يعتقد الكثير من الإرهابيين من المهاجرين الأجانب، الذين قد تسول لهم أنفسهم القيام بأعمال خطيرة من شأنها أن تزعزع الأمن والاستقرار في أوروبا، أنهم يستطيعون تغيير مجرى التاريخ الاجتماعي والثقافي والإنساني، الذي حفلت به أوروبا على امتداد قرنين من الزمن، بمجرد ممارسة مختلف طقوسهم الإرهابية، من دون أية مواجهة أو تحدٍ، فإن ذلك الأمر يبقى محض ترهات وأوهام، كما تظل تعتقد بذلك جميع حكومات وشعوب القارة الأوروبية.
فأوروبا التي ظلت وفية ومخلصة لدساتيرها وقوانينها وإجراءاتها والتزاماتها المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام الثقافات والحريات، لم تستطع أن تزعزع أركان أمنها واستقرارها عمليات الإرهاب، ودعوات التكفير، التي تمارسها بعض العصابات العنيفة والمسلحة، التي ما برحت تتغلغل في عمق المجتمعات الأوروبية المسالمة، وتهاجمها باسم الدفاع عن المعتقدات الإسلامية ومواجهة الشرك والإلحاد والكفر وغيرها، لأنها أصبحت اليوم مدركة لكل تلك المخاطر، ومتحدةً في وجه كل من يحاول المساس بصلب قواعدها وتاريخها الحضاري والإنساني.
ففي الأيام الصعبة والدامية الأخيرة، التي عصفت بفرنسا، بعد الهجمة المسلحة الوحشية على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة الأسبوعية، التي حصدت أرواح 17 شخصاً وأكثر من 20 جريحاً، واحتجاز رهائن في متجر أغذيه يهودية في «بورت دوفانسان» شرق باريس وقتل محتجزهم أميدي كوليباني وأربعة من الرهائن وتحرير الباقين على أيدي الشرطة الفرنسية. وقبل ذلك بعض الاعتداءات المماثلة، التي تكررت ضد مراكز ومؤسسات إعلامية غربية، بذريعة التهكم على الإسلام واحتقاره ومناهضته ومحاربته سياسياً وفكرياً وعقائدياً، خرجت في باريس ومختلف المدن الفرنسية تظاهرات حاشدة جمعت أكثر من أربعة ملايين متظاهر رفعوا شعارات واسعة ضد الإرهاب، في تعبئة غير مسبوقة -حسب السلطات الفرنسية- وحّدت شعوب وحكومات العالم، حيث شارك في «مسيرة الجمهورية» زعماء وممثلون عن خمسين دولة في العالم، إضافةً إلى أن الكثير من عواصم أوروبا والعالم قد غصت شوارعها بمئات الآلاف من المواطنين من مختلف الأطياف والثقافات والأديان، ومعهم بواقع الحال جميع رسامي الكاريكاتير في أوروبا الذين أعلنوا تحديهم وعدم خوفهم من الإرهاب، شاهرين سيوفها ورماحها في وجه المتطرفين والإرهابيين وقتلة الأبرياء، والرد على دعاويهم وأفكارهم الجهادية التكفيرية، في تظاهرات حاشدة، تطالبهم بالعودة إلى رشدهم والتخلي عن الاستهتار بالدماء البريئة.
المحاضر في العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في باريس كارلوس إيفيرنتس أكسيتي، قال إن «الهجوم الدموي الوحشي، الذي تعرّضت له فرنسا مؤخراً، على أيدي بضعة إرهابيين وقتلة، إنما ينطوي على مخاطر حدوث أوضاع مأساوية، ليس فقط في فرنسا وحدها، وإنما في عموم القارة الأوروبية». وأضاف: «هذه القارة التي ارتبط تاريخها الحديث والمعاصر بكل أسباب الأمن والسلام والاستقرار واحترام الأديان والثقافات، سوف تشهد صراعاً محتدماً في المراحل القادمة بين الإسلام والغرب، بسبب استمرار ممارسة العنف ورفض الآخر».
إنه من أجل الدفاع عن قيم الانفتاح والتعددية والتسامح وضمان المكتسبات والحريات، سترتفع في هذا الوقت بالذات أصوات الغالبية الساحقة في المجتمعات الغربية، للمطالبة الصارمة بفرض القوانين والإجراءات الكفيلة بمكافحة خطر الإرهاب، والحد من تدفق موجات المهاجرين، وخصوصاً من جانب الدول التي تحاول تصدير الأفكار المعادية للغرب. وستقوم الحكومات الغربية بفرض ضرورات الأمر الواقع على من يرغب من المهاجرين واللاجئين بالإقامة والعيش في ظل المجتمعات الغربية، بتقبل عاداتها وتقاليدها وقواعد أنظمتها وقوانينها العصرية.
وتصر شعوب أوروبا وحكوماتها على القول بعد كل ما تعرضت له من تحديات ومآسي الإرهاب، بأن كل من يحاول أن يستخدم المعتقدات الثقافية والدينية، أساساً للتخلص من ديانات وثقافات وفكر الآخر، ولم يعد قادراً على الإنصهار والانسجام والالتزام بقواعد الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان المتاحة في الغرب ويسيء لحسن الضيافة، فإن مصيره المواجهة والتحدي والرفض، الذي يعني عزله أو طرده وترحيله، إلى حيث ما يعتقد بتوفير فرصة عيشه في مكان آخر، يكون ملائماً ومنسجماً مع توجهاته وأفكاره ومعتقداته الفكرية أو الدينية.
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 4517 - الأحد 18 يناير 2015م الموافق 27 ربيع الاول 1436هـ
صحوة
كان الغرب استعماريا في سنوات الجهل والجشع ولكنه استفاق في عصر التنوير وحمل معه مبادىء الحرية والقانون وحقوق الانسان ونبذ التعصب والارهاب ولم يرفع بعد ذلك شعار الدين المسيحي لتغيير لتغيير المعتقدات والاوطان .
سعيد
ماذا عن الإرهاب الأوروبي في منطقتنا ؟