نيودلهي - حدث ذلك أمام مركز تسوق فاخر في جورجاون، وهي مركز مالي وصناعي مزدهر جنوب غربي العاصمة الهندية. ركبت شابة تبلغ من العمر 21 عاما، حديثة عهد بالمدينة، سريعا في سيارة أجرة مشتركة بعد الانتهاء من عملها الذي بدأته قبل يوم واحد، وذلك وفق ما نقل موقع "البنك الدولي" اليوم الخميس (22 يناير / كانون الثاني 2015).
تروي لي الشابة ما حدث تلك الليلة قبل عامين قائلة "لم ألحظ أن السيارة التي استقللتها ليست سوى سيارة خاصة إلا بعد أن بدأ السائق يقود عبر شوارع مهجورة." ثم تستطرد قائلة "أخذني إلى مكان منعزل وهددني واغتصبني. لو كنت فقط أعرف أنها ليست سيارة أجرة. كنت أتمنى لو كان هناك وسيلة آمنة للانتقال."
كل 51 دقيقة، تواجه امرأة تحرشا أو اعتداء جنسيا في أماكن عامة بالهند وفقا لما ورد في تقرير المكتب الوطني للبلاغات عن الجرائم (e) عام 2011. إن الأرقام المرعبة من حالات العنف والتحرش المبلغ عنها وغير المبلغ عنها تجعل وسائل النقل صعبة وخطيرة للنساء والفتيات خاصة بعد حلول الظلام.
ويثير اغتصاب سائق سيارة أجرة تابعة لشركة أوبر امرأة عمرها 25 عاما شكوكا حول الوعود بتعزيز السلامة داخل سيارات الأجرة التي ترتبط باللاسلكي. ولا يعمل مترو دلهي بعد الساعة 11 مساء، وبالتالي فهو ليس خيارا لمن يسافر بعد هذه الساعة، ويتذكر السكان ما حدث من اغتصاب جماعي وحشي لإخصائية علاج طبيعي عمرها 21 عاما على حافلة عامة ليلا عام 2012 ثم قتلها.
فهل يجب أن تبقي مشاكل السلامة النساء والفتيات داخل البيوت، أم يجب أن تسلط إمكانية تعرضهن للخطر في الأماكن العامة الضوء على مراعاة احتياجاتهن عند تصميم وسائل النقل العام والتخطيط لها؟
إطار جديد
تقول كالبانا فيشواناث، وهي ناشطة مع شبكة جاكوري (e) الهندية غير الربحية التي تعمل على مشاكل السلامة للنساء "بدأنا الحديث عن مشاكل النساء في التخطيط الحضري عام 2005 واليوم، أي بعد عشر سنوات، تقبل الحكومة أهميتها." وتضيف قائلة "في الأيام الأولى، كانت مهمة شاقة لمجرد إقناع الحكومة بوجود جانب يتعلق بالمرأة في التخطيط والتصميم الحضري والإدارة الحضرية."
لكن الهند ليست البلد الوحيد التي تغاضت عن الضرورة الحيوية لإدراج اعتبارات المرأة في تصميم وسائل النقل، باستثناء القليل من المشاريع المحلية. بل إن الأمر بعيد جدا عن ذلك.
ويبرز تقرير أصدرته مجموعة البنك الدولي بعنوان إدراج اعتبارات المرأة في النقل على الطرق (e) الاختلافات بين الرجل والمرأة في أنماط السفر فيما يتعلق بالغرض من السفر ووتيرة السفر وطول الرحلة. وتوصلت الدراسة إلى أن النساء يقمن برحلات أكثر عددا وتعقيدا من الرجال.
وتأتي هذه الاختلافات من الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للرجال والنساء. فوسائل النقل تتيح للنساء العديد من الموارد والفرص مثل الوظائف ورعاية الأطفال والتعليم والمراكز الصحية في حين يعتمد الرجال أكثر كثيرا على وسائل النقل الخاصة. ومع ذلك فإن سلامة المرأة غالبا ما تتعرض للتجاهل.
فعاصمة كولومبيا بوجوتا، على سبيل المثال، وصفت بأنها أقل المدن سلامة للنساء في وسائل النقل في استبيان مؤسسة طومسون رويترز (e) الذي أجرته حديثا. وشارك في الاستبيان الذي شمل 15 عاصمة ومدينة نيويورك 6550 سيدة وتوصل إلى أن ثلاث عواصم في أمريكا اللاتينية هي بوجوتا ومكسيكو سيتي وليما الأقل سلامة تتبعها دلهي.
وكشفت دراسة للبنك الدولي في ليما (e) نتائج مماثلة مشيرة إلى أن السرعة تمثل العامل الحاسم للرجال عند اختيار وسائل النقل في العاصمة البوليفية، لكن الأمن الشخصي والحماية من التحرش هما الأهم للنساء.
ويقول خبراء إنه إلى جانب التشريعات الجديدة، يجب استشارة النساء عند تخطيط النقل العام عبر أساليب تشاركية مثل مجموعات الحوار المركز.
وأسفرت عملية شاملة ومكثفة في إطار مشروع بمساندة البنك الدولي في إقليم لياونينج الصيني عن تعديلات كبيرة في تصميم المشروع. فقد أدت المشاورات مع مجموعات نسائية إلى الاستثمار في الطرق الثانوية وإضاءة الشوارع بدلا من إنشاء طرق دائرية جديدة.
التصميم هو الأساس
إن الطرق ضعيفة الإضاءة والظلام ومحطات الحافلات الخاوية والسير بدون رفقة في مواقف السيارات ليلا تمثل جميعا كابوسا لمعظم النساء. وأصبحت عمليات تدقيق السلام في المناطق الحضرية أكثر انتشارا في محاولة لرسم مناطق أكثر أمانا.
وفي الهند، بدأت شبكة جاكوري عمليات تدقيق للسلامة عام 2007: وعن طريق تطبيق الهواتف الذكية الخاص بها Safetipin (e) أجرت الشبكة عمليات تدقيق في سبع مدن في الهند وتعتزم التوسع في المشروع ليشمل بوجوتا وجاكرتا. وتدير HarassMap (e) (خريطة التحرش) مبادرة مماثلة في مختلف مدن مصر.
وتؤكد المدير الأول بمجموعة البنك الدولي لشئون المساواة بين الجنسين، كارين جراون، على ضرورة إدراج اعتبارات المرأة في كل مرحلة من مراحل مشاريع النقل والبنية التحتية.
وتضيف "يجب أن يأخذ التخطيط في اعتباره أيضا عدم وجود سلالم مرتفعة بالنسبة للنساء وأن يكون هناك ممرات متسعة بشكل كاف لسلامة المرأة وأن تتوفر مساند اليد ووسيلة النقل حتى المقصد النهائي."
وتفضل ها نجوين، وهي كاتبة حرة تتنقل بين هانوي وواشنطن، وسيلة النقل الخاصة بها في فيتنام وهي تركب مثلها مثل كثير من الشابات دراجة بخارية صغيرة إلى العمل حيث أن وسائل النقل العام لا توفر حل "النقل حتى المقصد الأخير".
وخلص استبيان للبنك الدولي (e) إلى نتائج مماثلة: عدد النساء اللاتي يمشين ويستخدمن الدراجات أكبر من عدد الرجال في فيتنام.
تقول ها "شبكة النقل العام في هانوي ليست جيدة. فقد كنت معتادة على ركوب الحافلة قبل سنوات طويلة خلال دراستي الجامعية. ثم كنت أواجه التحرش بي كثيرا. فالشباب يصيحون بأسماء ويقولون كلمات مثل "لذيذة" ويحاولون لمس النساء وسط التجمعات الحاشدة. ومنذ ذلك الوقت لم أعد استقل وسائل النقل العام إلا نادرا."
وسائل النقل المخصصة للنساء
أصبحت كتمندو عاصمة نيبال أحدث مدن العالم تطبيقا للحافلات التي تستقلها النساء فقط في محاولة للحد من التحرش الجنسي. وخلص تقرير للبنك الدولي (e) عن التفاوتات بين الجنسين والنقل العام في نيبال إلى أن 96 في المائة من النساء يفضلن الجلوس أو الوقوف إلى جانب نساء أخريات في النقل العام، في حين أن 33 في المائة يحددن وسيلة النقل العام على أساس الأمن الشخصي. وفي حين أن وسائل النقل المقتصرة على النساء يضمن السلام في النقل العام للكثيرات، فإن نساء أخريات يعتبرن أن ذلك العزل يعزز عدم المساواة.
وفي مكسيكو سيتي، تقول روزاريو كارمونا، وهي صحفية مكسيكية "هناك عربات في مترو الأنفاق مخصصة للسيدات والأطفال فقط، لكنها غير كافية. فعدد الركاب هائل. كما أن العربات الخاصة ليست حلا دائما. فيجب أن يزيد الوعي باحترام المرأة."
وتوجد العربات المخصصة للنساء في مترو الأنفاق في المكسيك واليابان والبرازيل ومصر وروسيا والهند ودبي وإيران، لكن كثيرا من هذه المدن مثل دلهي مازالت تسجل معدلات مرتفعة من التحرش الجنسي في النقل العام.
وترى جولي بابينارد، وهي خبيرة أولى للنقل في مجموعة البنك الدولي، أن العربات المخصصة لنساء حل قصير الأجل وليست علاجا ناجعا.
وتضيف "زيادة الاهتمام بمبادرات تقتصر على النساء يجب اعتبارها فرصة لتحسين الأمن في المدن لكنها ليست الحل الأمثل للتصدي للعنف القائم على الجنس في وسائل النقل والبيئة الحضرية."
النمو الاقتصادي
يتعلق النقل أساسا بما إذا كانت النساء يعملن خارج المنزل، ولهذا أثر مباشر على الجهود الرامية إلى التصدي للفقر وتعزيز النمو الشامل.
ووفقا لاستبيان وطني (e)، فإن 11 في المائة فقط من النساء في المملكة العربية السعودية يعملن، ومن أسباب ذلك أن كثيرا من النساء لا يستطعن توفير سائقين ويحظر القانون السعودي على المرأة قيادة السيارة بنفسها.
إن الحد من التباينات بين الجنسين في عالم العمل قد يؤدي إلى مكاسب ضخمة للتنمية. وتوصلت دراسة لمؤسسة جولدمان ساكس أن تضييق الفجوة بين الجنسين في التوظيف قد يزيد نصيب الفرد من الدخل في الأسواق الناشئة 14 في المائة بحلول عام 2020.
وتعتبر السلامة على الطرق وفي وسائل النقل أولوية قصوى عالميا. وفي استبيان قادته الأمم المتحدة (e) في إطار مشاورات عن الأهداف التي يمكن أن تحل محل الأهداف الإنمائية للألفية فيما يتعلق بمحاربة الفقر، رأى 7 ملايين رجل وامرأة ممن شاركوا في التصويت أن "النقل والطرق الأفضل" تتصدر عشرة بنود أخرى.
وقد بدأت الرسالة تنتشر. ففي واشنطن هذا الأسبوع، على سبيل المثال، عقدت الأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم أكبر تجمع لخبراء النقل في العالم مع وجود عدد من الجلسات المخصصة للمرأة (e) على الأجندة.
وتقدم مجموعة البنك الدولي للبرازيل قرضا لأغراض سياسات التنمية بمبلغ 500 مليون دولار لمشروع كبير للبنية التحتية لتحديث وربط شبكة النقل العام للمناطق الحضرية في ريو دي جانيرو. وسيضمن المشروع، الذي يراعي اعتبارات العنف ضد المرأة، وجود مراحيض للنساء في جميع المحطات مع تحسين الإضاءة. وهناك مبادرة مماثلة في الإكوادور يتم تنفيذها حاليا يقودها قطاع المواصلات بقرض قيمته 205 ملايين دولار .
إن ضرورة مراعاة اعتبارات المرأة في جميع جوانب النقل والبنية التحتية هو أمر عاجل وقد تأجل كثيرا. فالمكاسب واضحة للنساء والفتيات وأسرهن وفرصهن ومجتمعاتهن. إن وجودهن في المركز وفي الصدارة هو أولوية قصوى.
...
الوسط... شكرا على المقال المفيد جداً، وأتمنى أن يتم تطبيق حافلات نقل خاصة بالنساء فقط في البحرين على غرار الموجودة في النيبال خاصة أن المشغل للنقل العام في البحرين مشغل جديد