي والسني وإجازة التعبد على المذهب الجعفري، وكذلك في الحوار الإسلامي المسيحي وموقفه من الإيمان بالوطن ونشر الدعوة الإسلامية المعتدلة وعصمة الدماء بنطق الشهادتين، مع التأكيد على احترام الإسلام للوطن الثاني للمسلم، كما في الهجرة الأولى للحبشة، واستخدام الأسلوب المنطقي في إبداء الاحترام لعقيدة وتقاليد دولة المهجر.
ووقف جلال مع ما أسماه الغرب والفهم الخاطئ لحرية التعبير، حيث عرف مفهوم حرية التعبير في الدول الغربية في العصر الحديث كرد على سياسة الطغيان التي عانت منها الدول الأوروبية في العصور الوسطى، وأصبح كما لو كان «تابو» مقدساً لا يمكن المساس به، ولكنهم فهموه فهماً خاطئاً، فحرية التعبير تعني حرية نقد السلطة السياسية في الدولة المعنية، ولا تعني بأي حال من الأحوال نقد الدين أو الأوضاع في دولة أخرى، ومن ثم فإن التحدي الذي يواجه المسلمين في هذا المجال هو تحدٍّ كبير وعليهم أن يشرحوا ويفسروا بالمنطق والحجة وليس بالقتل وسفك الدماء.
في هذه المحاضرة بدا لي أن مقدمها خبير العلاقات الدولية محمد نعمان جلال كان دبلوماسياً إلى حدٍّ كبير وهو عمله وديدنه على مدى أكثر من 38 عاماً، ولذلك كان كمن يسير بين الألغام في القضايا الشائكة والخلافية؛ فهو يوغل في نظرة تنويرية إلى الإسلام بعمق، ولكنه يسعى قدر الإمكان إلى الرفق حتى لا يقع في «المطبات» بسبب تفسير ما هنا أو هناك، ما قد يجعل البعض يأخذ عليه أنه يميل بهذا التفسير للغرب، مداهنة له، أو لوياً لعنق نص من النصوص إلى ما هو غريب عنه، من هنا عدّه البعض توفيقياً، وهو ما كان سوى ساع لتلاشي التورّط في فتح نقاش ليس هذا محله ولا مقام له في هذه المحاضرة السريعة التي كانت تمر على أهم التحديات فتصفها أحياناً متجاوزة من الألم للأمل، وتنقد أحياناً أخرى ما وسعها النقد بغرض الإصلاح والتنوير.
العدد 4523 - السبت 24 يناير 2015م الموافق 03 ربيع الثاني 1436هـ
؟؟؟!!!
ولما يضع المحاضر عنوان محاضرته ..دعاة التنوير والارهاب بجمله واحده؟؟؟ دعاة التنوير هم لا دينيين وضد الارهاب الذي يحاول تطبيقه المتشدديين بالدين ..والتنوير= يدعوا للانسانيه وعدم التعصب وسفك الدماء..الارهاب والتعصب = عمل دموي مريض ...فرق شاسع