أثناء مشاهدتي لأحد الأفلام العربية القديمة شعرت بالحنين للماضي وللزمن الجميل، وللممثلين الذين كانوا مثلنا الأعلى وبقيمهم للعمل والأمانة والعلاقات الإنسانية الرقيقة، وتذكرت الرخاء العائلي الذي عشناه من الحميمية والحب! وكيف كنا نتشارك الفرح والحزن بكل عنفوانه ونعيش تلك العواطف بكل كينونتنا!
كانت الحياة في رخاء وهادئة، وكنا نسعد ونفرح كثيراً بأي جديد سواء اللبس أو الهدايا ونقدر كل ما يعطوننا من هدايا أو لُعب وكانت لها فرحة خاصة لكونها نادرة ونحافظ عليها لسنواتٍ تتخطى أيام اللعب بها لتعلقنا الشديد بذكرى مناسبتها، كانت هنالك خصوصية للأشياء وتقدير لكل عطاء.
كنا نجلس جميعاً لنُتابع فيلماً في التلفزيون الوحيد في المنزل وكان يوم دخوله بيتنا يوماً تاريخياً وفرحاً لا يُنسى، وجاء بعده التلفون الضيف العزيز الثاني، والذي كان نادراً ما يرن وإذا رن تسابقنا في الركض للرد عليه!
كنا كعائلة نأكل سوياً كل الوجبات وكل يوم! وزيارة أقاربنا وضيوفنا لنا وزيارتنا لهم دائماً في الأمسيات والعطلات من أجمل الذكريات، كنا نستمع لأحاديث الكبار ونتعلم الكثير.
باختصار كانت «اللمّة» العائلية والحميمية أساس عالمنا، علمتنا التصرف واللباقة والكلام الجميل في المواقف المختلفة وحب الناس والتغاضي عند المُلِمّات أو محاسبة الآخرين وأين نُرخي الحبل أو نشدّه في الحياة.
كنا نرى في أهالينا القُدوة والحكمة وكانوا مرجعنا وقوتنا في مشاكلنا وأزماتنا ولا نلومهم إن شعرنا أنهم أخطأوا لأننا نعرف أنهم بذلوا أقصى ما بوسعهم لتربيتنا وإسعادنا، كنا نُدرك بالنظرات وبحدسنا على ما لا يوافقونه وكنا نحبهم بقلوبنا.
كانت أجمل أيام حياتنا وكم نتمنى أن تعود ولو ليوم واحد كي تُعطينا بعضاً من تلك المشاعر الفياضة الصادقة والحميمية لنتزود بها مع هذه الأيام الناشفة! وعذاب الوحدة في البيوت المغلقة الأبواب، والتي جفّت معها قلوبنا في ظل الحضارة الحديثة والتكنولوجيا الزائفة والركض وراء تجميع المال عوضاً عن الزيارات والحميمية وحُب الآخر. وانتشرت التلفزيونات في كل غرف البيت وتسببت في التفرقة العائلية قبلاً، ثم تلاها الإنترنت والذي التهم الجُزء اليتيم المُتبقي ودفن الحميمية للأسرة والتعلم من الكبار لأصول الحياة، ونسفت هدوء البال والعلاقات الحلوة معاً بعد احتضانهم للنقال طوال الوقت بحثاً عن شيء فقدوه ولا يدركونه! ونسيت العائلة دورها بمن فيها الأم والأب. وأصبحوا يُعبرون عن حُبهم وعواطفهم بالرموز من «الواتس آب» (اموجي) والشاشات التي تفننت في جعل العلاقات باردة مُتعلقة بعرقوبها!
والله يرحمها! ولكن دعوني أفرحكم قليلاً، رغم أن هذه الحضارة بأدواتها المُدمرة والتي تكشفت لنا عيوبها ومساوئها! وجدنا أنه يُصاحبها حدثان وثورتان مُهمان:- الأول هو الوعي الروحاني الإنساني (The shift & The spiritual Awarness) جعلت البشر في حاجة للسعي للروحانيات بتحفيز الوعي الباطني له! والشعور بالحاجة إلى شيء آخر غير المادة المبتذلة والترفيه، للحصول على الراحة الداخلية والحميمية المفقودة، والآخر هو ثورة المعلومات (information age) فازدياد المعرفة أو كثرتها وانتشارها السريع ربط القارات بعضها ببعض ولما يحدث فيها بالثانية، وأولاً بأول، ما شجع البشر على إبداء الرأي السريع فيما يجري هنا وهناك، والانضمام إلى المجموعات (الغروب) للعمل من أجل نصرة الآخر والتي باتت الثورة الإلكترونية في قمة فائدتها لتحقيق الخير للبشرية أخيراً، في محاولةٍ للكون من تعديل نفسه بنفسه ونُصرة الحق ضد الباطل، ضد التيارات والهجمات اللاإنسانية، ومن أجل عالم أفضل، ولعل هذه التكنولوجيا والتي أزعجتنا، قد تفيدنا أخيراً في توحيد العالم وإنقاذه مما يجري من إجرامٍ ومؤامرات، وترجعنا لهدوء الماضي.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 4516 - السبت 17 يناير 2015م الموافق 26 ربيع الاول 1436هـ
موضوع مهم
موضوع شيق للغاية نشكرك ولاتعليق
مقالة دافئة
ثورة المعلومات واثورة الروحانية هما من اعظم الثورات الالكترونية والتي قد بدأت تأثيراتها واضحة وهي التي سترغم المستبدين من التراجع ولن يصح معها الا الصحيح والف شكر للتحليل الممتاز والمقالة الدافئة
مقال رائع
شكرا