تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بوضع ممتاز لتصبح بمثابة مراكز اجتماعات عالمية بفضل نشاطها التجاري المتنامي، وموقعها الجغرافي المركزي، وارتقاء وضعها بوصفها مناطق واعدة لسياح الأعمال، وفقاً لدراسة أجرتها شركة الاستشارات الإدارية الرائدة استراتيجي. (بوز أند كومباني سابقاً).
تُحدد دراسة "استراتيجي" قطاع الاجتماعات باعتباره واحد من أكثر القطاعات ربحية في صناعة السياحة حيث إن رجال الأعمال الذين يسافرون إلى بلد لحضور معرض تجاري أو مؤتمر يميلون إلى الإنفاق أكثر بكثير من الزوار الآخرين. وبمقدور البلد الذي يجعل من نفسه مكان متميز لاستضافة الاجتماعات والمعارض والمؤتمرات، أن يستقطب أعداد كبيرة من الزوار من رجال الأعمال الأجانب.
تكشف الدراسة أنه في الوقت الراهن يندرج 5 في المئة فقط من السياح في أي سنة تحت فئة سياحة المعارض والمؤتمرات والتي تُعرف كذلك باسم سوق سياحة الاجتماعات. ويُنظر السياح من هذه الفئة إلى أنهم ينفقون أكثر من السياح الآخرين، ويقطنون في الفنادق الفاخرة التي تنعقد بها الاجتماعات غالباً، ويتناولون الغذاء في المطاعم الباهظة الثمن، مما يجعلهم عملاء مرغوب بهم أكثر من غيرهم. ويُمثل إنفاق سياح هذه الفئة حوالي 11 دولار من كل 100 دولار يُنفقه السياح، وهي نسبة مرتفعة بشكل غير متناسب مع نسبة سياح هذه الفئة البالغة 5 في المئة.
تسلط الدراسة الضوء على التقدم المطرد الذي حققته دول مجلس التعاون الخليجي كوجهات لسياحة الأعمال، حيث بلغ مجموع سياح الأعمال الوافدين حوالي 10 مليون سائح في عام 2012، وهو ما يمثل نمواً سنوياً بنسبة 5 بالمائة منذ عام 2009. وتُعد نسبة إجمالي سياح الأعمال أعلى من غيرهم من السياح وربما تقارب ثلث جميع السياح الوافدين. وهو الأمر الذي يؤكد حقيقة أن سياح الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي يمثلون نسبة عالية للغاية من إجمالي عدد السياح الوافدين مقارنة مع باقي دول العالم.
وأفاد ريتشارد شدياق، وهو شريك أول في "استراتيجي" على الرغم من إمكانات سوق سياحة الاجتماعات، لم تُشكل معظم الاقتصاديات الناشئة فهماً جيداً لهذا القطاع من صناعة السياحة، وليس لديها إستراتيجية مدروسة لاغتنام هذه الفرصة السانحة. وقد تسببت هذه الثغرات في جعل الأسواق الناشئة مثل دول مجلس التعاون الخليجي متأخرة كثيراً عن الغرب من حيث حصتها في سوق المعارض والمؤتمرات، حيث تنعقد 2 في المئة فقط من جميع المعارض العالمية في الشرق الأوسط و 4 في المئة فقط في أميركا الجنوبية. وعلى النقيض من ذلك، تُعد أوروبا وأميركا الشمالية، مجتمعتين، موطناً لأكثر من 80 في المئة من المعارض العالمية وفقاً لأحدث البيانات“.
وأضاف ريتشارد شدياق، "ومع ذلك، يُمثل هذا الخلل فرصة للأسواق الناشئة بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي للاستحواذ على حصة كبيرة من سوق سياحة المعارض والمؤتمرات، إذا تمكنت من تحسين خططها المتبعة في سوق الاجتماعات".
فهم منظومة سياحة المعارض والمؤتمرات
وفقاً للدراسة، لكي تستطيع دول مجلس التعاون الخليجي اغتنام هذه الفرص السانحة في سوق الاجتماعات، فمن المهم بالنسبة للحكومات وصناع السياسات أن يكون لديهم فهم واضح لمنظومة سياحة المعارض والمؤتمرات التي تتألف من أربعة أجزاء:
أولاً؛ مجموعة أساسية من منتجات المعارض والمؤتمرات وقوة اقتصادية واضحة من المرجح أن تستقطب سياح المعارض والمؤتمرات إلى بلد معينة. وترتبط غالباً سياحة المعارض والمؤتمرات بمستوى التجارة في البلد وتتمحور حول الأنشطة التجارية والاقتصادية المُنفذة فيه. وتحتاج المناطق التي تتطلع إلى تعزيز سياحة المعارض والمؤتمرات إلى منشآت اجتماعات لائقة مثل مراكز المعارض أو المؤتمرات، أو قاعات الاجتماعات في الفنادق، أو أماكن غير تقليدية مثل المتاحف أو المباني التاريخية أو الجامعات.
ثانياً، خدمات المعارض والمؤتمرات سواءً الأساسية أو المساعدة، وتقدم الخدمات الأساسية من قبل الوسطاء وهم مُنظمي المؤتمرات والشركات التي تُنظم اجتماعات الاتحادات الدولية وشركات إدارة الوجهات السياحية التي تقدم عروض لاستضافة الاجتماعات وتخطيط الفعاليات وتقديم الخدمات اللوجستية في الموقع.
ثالثاً، عوامل تمكين قطاع المعارض والمؤتمرات، والتي تشير إلى مجموعة متنوعة من العوامل التي تنطوي على التخطيط والتسويق والمبيعات والبحوث. ويُمثل التخطيط عامل مهم بشكل خاص حيث عادةً ما تربط البلاد خطط المعارض والمؤتمرات بإستراتيجية السياحة الوطنية على المدى الطويل.
رابعاً،عوامل تمكين النظام التي تشير إلى تعامل البلاد مع أبعاد الأمن والصحة والسلامة والاستدامة البيئية والبنية التحتية، وهي مهمة لقدرة البلاد الشاملة على المنافسة على الأعمال الدولية.
مواطن قوة قطاع المعارض والمؤتمرات في دول مجلس التعاون الخليجي
أفاد مدير أول في "استراتيجي" أنطوان نصر "من بين دول مجلس التعاون الخليجي، يُنظر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة على أنها تملك أقوى أعمال المعارض والمؤتمرات، حيث طوّرت البلاد نفسها إلى أهم مركز للسفر في المنطقة، وهذا واضح من مطار دبي الدولي الذي يفوق حالياً مطار هيثرو من حيث كونه المطار الأكثر ازدحاماً في العالم. كما تقدم دولة الإمارات العربية المتحدة المزيد من العروض الترفيهية المتنوعة التي عززت شعبية البلاد بوصفها مكان لعقد الاجتماعات".
وتحظى دول مجلس التعاون الخليجي بخمس مزايا تنافسية كبيرة بوصفها وجهات لسياحة المعارض والمؤتمرات والتي تشمل: (1) موقع جغرافي مركزي؛ (2) نشاط تجاري كبير وقواعد اقتصادية ومؤسسية آخذة في التوسع؛ (3) أنظمة سياسية مستقرة؛ (4) مجموعة من الخدمات المساندة الناشئة (مثل ترميم المواقع الأثرية وتطوير المتاحف بشكل سريع)؛ (5) منشآت جديدة ومتقدمة تقنياً للاجتماعات التي يمكنها استضافة حشود ضخمة.
العوائق التي تحول دون كون دول مجلس التعاون الخليجي مراكز للاجتماعات
تُظهر الدراسة وجود بعض التحديات التي تعوق قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على الظهور كوجهات للاجتماعات، وهي تشمل: (1) العدد الكبير لسياح المعارض والمؤتمرات الوافدين من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مما يحد من إمكانية طول فترة الإقامة؛ (2) محدودية سوق الاجتماعات (لتبادل الأفكار التي تنظمها الاتحادات الدولية) نظراً لعدم كفاية مشاركة الجهات المحلية في هذه الاتحادات؛ (3) عدم توافر أماكن اجتماعات غير تقليدية، (4) عدم وجود وسطاء ناشطين دولياً مثل مُنظمي المؤتمرات وشركات إدارة الوجهات السياحية، (5) ضعف أنظمة النقل العام مما يؤثر على إمكانية الوصول إلى أماكن الاجتماعات، (6) لا توفر معظم دول مجلس التعاون الخليجي المنتجات الترفيهية الإضافية باستثناء الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.
وأضاف أنطوان نصر في هذا الشأن "علاوةً على هذه المشكلات، ثمة مشكلات أكثر نظامية مرتبطة بتمكين نظام قطاع المعارض والمؤتمرات على غرار صعوبة الحصول على تأشيرات الدخول في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد احتلت كافة دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة مراتب متأخرة من حيث تقييد سياسات إصدار تأشيرات الدخول من بين 140 بلد جرى تحليله ضمن دراسة القدرة التنافسية للسفر والسياحة الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي".
الاستحواذ على حصص في سوق المعارض والمؤتمرات
أضاف ريتشارد شدياق في هذا الصدد "على الرغم من إطلاق بعض دول مجلس التعاون الخليجي لمبادرات متعلقة بسياحة المعارض والمؤتمرات، لازال بمقدورها فعل المزيد لتعميق مشاركتها في هذا القطاع المربح للسياحة. ويمكن التغلب على معظم التحديات من خلال تغيير السياسات. ولذلك، من المهم استخدام منهج مُنظم من شأنه أن يسمح لدول مجلس التعاون الخليجي بتطوير إمكاناتها الكبيرة لقطاع سياحة الاجتماعات والاستحواذ على حصة أكبر من سوق الاجتماعات".
وتقترح الدراسة ضرورة استخدام منهج مكون من ثلاث خطوات وهي: (1) تقييم منظومة سياحة المعارض والمؤتمرات، (2) صياغة إستراتيجية للاستحواذ على مزيد من أعمال المعارض والمؤتمرات، (3) وضع نموذج حوكمة لجهود سياحة المعارض والمؤتمرات.
واختتم ريتشارد شدياق حديثه"إذا استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي إتباع هذا المنهج والتنفيذ على نحو أكثر سرعة ومهارة، سوف تشهد أعمال الاجتماعات في المنطقة نمواً ملحوظاً في السنوات القليلة المقبلة".