شكَّلت الاتفاقية التي وقعت بين المفوضة السامية لحقوق الإنسان وبين هيئة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية العام 2012، نقطة تحوّل في التعاون والعمل المشترك بين المؤسسات الحقوقية الدولية ونظيراتها المحلية. إذ يشكل العمل المشترك مع المنظمات والمؤسسات الدولية ركيزة أساسية في دعم وتطوير العمل الحقوقي واستكمال منظومته البناءة من خلال الأنشطة والبرامج المنفذة.
وخلال العام الماضي نفذ مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان سلسلة من الأنشطة في المملكة، تمثَّلت في تنظيم ورش عمل تدريبية حول الآليات الدولية لحقوق الإنسان، وآليات واستراتيجيات مكافحة الاتجار بالبشر، وإعداد التقارير في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة.
وتناولت آخر ورشة عمل أقيمت مؤخراً، تدريب مدربين في مجال حقوق الإنسان، ولعلها تكون من أهم البرامج المنفذة في هذا المجال، لما لها من تأثير أوسع وأشمل على الصعيد الحقوقي والعاملين فيه.
يسعى هذا البرنامج إلى خلق كادر وطني قادر على تنفيذ أنشطة تدريبية وتوعوية لفئات عديدة في المجتمع السعودي حول حقوق الإنسان، وحول مضمون الحقوق الواردة في الاتفاقيات الدولية.
من أهداف البرنامج التعرف على الالتزامات المترتبة على المملكة في إطار الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وتطوير وبناء نواة لفريق عمل وطني في مجال حقوق الإنسان قادر على تطبيق المنهجيات المتعارف عليها عالمياً في مجال التدريب، كما جاء في مذكرة التفاهم.
من الأوجه المهمة في البرنامج، أنه شمل 40 مشاركاً من الجنسين يمثلون قطاعات رسمية وأهلية معنية بقضايا المرأة والعنف الأسري، ومن ممثلي قطاعات الشباب والإعلام ومؤسسات مدنية أخرى. كما أن الفريق الذي قام بالتدريب شمل خبراء دوليين ومحليين تناولوا قضايا منها التطور التاريخي لمفهوم حقوق الإنسان، حقوق المرأة، ذوو الاحتياجات الخاصة، آليات الحد من التعذيب، أنماط الاتجار بالبشر، وحقوق الطفل، والتعامل مع الشبكة العنكبوتية في مجال حقوق الإنسان.
هذه البرامج وأمثالها تعبّر عن حاجة ملحة في المجتمع لتطوير معرفته وقدرات أبنائه للتعاطي السليم والمنهجي مع قضايا حقوق الإنسان، سواءً من قبل المسئولين أو عموم المواطنين والفئات الفاعلة منهم.
لعل السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الفائدة التي يمكن أن يجنيها المواطن من مثل هذه البرامج وهو قد يكون محاصراً بعديد من القضايا الحقوقية التي يرى بأن علاجها ليس ميسوراً أو سهلاً؟ وكيف تنعكس مثل هذه المبادرات والأنشطة عليه وعلى بقية المواطنين بصورة إيجابية، ليشعر بأنها تحسن من حقوقه ومطالبته بها؟
هنا يأتي دور المؤسسات الحقوقية المحلية كهيئة حقوق الإنسان في مجال تفعيل هذه الرؤى والبرامج والأفكار لتعميمها على مستوى قواعد أوسع من المواطنين، ونقل هذه الأفكار الحقوقية لتشكل أساساً في تعامل من بيدهم المسئولية والسلطة مع بقية المواطنين.
عندما تتحوّل هذه البرامج إلى ممارسات مشروعة وهادفة لضمان حقوق المواطن والدفاع عنها، فإنها ستكون فعلاً حققت هدفها المطلوب، وحوَّلت المجتمع بشكل عام إلى مجتمع يعرف حقوقه ويطالب بها، وهناك من يضمنها له عبر آليات ومؤسسات فاعلة.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4513 - الأربعاء 14 يناير 2015م الموافق 23 ربيع الاول 1436هـ