العدد 4515 - الجمعة 16 يناير 2015م الموافق 25 ربيع الاول 1436هـ

درويش والفرح غير العادي

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

العودة إلى نثر محمود درويش فيها من الاستفزاز ما يقترب من موهبته في التعبير عن تفاصيل خيبتنا وانحدار الأوضاع، ليس على مستوى الظاهر من الحياة بل على المستوى الذي نحاول أن نواريه ونبعده عن الانكشاف. لم يتم الالتفات إلى نثر درويش كما حدث مع شعره. ربما لأن القارئ العربي اليوم، على ندرته والحرج الذي يسجله أداؤه في علاقته مع الكتاب مقارنة بأداء نظرائه في الخلق لا يجد في القراءة إلا نوعاً من تشتيت التركيز على الظلام المحيط بالأرض والبشر والجهل الذي يجد تعاطفاً لا يخفى على أحد بطبيعة الواقع وما نحن عليه اليوم من تهميش للذين يعلمون ووضعهم في خانة ومرتبة أدنى من الذين لا يعلمون.

في حديث درويش عن الفرح أكثر من وقفة، ليس لأنه مكتنز بالحزن ومبتلى به وفي رفقةٍ معه، بحكم أداء التاريخ الذي أوصل وطنه إلى السور العازل لأنه يحدد معالم الأداء الذي تواطأت معه ديمقراطيات العالم «الحر» الذي لا يجد مشكلة في «استعباد» واحتلال أرض من لا يرونهم نظراء لهم في الخلق كما هو ثابت وأساسي في ثقافتنا ووعينا «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق» في واحدة من آلاف الانتباهات الأخلاقية التي سجّلها الإمام علي بن أبي طالب (ع).

الفرح الذي لا يتعامل معه درويش بصفته عابراً ومؤقتاً، نجد فيه الكثير والمثير من التهكم الذي يتناسب مع واقعه في عالمنا: عالم الشرق، وتحديداً الجزء الذي ابتلي بنا أو ابتلينا به. «علموك أن تحذر الفرح لأن خيانته قاسية. من أين يأتيك فجأة!».

ستجد كلامه عن الفرح في كتابه «يوميات الحزن العادي»! لا مكان للصدفة بقدر ما هو مدى العفوية التي صنعت من لغة درويش أداة من أدوات الاستفزاز. وربما يبدأ استفزازه بالذين يتوقعون منه أن يكون أقل عفوية معهم بالانتباه إلى عدم جرح إحساسهم وهجاء فرحهم الخاص في أمكنتهم الخاصة وعالمهم الخاص الذي لا علاقة لهم بما بعده وما يحدث فيه من درجات تتجاوز الحزن إلى المجازر والتصفيات وما بعد الكارثة.

في نصه «الفرح... عندما يخون»، لا يستطيع أن يقدم مقاربته ورؤيته للفرح دون أن يشبع الحزن تناولاً من خبرة مغادرة المكان قسراً، بعيداً عن وطنٍ مفتوحٍ للغرباء والذين يريدون إنهاء تيههم الأبدي على حساب أهل الأرض وإرسالهم إلى تيه الإخوة والجوار هذه المرة «تنتهي مدة الحزن المحددة في تصريح سفر. تنسل من الجنازة الثانية وتعد أهلك بالعودة لزيارتهم في جنازة قادمة».

ربما لأن العرب «خياليون... خياليون أيها العرب» كما كتب في نفس النص، على لسان الذين أجّلوا خيالهم وركزوا على الخارطة والشعب كي ينهوا مهمة فرحهم بإنجاز الاحتلال ليتفرغوا بعدها للخيال في متسع من الوقت والمكان الذي «بدون شعب» وجاؤوا ليشغلوا أنحاءه وما بعد تلك الأنحاء.

في الكلام غير العادي لدرويش وهو يتحدث عن «يوميات الحزن العادي»، إنما يريد أن يوصلنا إلى التذكير بالهشاشة والانهيار الذي لا يمكن أن يجلبا معهما غير هذه المأساة التي لا تريد الانتهاء بفعل حزن بات عادياً ولسبب بسيط أن الفرح غير عادي على هذه الأرض. الفرح هو المعجزة في وقتنا وليس الحزن. لا يحتاج الحزن إلى معجزة في العادي واليومي والبديهي من كل هذا الظلام ومدى مفتوح على أكثر من مأساة.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4515 - الجمعة 16 يناير 2015م الموافق 25 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً