في بعض الأحيان تفرض الظروف على الفرد منا أن يعيش روتيناً مملاً؛ روتينٌ يحرمه أبسط مظاهر الحياة، فيغدو كمن يعيش ليتنفس، وقد نسي أن الحياة ممتلئةٌ بكل ما هو بارق ومضيء.
في الروتين شللٌ يفضي إلى العجز الحقيقيّ عن كل حركة، فيعتاد أحدنا على العيش كرجلٍ آليٍّ، ينفّذ ما برمجه عليه صانعه من غير تغييرٍ أو تطويرٍ أو إبداع، يعرف مسبقاً كيف ستمر ساعته، وكيف سيقضي يومه وما الذي سيتضمنه أسبوعه وشهره وربما عامه بأكمله، ومن يستسلم إلى هكذا حال، لابد وأن كثيراً من الجمال والإبداع والإبتكار سيفوته.
وفرقٌ كبير بين من يعرف كل هذا لأنه رسم لنفسه خطة لتحقيق أمنياته وتحويل أحلامه واقعاً من خلال وضع خطوات لتحقيق كل ذاك، خطوات وخطة عمل لا تتسم بالروتين ولا تتخللها لحظات الملل؛ لأنها متنوعة ومزينة بأوقات خاصة تكسر رتابة الوقت من خلال تخصيص ساعات لنفسه يرفّه عنها ويقوم بعمل ما يحب بعيداً عن الأهداف الموضوعة المتعلقة بالعمل أو الدراسة أو الكتابة أو تلك التي تنظم حياته الاجتماعية.
في الروتين قضاء على الإبداع، خصوصاً ذلك المتعلق بالطفل؛ فحين يتعلم الطفل بطريقة روتينية، سيرفض أي تغيير في طريقة تعليمه، ولن يسعى لخلق طرق جديدة ليتعلم ما هو صعب عليه، وهو ما نلاحظه الآن فيما يسمى بالنشاط الاستهلالي، وفي مادة الرياضيات التي أظهرت الكثير من الطرق لحفظ جدول الضرب بعد أن لقنه لنا معلّمونا بالضرب والتهديد والترهيب حتى حفظناه عن ظهر قلب رهبةً لا حباً. ومازلتُ أتذكر أن سبب عشقي للغة العربية كان أسلوب معلمتنا في المرحلة الابتدائية التي علمتنا القواعد والنحو عن طريق مسرحيات ومشاهد تمثيلية كنا نقدّمها قبل كل حصة، وكانت أكثرها استناداً إلى «مجلة أحمد» التي كانت تفرد الصفحة الأخيرة لتعليم النحو بأسلوب قصصي، وهو ذاته ما حدث حين تعلمتها على يد الشاعرة فاطمة التيتون أيضاً في المرحلة الثانوية. ولهذا حين تكون طرق التعليم بعيدةً عن الروتين، ستكون قادرةً على زرع حب الدراسة والتعلم داخل كل طالب.
الروتين يتسلل إلى الحياة عن طريق الأكل والعمل والدراسة والتربية والعلاقات الاجتماعية، وحتى الأماكن التي يرتادها أي منا في أوقات فراغه رغبةً منه في الترفيه عن نفسه، إن وجد هذا الوقت في خضم مشاغل الحياة التي لا تنتهي ولا تتقلص. ولا يقتصر هذا الروتين على مجال دون آخر، ولكنه حين يحط في أي مجال من مجالات الحياة فإنه سينقض على كل متعها، ويحرم صاحبها من الاستمتاع بالتجديد والتنويع والسعادة التي تكون وليدة لحظة الاكتشاف، اكتشاف ما هو جديد وسهل وماتع ويؤدي إلى ذات النتيجة.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4517 - الأحد 18 يناير 2015م الموافق 27 ربيع الاول 1436هـ
من أين لكِ هذا !
لا غبار على المقالة ، إذ هي واضحة المرامي و المغازي ، سليمة الإنشاء ، ما عدا هذه الهِنة التي داخلتها . " اكتشاف ما هو جديد و سهل وماتع ... " ، أسأل عن " ماتع " ، ما كان لها أن تصوغَها بهذا الشكل !!!
لغتنا ثريّة !
حبّذا لو جعلت الكاتبة " الرتابة " عنوانا لمقالتها بوصفها كلمةً عربيةً معادلةً لكلمة " الروتين " " routines " المهاجرة إلينا من لغة لاتينية ، و هي كما عرّفها قاموسهم
" a sequence of actions regularly followed "
مبدعه
اصبت بكل ما تعنيه الكلمات الجافه التي تجعل من الحياة روتينا يتعلق بكل خيط يمدنا بالح
يوية والنشاط والابداع ...