في بيان النعي الصادر يتاريخ 23 يناير/ كانون الثاني 2015 عن الديوان الملكي بمملكة البحرين للمغفور له بإذن الله تعالى ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، إشارة جلية إلى مسيرة حياة حافلة بالعطاء، والإنجازات للراحل الكبير في خدمة شعبه وأمتيه العربية والإسلامية ونصرة قضاياهما.
ومملكة البحرين، ملكًا وحكومةً وشعبًا، حين تعبر عن أن «مملكة البحرين والأمتين العربية والإسلامية خسرت بوفاته قائداً حكيماً كرس حياته في خدمة شعبه وأمته ودينه وخدمة الإنسانية، وستظل أعماله ومنجزاته راسخة في الوجدان، وستبقيه نموذجاً يحتذى به في القيادة والبذل والعطاء»، فإنها تجسد العرفان في أعلى مراتبه؛ تقديرًا لبصمات الفقيد الكبير البارزة في نهضة المملكة العربية السعودية، وتطورها في الميادين كافة، وبدوره في دعم مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتوطيد أركانها.
وطن وشعب واحد
وسجل التاريخ مواقف مشرفة للفقيد الكبير تجاه مملكة البحرين، وبالعودة إلى الزيارة التي قام بها في إبريل/ نيسان من العام 2010، يمكن تدوين تلك المشاعر التي احتوت قلب الراحل الكبير حين عبر وقت ذاك عن أن الزيارة «لا لتضيف جديدًا، بل لتقول للآخر إننا وطن وشعب واحد في السراء والضراء»، وهي الزيارة التاريخية التي قلد فيها الفقيدُ الكبيرُ جلالة عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة بـ «قلادة الملك عبدالعزيز» التي تمنح لأصحاب الجلالة والفخامة قادة وزعماء الدول تكريماً لهم.
وقدمت المملكة العربية السعودية في عهد الراحل الكبير ما ترجم العلاقات التاريخية على أرض الواقع، ولعل من أحدث المحطات التاريخية للدعم الكبير من الشقيقة الكبرى للبحرين، زيارة جلالة عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة للفقيد الكبير في (10 سبتمبر/ أيلول من العام 2014)، وهي الزيارة التي شهدت حدثًا تاريخيًّا تم فيه إعلان إنشاء جسرٍ ثانٍ يربط بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، وقد وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى إطلاق اسم صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة على الجسر الجديد في خطوة تبين مدى تطور العلاقات البحرينية السعودية ومدى الترابط بين البلدين قيادة وشعبًا.
جسر الملك حمد
إن العلاقات بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية تعد فريدة من نوعها، فهي تقوم على التواصل والود الدائمين بين قيادتي وشعبي البلدين، وتشهد تطوراً مستمرّاً على كل المستويات، انطلاقاً من الثوابت والرؤى المشتركة التي تجمع بينهما تجاه مختلف القضايا، وروابط الأخوة ووشائج القربى والمصاهرة والنسب ووحدة المصير والهدف المشترك، فضلاً عن جوارهما الجغرافي وعضويتهما في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية، فبعد 28 عاماً على إنشاء جسر الملك فهد، الشريان الرابط بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، وفي حدث تاريخي جديد ينبئ عن تطور أكبر في العلاقات البحرينية السعودية، أعلنت المملكتان إنشاء جسر ثان يربط بينهما أطلق عليه خادم الحرمين الشريفين «جسر الملك حمد» عرفانًا وتقديرًا لدور جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.
وقد حظي إطلاق اسم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة على الجسر اهتمامًا اعلاميًّا خليجيًّا وعربيًّا وعالميًّا باعتباره لفتة كريمة من خادم الحرمين الشريفين تبرهن على ما يتمتع به جلالة الملك من مكانة لدى المملكة العربية السعودية قيادة وشعبًا، وهو مجدٌ تاريخيٌّ يستحقه جلالته حيث سيحفر اسمه بحروف من نور على أحد أهم المشروعات التي تربط المملكتين ودول مجلس التعاون الخليجي، كما أنه برهان أيضاً على الطبيعة الخاصة للعلاقات البحرينية السعودية التي تتخطى العلاقات التقليدية بين الدول.
الصندوق السعودي للتنمية
وفي إطار اهتمام الفقيد الكبير بدعم مملكة البحرين، تم توقيع اتفاقيتي منحة مع الصندوق السعودي للتنمية (الذي عُهدت إليه إدارة المنحة من قبل المملكة العربية السعودية) تغطيان مشروعين في قطاع الصحة، بقيمة إجمالية قدرها 58 مليون دولار أميركي من إجمالي المنحة السعودية والتي تبلغ قيمتها 2.5 مليار دولار، وذلك تنفيذاً للمرحلة الثانية من المنحة المقدّمة من المملكة العربية السعودية في إطار برنامج التنمية الخليجي، وتم التوقيع يوم الاثنين (24 مارس/ آذار 2014) في مبنى وزارة المالية، وقعها عن الجانب البحريني وزير المالية، الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، وعن الصندوق السعودي للتنمية نائب الرئيس والعضو المنتدب، يوسف البسام.
وتضمنت الاتفاقية الأولى توفير التمويل اللازم لإنشاء مركز غسل الكلى بالرفاع، بقيمة إجمالية تبلغ 21 مليون دولار، ويهدف المشروع إلى توفير الخدمات الطبية للمرضى الذين يعانون من أمراض الكلى وذلك بسعة 60 سريراً، بالإضافة إلى تقليل حالات الانتظار للمرضى، ورفع كفاءة الرعاية الصحية في هذا المجال، أما الاتفاقية الثانية فتخصّ تمويل إنشاء مركز العناية للإقامة الطويلة في مدينة المحرق، بقيمة إجمالية تبلغ 37 مليون دولار، والذي من شأنه توفير الخدمات الطبية للمرضى الذين يعانون من أمراض تتطلّب الإقامة لمدد طويلة في المراكز الصحية، وذلك بطاقة 100 سرير.
وقد سبق أن تم في (30 ديسمبر/ كانون الأول 2012) توقيع 6 اتفاقيات منح مماثلة مع الصندوق السعودي للتنمية تغطي مشاريع في قطاعات الإسكان والتعليم والأشغال والكهرباء والماء، وذلك بقيمة إجمالية بلغت 448 مليون دولار.
مدينة الملك عبدالله الطبية
ومن المشاريع الرائدة في عهد الفقيد الكبير، مدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الطبية بمملكة البحرين، حيث شرعت جامعة الخليج العربي في تأسيس المركز الطبي الجامعي التابع إلى المدينة، ويحتوي على عيادات طبية في مجالات متخصصة يعمل بها نخبة متميزة من أعضاء هيئة التدريس من كلية الطب في جامعة الخليج العربي إضافة إلى خبرات طبية خليجية ودولية وتجهيزات طبية تقنية متقدمة لتقديم مستوى عال ونوعية متميزة من الخدمات الصحية، تحقيقاً لرؤية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الذي وجه إلى أن تكون هذه المدينة هدية للشعب البحريني من شقيقه الشعب السعودي ولتخدم المجتمع الخليجي.
وفي تصريح سابق، لرئيس الجامعة خالد العوهلي، فإن مدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الطبية ستكون مقصداً طبيّاً لأبناء مملكة البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي، وستكون منارة تعليمية، ومعلماً صحيّاً متطوراً لتقديم الخدمات التشخيصية والعلاجية لمواطني دول الخليج العربية والوافدين.
وأوضح أن المركز الطبي الجامعي الحالي هو مرحلة أولى ونواة لمدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الطبية التي سيتم تنفيذها قريبًا، وتحتوي على مستشفى جامعي بسعة نحو 300 سرير بمواصفات ومقاييس عالمية، إضافة إلى عدد من مراكز التميز والأبحاث وكلية للطب، لتصبح المدينة الطبية مركزاً متفوقاً للتعليم الطبي، وتقديم خدمات صحية ورعاية طبية شاملة.
وأضاف العوهلي أن المقر الأولي للمركز الطبي الجامعي سيكون في مبنى مركز الجوهرة للطب الجزيئي وعلوم المورثات والأمراض الوراثية في دورين بمساحة إجمالية قدرها ثمانية آلاف متر مربع، وسيحتوي على 51 عيادة طبية في تخصصات مختلفة، ومختبرات طبية وأقسام أشعة مجهزة بأحدث التقنيات الطبية، بالإضافة إلى مركز جراحات اليوم الواحد.
العلاقة التاريخية بين البلدين
وإذا تتبعنا التاريخ سنجد أن العلاقات بين المملكتين تعود إلى الدولة السعودية الأولى (1745 - 1818م) والتي تميزت فيها العلاقات بالتعاون والمؤازرة، وتوطدت هذه العلاقات في الدولة السعودية الثانية (1840 - 1891م). حيث شهدت هذه المرحلة أول زيارة رسمية من أمير سعودي للبحرين، وهي زيارة الأمير سعود بن فيصل بن تركي العام 1870.
ثم كانت أول زيارة للمغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) لصديقه وأخيه صاحب السمو الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (طيب الله ثراه) في العام 1930، وكانت انطلاقة كبيرة في توطيد العلاقات بين البلدين. إذ قوبل الملك عبدالعزيز (رحمه الله) في هذه الزيارة بحفاوة بالغة من قبل الشيخ عيسى، واستمرت إقامة الملك يومين كان فيهما موضع حفاوة وتكريم من قبل الحكام والشعب على السواء.
وبعد زيارة الملك عبدالعزيز بحوالي سبع سنوات، وفي (15 ديسمبر/ كانون الأول 1937) تحديداً زار الملك سعود بن عبدالعزيز حيث كان في ذلك الوقت ولي عهد المملكة العربية السعودية، سمو الشيخ حمد بن عيسى، حاكم البحرين آنذاك. وتوالت الزيارات بين القيادتين منذ بدأ فجر جديد بتأسيس المملكة العربية السعودية، وكان افتتاح جسر المحبة في العام 1986 في عهد المغفور له سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وجلالة الملك فهد بن عبدالعزيز (طيب الله ثراهما) عنواناً كبيراً لهذه المحبة التي ترسخت بين المملكتين.
وكان لهذا الإرث التاريخي المجيد من العلاقات دور كبير في تطويرها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن من تقدم ونمو، في ظل عهد عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وأخيه عاهل المملكة العربية السعودية خادم الحرمين الشريفين صاحب الجلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ونتذكر هنا توجه جلالة الملك في مستهل حكمه إلى الرياض، وما له من دلالات على الالتزام بالمواثيق والعلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، كما كانت الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمملكة البحرين في (أبريل/ نيسان 2010)، والتي تعد الأولى منذ توليه الحكم في العام 2005، لتكرس متانة وقوة العلاقات الثنائية بين البلدين، وسط ظروف تمر بها المنطقة تبعاً للمتغيرات الإقليمية والدولية.
وعلى الصعيد الاقتصادي الذي يمثل أبرز مجالات التعاون بين البلدين تعد السعودية الشريك التجاري الأول للبحرين حيث تجاوزت الاستثمارات السعودية في البحرين نحو 13 مليار ريال سعودي، فيما بلغ عدد الشركات الفاعلة التي فيها استثمار سعودي في البحرين نحو 315 شركة، بينما بلغ عدد الشركات السعودية العاملة والمسجلة في البحرين نحو 43 شركة. وتوجد نحو 896 شركة من الشركات السعودية المساهمة في مملكة البحرين التي تعمل في مجالات السفر، الشحن، التجارة، الهندسة، وغيرها من المجالات.
كذلك تمثل المملكة العربية السعودية عمقاً استراتيجيّاً اقتصاديّاً لمملكة البحرين كونها سوقاً اقتصادية كبيرة أمام القطاع الخاص البحريني، في المقابل، فإن البحرين تمثل امتداداً للسوق السعودية في ترويج البضائع والمنتجات السعودية.
وبالنسبة إلى الجوانب الاجتماعية، فهناك ترابط تاريخي بين العوائل البحرينية ونظيرتها السعودية، وكان لجسر الملك فهد دور كبير في توطيد هذه العلاقات، فبسببه أصبح الترابط والتواصل أسرع وبشكل يومي، فهو يقوم بدور اجتماعي بارز.
العدد 4522 - الجمعة 23 يناير 2015م الموافق 02 ربيع الثاني 1436هـ