سبع إلى ثماني علب سجائر في اليوم على مدى أربعين عاماً... تلك إحصائيةٌ مبسطة تحكي واقع إدمان عاشه المواطن جعفر مصطفى البلادي مع التدخين، إذ كان يفتتح يومه مستيقظاً صباح كل يوم باحثاً عن علبة السجائر، ليبدأ مشواره اليومي دون انقطاعٍ إلا فيما ندر وحال نومه، إلى أن جاء اليوم الذي أعلن فيه تركه التدخين، لتكون قصته، بحسب ما يقول، مثالٌ حريٌ بجميع المدخنين الاتعاظ منها.

«الوسط» التقت البلادي وكان هذا اللقاء:

كيف كنت تمارس حياتك مع التدخين؟

- كنت أشرب 7 إلى 8 علب سجائر في اليوم ولمدة 40 عاماً تقريباً منذ أن كان عمري 12 عاماً، والآن ولله الحمد، استطعت بالإرادة والعزيمة التوقف وترك التدخين، إذ كنت لا أتوقف عن الشرب إلا إذا كنتُ نائماً وبعض الأوقات الأخرى.

وفي الصباح أستيقظ من النوم وأبحث عن علبة السجائر مباشرةً حتى قبل أن أغسل وجهي، وكنت أستيقظ في منتصف الليل وأشرب خمس سجائر ومن ثم أعاود النوم، ولا أتوقف عن التدخين من استيقاظي في الساعة الثالثة فجراً وذهابي إلى سوق السمك إلى منتصف الليل في اليوم التالي.

حتى الذين يعملون في البرادة، مباشرةً يأتون لي بعلب السجائر منذ وقوفي صباحاً لعلمهم أني سأقتنيها... هذه ليس حالة طبيعية وإنما حياة مدمَّرة.

كم مجموع ما صرفته مالياً على التدخين طوال فترة الأربعين عاماً؟

- كنت أصرف وبشكل يومي 4 دنانير ونصف تقريباً في شراء السجائر، بمعدل 7 علب أشربها في جميع فترات اليوم ولا يوقفني عنها إلا النوم، وهذا يعني أن ما صرفته في التدخين طوال ما يقارب الأربعين عاماً يفوق 50 ألف دينار تقريباً.

كيف تصف الحد الذي وصلت إليه من الإدمان على التدخين؟

- كنت مهووساً بالتدخين إلى حدٍّ كبير، وفي المواقف التي لا أحصل فيها على علبة السجائر، ومنها عند عدم توافر مبلغ للشراء، تصيبني حالة استنفار، لدرجة أني أخرج من المنزل وأبحث عن السجائر في الأرض إن كانت توجد واحدة يمكن أن أستخدمها، وأتذكر أنه حصل معي موقف داخل البحر إذ سقطت علبة السجائر مني، فطلبت من الأشخاص الذين معي أن يرجعوني لأني لا أستطيع التحمل.

هل تعتقد أن عملك في مجال بيع السمك ساعدك على إدمان التدخين باعتبارك تقضي وقتاً كثيراً في انتظار الزبائن؟

- إدماني في التدخين ليس له علاقة بوقت أو مكان أو عمل، إذ إني لو لم أعمل في بيع السمك، سأدخّن الكمية نفسها من علب السجائر في المنزل أو في أي مكان.

كيف قطعت التدخين؟

- لم أذهب إلى عيادات للعلاج أو ما شابه، ولم يدُرْ في بالي أنه سيأتي يوم أقطع فيه التدخين، ولكن موقف حصل معي بشكل عفوي، وأتتني الإرادة بشكل مفاجئ، إذ كنت جالساً بجانب أحد الهنود إذ كان بجانبي في يوم من الأيام أحد الآسيويين الذين يعرفون عني أنني مدمن في شرب السجائر وتفاجأ بي أقول له خذ هذه السيجارة ولا أريد أن أشربها، وبشكل مباشر أبدى استغرابه وقال لي أنت لا تستطيع مفارقة العلبة أبداً ولا أصدق أنك ستتركه، ومنذ تلك الفترة لم أشرب ولا سيجارة واحدة، والآن أنا على مشارف إكمال الثلاث سنين منذ انقطاعي عن التدخين، وما أن يراني ذلك الآسيوي حتى يكرر لي عبارات الاستغراب من عزيمتي وإرادتي التي دفعتني لذلك.

وكيف هي حياتك الآن؟

- سأكمل ثلاث سنوات منذ أن قطعت التدخين، وأنا الآن أشعر بالسعادة ومرتاح نفسياً وصحياً واجتماعياً بين الناس، وأصبحت لا أتأثر بالتدخين أبداً، وأمارس حياتي بين العديد من المدخنين، ونظرة الناس تحسنت تجاهي، ففي السابق كانت تحصل لي مواقف محرجة مع الناس بسبب كثرة التدخين، وكأن الناس ينفرون مني، وحصلت مواقف كثيرة طردني فيها أشخاص من عدة أماكن، لأني أدخن بكثرة، وأنا أعتبر أن ذلك من حقهم.

هل شعرت بتحسن في صحتك بعد تركك التدخين؟

- شعرت بفرق كبير في جسمي بعد أن قطعت التدخين، إذ أنه يؤثر على أغلب أجزاء جسم الإنسان، والآن ولله الحمد أنام من غير انقطاع‘ إذ كنت في صباح كل يوم لا أستطيع التنفس بشكل طبيعي، والآن أنا أشعر بتحسن كبير في صحتي بعد انقطاعي عن التدخين، وأغلب الأشخاص الذين يعرفونني الآن يبدون استغرابهم حينما أجلس بجانبهم، لأنني لا أدخن، والحمد لله أنا الآن في نعمة كبيرة، إذ لا أُؤذي الناس ولا ينفرون مني، ولا فائدة من الندم الآن ولابد من فتح صفحة جديدة في الحياة.

هل شعرت بفراغ بعد تركك التدخين؟

- في أولى أيام انقطاعي عن التدخين، كنت أشرب السجائر في الحلم أثناء النوم بشكل مستمر، إذ كانت تراودني الكثير من الأحلام بهذا الشأن، والآن بعد مرور سنتين وسأكمل الثالثة انقطعت عني تلك الأحلام.

وبعد قطعي للتدخين، وبشكل طبيعي أني معتاد عليه، فأقوم دائماً بحركات توحي بأني سأدخن، مثل أن أُدخل يدي في جيبي لإخراج علبة السجائر، ومثل أن أرفع يدي إلى فمي لأبدأ بالتدخين، ولكنها أمور تلاشت مع الوقت، حتى أنني كنت أرى دائماً في الحلم عندما أنام أني أذهب لشراء السجائر، وكنت أفرح كثيراً في الحلم.

هل تعرضت لمواقف محرجة أو لافتة أثناء فترة تدخينك؟

- كان أغلب الأشخاص ينفرون مني ما إن يروني، وتعرضت لمواقف محرجة كثيرة مع أشخاص بسبب إدماني على التدخين، ففي المجالس والأماكن العامة يدخن الكثير من الأشخاص، ولكن بشكل معقول كسيجارة واحدة أو اثنتين أو ثلاث، أما أنا فمنذ استيقاظي صباحاً لا تفارقني علبة السجائر، وكان البعض يطالبني بالخروج من الأماكن التي أجلس فيها، فضلاً عن أنني تعرضت لشكوى في العمل بسبب التدخين، وأنا كنت مصرّ على التدخين، وكانت سيارتي مليئة بالرائحة، وكنت أملأ صالة منزلي بالدخان لدرجة أن البعض لا يتحمل دخولها.

وماذا تقول الآن للمدخنين؟

- بالعزيمة والإرادة ستصلون إلى الهدف، وأنصح جميع المدخنين الذين يزعمون عدم مقدرتهم على الانقطاع عن التدخين، فبمجرد أن يجعلوا إرادتهم في الأمام بإمكانهم أن يسيطروا على الوضع ويتغلبوا على الصعاب، وأنصحهم بترك التدخين لما له من أضرار عديدة، منها أنه يحتاج لمصاريف كثيرة، ففي الوقت الذي من الممكن أن يصرفوا على شراء السجائر أكثر من 60 ديناراً في الشهر الواحد، فأنا أنصحهم بأن يقوموا بالاستفادة من تلك الأموال.

بماذا ترد على من يعتبر تدخين الأطباء تبريراً لموقفه بإيجابية التدخين؟

- في السابق كان الكثير من الأصدقاء ينصحونني بقطع التدخين، وكنت لا أعيرهم أي اهتمام، وكنت أرد عليهم بأن هناك الكثير من الأطباء يدخّنون السجائر، والآن بعد أن قطعت التدخين أصبحت أنا أنصح الأطباء بضرورة قطع التدخين حينما أرى طبيباً يدخّن، وأتذكر أني منذ فترة شاهدت طبيباً عراقياً يدخن خارج أحد المراكز الصحية، وذهبت إليه لأنصحه وأبديت استغرابي من تصرفه، وقال لي بأنه تعوّد بطبيعته على التدخين حينما يخرج من المركز، فقلت له إنه من المفترض أن تكون قدوة للناس باعتبارك طبيباً.

لا يجب الاقتناع من كلام البعض بأن هناك أطباء ودكاترة يدخنون، وبالتالي فإن الأمر لا بأس به، فالله سبحانه وتعالى أعطانا العقل الذي يفكّر ويميّز بين الأمور، فإلى متى يزعم المدخنون أنهم لا يستطيعون ترك التدخين، عندما يتم نقلهم مرضى إلى المستشفى؟

ما رأيك في تدخين المراهقين الذي بات ظاهرة متفشية في مجتمعاتنا؟

- إنه لمن المؤسف أن نرى الكثير من المراهقين يشربون السجائر بما يعرضهم إلى خطر الإدمان وهم في هذا العمر، فأنا أنصحهم بالابتعاد عن التدخين لأن ذلك أفضل لهم ولحياتهم التي ستتعرض للخطر...

أنصح الآباء وأولياء الأمور أن يراقبوا أبناءهم وأن يمنعوهم من التدخين لأنه سيكون سبباً في تدمير حياتهم.

هل تتصور أن تعود للتدخين مرة أخرى؟

- لا يمكن أن أعود للتدخين أبداً، والجميع أبدى استغرابه حينما توقفت عن التدخين، وفي اليوم ذاته جلس بجانبي أحد الأصدقاء، ومباشرةً أبدى استغرابه من أني لم أُخرِج السيجارة لحد الآن، ومررت بمواقف كثيرة من الأصدقاء الذين يمازحونني، فيرمون عليّ السيجارة، وينفثون الدخان على وجهي، وأنا لا أهتم بهم.

كلمة أخيرة.

- أنصح جميع المدخنين بترك التدخين، إذ لا توجد فائدة له بتاتاً، وهو سبب رئيسي لإصابة الإنسان بالأمراض في القلب والمعدة وجسم الإنسان، فأنا عندما كنت أدخن بكثرة طوال هذه السنين، أشعر الآن بالفرق وأقول إنه لو كنت أجمع تلك الأموال لاستطعت شراء أرض بها في زماننا آنداك قبل عشرات السنين.