تفردت بعض وسائل الإعلام اللبنانية دون غيرها في نقل تفاصيل العدوان الإسرائيلي على القنيطرة، ومناقشة تداعياته واحتمالاته على المنطقة.
وبالقدر الذي مارس فيه إعلام العدو دوره في توصيل رسائل حكومته للداخل الإسرائيلي وخارجه، خصوصاً مع التزام «إسرائيل» الرسمية الصمت حفاظاً على غموض الموقف، إذ لا تُقر ولا تنفي هجومها بغية التنصل من المسئولية، بالقدر ذاته مارس الإعلام المقابل دوره بحيوية في متابعة الحوارات في أوساط المعلقين الإسرائيليين الذين تجنّدوا كعادتهم في خندق واحد خلف قرار العدوان.
تحدٍ وخوف
كما تناول هذا الإعلام سيناريوهات ردود الأفعال وحفز مشاعر الخوف والقلق حولها، خصوصاً وأن لا أحد منهم –أي إعلام العدو- قادر على تجاهل أو إخفاء حالة القلق السائدة في الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية. وها هي صحيفة «يديعوت أحرونوت» تشير إلى «إن استهداف كوادر حزب الله في منطقة الجولان هو بمثابة رمي عود ثقاب على برميل بارود».
حدث العدوان الذي يعد ضربةً موجعةً لطهران وحزب الله، باستهداف قادة عسكريين وأمنيين لبنانيين، بعد أيام من خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، ما يعني أن الطرفين حالياً في وضع محرج للغاية، أقلها وسط قواعدهم إن لم يحدث رد على العدوان. كذلك حدث بعد لقاءات متكررة بين وزيري الخارجية الأميركي والإيراني وسط أجواء ودية، وتأكيد للرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه سيستخدم حق «الفيتو» ضد أية محاولة للكونغرس لفرض عقوبات جديدة على إيران. فهل هذه الأسباب وتلك كافية للتعبير عن خوف إسرئيلي من انحسار دورها وخسارته في المنطقة، ما يدفعها في هذا الوقت بالذات إلى الاعتداء وخلط الأوراق؟
- بالتأكيد، لكن المحللين يشيرون أيضاً إلى أهداف أخرى لا تقل أهمية بل وخطورة، ولسيناريوهات متوقعة. فما هي؟
من ناحية الأهداف، ركّزت صحيفة «هآرتس» بجرأة أكثر من غيرها في نقدها للغارة، وأشارت إلى «أن نتنياهو ووزير دفاعه قويان في مواجهة حماس وحزب الله، وأن خصميهما، اسحق هرتسوغ وتسيبي ليفني، لا يملكان الشجاعة لاتخاذ قرارات كهذه»، فيما أضاف معلق عسكري من الصحيفة نفسها، إلى أن مقتل الجنرال الإيراني محمد علي الله دادي على حدود الجولان، سيُعقد الوضع، ذلك لأنه مساعد لقاسم سليماني، قائد جيش القدس في الحرس الثوري، والمسئول عن نشاطات الإرهاب والمخابرات الإيرانية في الخارج. وهذا يثير التساؤل عمّا إذا كان هناك قرار إسرائيلي برفع مستوى الصراع بين إيران وحلفائها مع العدو الذي - وحسب التقارير- باتت إيران من الناحية الفعلية على حدودها، وفي هذا خطر استراتيجي كبير، بل وتحدٍ وجودي لدولة الكيان الصهيوني.
ثلاثة أهداف في ضربة واحدة
أثارت تقارير أخرى في صحافة العدو تساؤلات عمّا إذ كان جهاد مغنية، قائد خلايا الإرهاب لحزب الله في هضبة الجولان، كان هدف هذا الهجوم أم كان معروفاً أن في القافلة جنرالاً إيرانياً أيضاً؟ وهل الموافقة على العملية وإقرارها كان بمثابة عمل عادي فقط تم فيه استغلال فرصة مواتية لعمل عسكري، أم أن الانتخابات القريبة كانت في خلفية العملية لتحسين مواقع حزب الليكود الانتخابية، بل أولاً وأساساً جر إيران وحزب الله إلى حرب إقليمية يتأمل من ورائها نسف فرصة إبرام أية صفقة تاريخية بين إيران والولايات المتحدة حيال الملفين النووي والإقليمي، وهذا ما يعزّز فرضية المعلومات المتداولة حول إحراز تقدم في المفاوضات بين واشنطن وطهران؟
أما في النتائج، فالعملية التكتيكية تبعاً لـ «يديعوت أحرنوت»، قد حققت أهدافاً ثلاثة بضربة قاضية واحدة، مسّت فيها السيادة السورية، ورمزية حزب الله، واغتالت جنرالاً إيرانياً. فكل محور من محاور الشر -برأي صحيفة العدو- تلقى دفعة واحدة، ضربةً وإهانةً علنيةً لاذعة.
بيد إن المعلق الأمني في صحيفة «معاريف» بوسي ميلمان فقد تساءل عمّا إذا كان الاعتداء الإسرائيلي خطوةً جريئةً أم مغامرة خطرة؟ وهل العملية كانت واجبة انطلاقاً من أن (إسرائيل) كانت تواجه قنبلة على وشك الانفجار، مثل إطلاق صواريخ، أم أن ما يقف وراء القرار اعتبارات انتخابية ليس إلا؟».
في كل الأحوال، سجّلت درجة عالية من الاستنفار العسكري والأمني عند العدو، شملت مناطق الجليل والحدود مع لبنان والجولان المحتل، وإجراءات خاصة بسكان المستوطنات التي يسودها حالة تأهب وقلق لمنعهم من أية تحركات قد تعرضهم لاحتمالات الأسر من قبل المقاومة، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار ما ورد في مقابلة أمين عام حزب الله قبل أيام من الهجوم، حول خطط الحزب لاحتلال بلداتٍ في الجليل، إضافةً إلى تحفز الجاليات اليهودية والمؤسسات الاسرائيلية في الخارج منذ عملية باريس.
في المقابل، تشير التقارير إلى أن إيران بدورها مستمرة في رفع مستوياتها القتالية وتحسين شروطها التفاوضية، ولازالت تتواصل مع جميع الأطراف بمن فيهم الشيطان الأكبر، تركيا والإمارات.
السيناريوهات المحتملة
لجهة السيناريوات المحتمل حدوثها كرد فعل على العدوان، فهي متعددّة، إفتراضية ومتدحرجة، تتمثل في قيام حزب الله بإطلاق صواريخ أو زرع عبوات أو عمليات من أنواع أخرى. وتتوقع القناة العاشرة العبرية «رداً مؤلماً، فكل الخيارات مفتوحة، ومن بينها عمليات أسر لجنود أو مستوطنين، لاسيما وأن في هجوم القنيطرة، تجاوز لقواعد الاشتباك بين (إسرائيل) وحزب الله». فنحن الآن -وحسب القناة العاشرة- أمام قواعد اشتباك من نوع آخر، ولدى الطرف الآخر «حزب الله» حساب مفتوح يسعى إلى إغلاقه».
أما «هآرتس» فذكرت أن الهجوم يعدّ حادثاً دراماتيكياً قد يؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية في الشمال، وتداعيات العملية قد تكون لها أبعاد واسعة النطاق، وأن حزب الله يرى في الهجوم تحدياً له، وهو ملزم بالرد «كي لا يبدو ضعيفاً في نظر جمهوره، وقد يكون رداً مؤجلاً، حسب الظروف، وقد يستهدف مصالح إسرائيلية في الخارج، أو عملية هجومية في الجولان، أو عملية نوعية ضد هدف كبير على الحدود مع لبنان، أو في وسط إسرائيل». فيما ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» «خطورة الموقف في سلوك حزب الله المعنيّ بخلق توازن ردع جديد مع إسرائيل».
وعليه يمكن القول أن معادلات الصراع في المنطقة تتغيّر، والوضع مفتوح على سيناريوهات خطيرة حد الغليان، بل والأكثر تفجراً منذ اندلاع الحرب على سورية.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4522 - الجمعة 23 يناير 2015م الموافق 02 ربيع الثاني 1436هـ