العدد 4518 - الإثنين 19 يناير 2015م الموافق 28 ربيع الاول 1436هـ

"رسالة مواطن"... عندما بكى الخطيب

كانت الخطبة الأولى في شهر رمضان المبارك عن قصة فرض الصيام على المسلمين، وكيف تدرجت حتى كانت بالشكل الذي نعرفه اليوم وكانت الخطبة الثانية عن محبة الله تعالى ودورها في تحفيز ودفع المسلم نحو العمل الصالح له ولغيره، وكانت الخطبة الثالثة هل نحن نعيش في إطار – برواز – الدين أم نحن نعيش بمضمون ما جاء به الواقع، والمؤشرات تدل على أننا نعيش الدين بشكل شكلي.

وكانت الخطبة الرابعة وهي الأخيرة في شهر رمضان، فقد كانت أن الشياطين في هذا الشهر مكبلة بالأصفاد والأغلال وعليه فإن آثام وذنوب المسلم في هذا الشهر هي من نفسه، وليس بوسوسة الشيطان وعن زكاه الفطر، وبما أن الزكاة تكون في العادة من الطعام الذي يتناوله الناس، فإن الرز وهو الطعام المفضل وبما أن الرز متوافر لجميع الناس في الخليج فعليه أن نأخذ بما قاله الإمام أبوحنيفة وهو أن تكون الصدقة بالنقد، ونبه أصحاب الدخول العالية أن ينتهزوا هذه المناسبة ويضاعفوا زكاتهم هذه، في هذا الشهر الكريم، إذ ليس من المنطق أن يزكوا كما يزكي صاحب الدخل المحدود.
وأخذ الخطيب بعدها بالدعاء إلى أن يتقبل جل وعلا صلاتنا وقيامنا واستغفارنا وأن يجعل القرآن ربيع قلوبنا وشفيعنا يوم الحساب بخشوع وتأثر وبدأ بالبكاء عندما دعا الله تعالى أن يصرف عن أمته هذه الغمة وهذه المحن التي تهدد كيانها ومصير مستقبلها ومستقبل أبنائها من شرّ الاقتتال والفتن ما ظهر منها وما بطن وتقطعت الكلمات من شدة التأثر، بكى وأبكى الجميع معه، بعدها انصرف المصلون لقضاء حاجاتهم، والبعض الآخر لقراءة القرآن، وفي طريقي إلى المنزل وجدت نفسي محاصراً ببكاء الخطيب، ويلج إلحاحاً وكأنه يريد تفسيراً له، فسألت نفسي ما الذي أوصلنا إلى هذه الحالة من الخوار والضعف والتمزق والبلبلة مرة بسبب أعدائنا ومرة بسببنا فقلت نحن صناعة من؟
هل نحن صناعة المسجد أم صناعة الدولة أم صناعة المجتمع أم صناعة العالم الآخر، وطالما نحن في رحاب المسجد فلتتناقل ما نسمع فيه، لا نسمع في المجمل غير الحديث عن العبادات، واليوم الحديث عن الحجاب والملابس الضيقة، وكأن هذا الأخير غير معروف، وأن هناك من جهل أثره وتأثيره؛ ما نعلمه جميعاً أن القرآن الكريم كتاب جمع فأوعى وأنه صالح لكل زمان ولكل مكان ولكل إنسان مهما كان، مثال ذلك "اقرأ" التي نزلت بصيغة الأمر وهي الكلمة الأولى على أشرف الأنبياء وآخرهم، لم أسمع أن خطيباً حث وشجع مستمعيه على أن يتعلموا القراءة، وأن يشجعوا أبناءهم عليها لأنها مفتاح المعرفة وأن الأسير الكافر يطلق سراحه إذا ما علّم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.
المهن والحرف اليدوية، لم أسمع خطيباً أو داعية حث المصلين عليها ونبههم إلى أن هذه المهن كانت وسيلة الأنبياء والرسل بحصولهم على رزقهم للحياة خلال تحملهم مسئولية نشر الرسالة وأن هذه المهن على صغرها هي مجال الاختراع والابتكار لزيادة الإنتاج عن طريق تطوير وسائلها التقليدية فيكون الإبداع، وإن انتشار هذه الورش والمعامل إثراء للحركة، ومظهر للنشاط وإشاعة الفرح بالإنتاج وبالاستقلالية عن الآخرين على الأقل في بعض الحاجات، ثيابنا من الخارج، المباخر والفناجين والأحذية من الأخر، مصانعنا التي أوجدناها اليوم هي بالأساس وسائل للعمل والرزق وليست طمعاً ولا جداً في العمل الذي هو أساس الحياة ومازال الحب مغيباً في كل عمل نؤديه، الحب هو أساس إشاعة الشعور بالسمو والرفعة والشعور بقيمة الإنسان الذي كرمة بالمعرفة والإحساس على سائر مخلوقاته، وأن الحب هو أساس العطاء المثمر، وعلينا أن ندرك هذا عندما نؤدي أي عمل في هذه الحياة.
النظام: لم أسمع خطيباً يبين لمستمعيه أهمية النظام في حياة الفرد، متخذاً العبادات مثالاً، فكما أن للصلاة وقتها المحدد، وكذلك الحج، وكذلك الصيام وعليه نتخذها قاعدة لمزاولة أمورنا الحياتية، فكما للعمل وقت فكذلك الحال للأكل، وكذلك للنوم، وكذلك وقت للترفيه، وهذا مهم لكن لا الدعاة ولا الخطباء يولونه اهتماماً وهو وقت لتحصيل المعرفة، وذلك بمجالسة أهل العلم والمعرفة، إذا كانوا يجهلون القراءة ما أمكنهم ذلك، لم نسمع أحداً منهم يدعو إلا أن تكون هناك مجالس الحي، وظيفتها نشر الوعي والمعرفة لا نشك أن وجود مجالس من هذا النوع في الأحياء في مناطق مملكة البحرين يزيد من تلاحم الأفراد وتنويع معارفهم جاعلين من أنفسهم قدوة لأبنائهم.
العلم: ما أن يكتشف أحد من علماء الغرب علماً أو اكتشافاً إلا وبادرنا ذلك بقولنا، هذا ذكره قرآننا الكريم منذ نزوله، مثال ذلك، كان حليب "النيدو" في مطلع الثمانينيات هو حليب الرضع من أبنائنا فلما أصدرت الصحة العالمية بياناً تبين قيمة حليب الأم قلنا هذا ما أشار إليه القرآن الكريم، هم يبحثون ويخترعون ونحن ندافع عن كياننا بالكلام، هم ينتجون ونحن نستهلك، هم يتعلمون ونحن نثرثر، لا توجد مسألة أو قضية إلا وجدنا القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لكن مازلنا حتى هذا اليوم الذي بات مصير الأمة وكيانها في أيدي الغرباء والجهلة والعاطفيون واللامبالون منا، اهتموا بأفكارهم وتناسوا الوطن، فهل حان الوقت الذي فيه نقول: أعطينا ديناً لم نخلص في فهمه ولم نهتم بتطبيقه فنبكي على حالنا كما تبكي الثكلى؟! نتمنى ألا يكون ذلك.

إبراهيم محمد سلمان

 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 1:07 ص

      مقال رائع

      صحيح أخي
      الغرب يفكرون ونحن نثرثر
      ولاكن تبقى الشعوب العربية مقيدة من الحكومات ولعل هذا عذر مقبول

    • زائر 4 | 12:59 ص

      كلام سليم

      اضم صوتي الي صوتك استاذ إبراهيم ...ياريت في وعي في السماجد من هذا النوع..بدل الكلام في النازل والطالع عن المرأة كأنه مافي مشاكل غيرها. ولا ماشوف يشوف غصباً عنه. تحياتي

    • زائر 3 | 12:55 ص

      تتكلم عن النظام

      ياريت الخطيب يتكلم عن نظام المرور ويقول للمصليين ان يحترمو هذا القانون وان لا يوقيفو سياراتهم في منتصف الطريق واغلاقه وتعطيل مصالح الناس وكل ذلك لانه رايح المسجد

    • زائر 7 زائر 3 | 1:59 ص

      ...

      في الصميم...

    • زائر 2 | 12:42 ص

      موضوع قيّم

      عجبني الموضوع و اتمنى ان يؤخذ على محمل الجد و يكون هناك تغيير في المحاضرات الدينية و تطبيق التعاليم الاسلامية.. شكرا لك اخي المواطن

    • زائر 1 | 12:35 ص

      احسنت

      اجل هناك نقص ثقافي عند الخطباء يختارون مواضيع متكررة محفوظة بيد ان هناك ملايين القضايا التي تمس حياتنا اليومية لا يتطرقون اليها

اقرأ ايضاً