طرحت الاعتداءات الإرهابية في باريس مجددا مسالة اعتناق أفكار سياسية إسلامية متطرفة في السجون وهو الأمر الذي يثير قلق السلطات التي تسعى إلى عزل المتطرفين والتصدي لتجنيدهم للمساجين.
وبعد محمد مراح الذي قتل ثلاثة عسكريين من أصول مغربية وأربعة يهود في 2012 في جنوب غرب فرنسا ومهدي نموش منفذ اعتداء على متحف يهودي في بروكسل (أربعة قتلى في مايو/ أيار 2014)، اظهر التحقيق حول منفذي الاعتداءات الأخيرة في باريس مجددا اثر اللقاءات في المعتقل في خطط المتطرفين الإسلاميين الإجرامية.
فقد التقى شريف كواشي واحمدي كوليبالي في سجن فلوري- ميروجي جنوب باريس حيث وقعا تحت تأثير جمال بيغال الإسلامي الفرنسي المتطرف، بحسب مصدر قريب من الملف.
وقال مارتن برادل محامي الإسلاميين المتطرفين "لدينا مشكلة حقيقية في سياسة السجون". وأوضح "أن الاختلاط والفراغ وغياب المتابعة النفسية تشكل بيئة خصبة لنشوء الممارسات المتطرفة".
ويضيف زميله غي غينون "نعم التطرف موجود بالفعل في السجن (..) وقد كشف لي عراب في هذه الأوساط قبل قضية مراح انه هناك قنابل ستخرج (من السجن) والناس في الشارع لا تعلم بها".
وتقر وزارة العدل بوجود المشكلة لكنها تقلل من أهميتها.
وقال بيار رانسي المتحدث باسم الوزارة "من بين 152 شخصا معتقلا حاليا في فرنسا (ضمن 67 الفا) في إطار قضايا إرهابية، هناك فقط 16 بالمئة امضوا عقوبات في السجن، وبالتالي فان الـ 84 بالمئة الباقين تطرفوا في مكان آخر" غير السجن.
لكنه أوضح أن من بين هؤلاء الـ 152 سجينا "تم تحديد ستين باعتبارهم دعاة يمارسون التبشير بين باقي المساجين المسلمين".
وللتصدي لتاثيرهم قرر سجن "دار فرينس" بالمنطقة الباريسية الذي يؤوي 15 منهم، مؤخرا فصلهم عن باقي المساجين وتجميعهم في قسم خاص بالسجن. وهي تجربة أولى اعتبرت اختبارا من هذه المؤسسة السجنية.
لكن برادل اعتبر أن "إقامة سجون غوانتانامو صغيرة ليس الحل" لان من شان ذلك ترسيخ التطرف لدى هؤلاء المعتقلين.
من جانبه رأى احمد الحماص المسئول النقابي في الكنفدرالية العامة للعمل في هذا السجن أن "ذلك سيوجد مناطق يغيب فيها القانون" مضيفا أن "بعض المعتقلين قد يصبح هدفهم الاندماج مع هذه المجموعة (المعزولة) التي سيطلقون عليها وحدة النخبة".
وتراهن وزارة العدل أيضا على تعزيز متابعة ممارسة العبادات في السجون مع أحداث المزيد من مناصب الوعاظ المسلمين للتصدي لدعاية الإسلاميين المتطرفين.
وأوضح أنيس وراش واعظ سجن الينسون كوندي (شمال غرب) "بما أن الطبيعة تأبى الفراغ ولان عدد الوعاظ قليل، فان المساجين الذين لديهم حاجة روحية سيتجهون إلى معتقلين متدينين يرخون لحاهم. وإذا ما اتجه سجين إلى قراءة طائفية للقرآن يصبح الأمر مثيرا للقلق".
وتقول وزارة العدل "منذ 2012 أحدثنا 32 منصبا جديدا. وعددها اليوم في السجون الفرنسية 183".
ومن الصعوبات الأخرى التي تواجه إدارة السجون تحديد المساجين الذين يمكن أن ينحرفوا باتجاه التطرف الديني، لان الأشد تطرفا ليسوا بالضرورة أولئك الذين يظهرون تدينهم. وأوضح مسئول في الوزارة "بالعكس أنهم لا يظهرون ذلك" مشيرا إلى أن كوليبالي لم يتسبب في أي مشاكل أثناء فترة سجنه.
وفي مسعى لمزيد من الإحاطة بهذه الظاهرة وأيضا للحصول على أدوات التصدي لتجنيد المساجين من قبل إسلاميين متطرفين، بدأت وزارة العدل برنامج "بحث وعمل" بهدف تشريك موظفين في ادارة السجون وباحثين ومؤسسات ثقافية والمهمة الحكومية لمكافحة الانحراف الطائفي.
وستبدأ عمليات تجريبية قريبا في مؤسستين سجينتين.