العدد 4508 - الجمعة 09 يناير 2015م الموافق 18 ربيع الاول 1436هـ

وهن النظام السياسي يحدث بالافتقار إلى المساءلة الهرمية

فوكوياما لـ «الغارديان» واحتفاء الصين بكتابيْه الأخيرين:

فرانسيس فوكوياما
فرانسيس فوكوياما

قال المفكر الأميركي من أصل ياباني، مؤلف كتاب «نهاية التاريخ»، فرانسيس فوكوياما، إنه تمَّتْ محاصرته بسبب أطروحته في الكتاب المشار إليه. وأضاف في حوار مطوّل مع صحيفة «الغارديان» البريطانية، أجراه ويزلي يانغ يوم السبت الماضي (27 ديسمبر/ كانون الأول 2014)، أن الديمقراطية الليبرالية هي الوجهة النهائية للتاريخ.

كتابه «تاريخ التنمية السياسية» يوضح الوهن الأساسي للنظام السياسي الذي يفتقر إلى المساءلة الهرمية.

فوكوياما، الذي يُعَدُّ من أكثر المفكرين قبولاً، ويعتبر وسطياً ونزيهاً بالنسبة إلى الحزب الشيوعي الصيني، على الأقل، كي لا ندخل في حال من التعميم، لنقول الصينيين جميعاً، بأطروحاته وخصوصاً في كتابه «النظام السياسي والتآكل السياسي» الذي سينشر في طبعة خاصة ليوزع على القيادات العليا للحزب الشيوعي، تزامناً مع كتابه «تاريخ التنمية السياسية».

اللقاء تناول أبرز أفكار الكتابين، نظرته للصين ومعضلة تمدد الطبقة الوسطى، وإمكانية السيطرة على موضوعة المشاركة السياسية. تناول أكبر دولة ديمقراطية في العالم (الهند) والإشكالات المرتبطة بالفساد، كما تناول موضوع تجذّر التجربة الديمقراطية من جهة؛ وتقليص المشاركة في الحكم من جهة أخرى بعروجه على بعض التجارب القديمة نسبياً.

«تاريخ التنمية السياسية»

كان الجزء الأول من كتاب فرانسيس فوكوياما «تاريخ التنمية السياسية» واحداً من عدد قليل من الكتب التي وضعها مؤلفون أجانب يحقق أرباحاً ورواجاً في الصين. وبيّن فوكوياما، حين التقاه يانغ بالقرب من منزله في بالو ألتو، بكاليفورنيا، بأن من العادة أن تكون الكتب الأجنبية عرْضة للقرصنة في الصين. لكن كتابه «أصول النظام السياسي»، الذي يروي ظهور ونمو الدولة «ما قبل عصور الإنسان إلى الثورة الفرنسية»، فيه اشتغالات باحترام على التاريخ والثقافة الصينية، ويتميز الإصدار في تناوله التاريخ الوطني، بالإشارة إلى أن لدى الصينيين ما يكفي من أهمية تكمن في القوة التاريخية للبلاد، والضعف التاريخي الهائل على حد سواء، وربما ذلك هو الذي دفع الكتاب إلى النجاة من مقص الرقيب؛ ما جعل عمله ذا قيمة بقراءة الجمهور الصيني له.

فوكوياما أشار إلى أن صديقاً له مطلعاً في بكين أخبره بأن الحزب الشيوعي سيترجم الكتاب الذي نشر مؤخراً، متزامناً مع كتاب «النظام السياسي والتآكل السياسي» في طبعة خاصة ستوزع على القيادات العليا للحزب الشيوعي.

ووصف فوكوياما استقباله في الصين، بلغة حازمة وتتسم بالفخر، بأنه اكتشف من خلالها، أن السلطات تنظر له باعتباره نزيهاً بما فيه الكفاية لتأخذ بملاحظاته، وخصوصاً أنه ربما يكون الشخص بعينه الذي يقول بشكل واثق، بانتصار الديمقراطية الليبرالية الغربية على كل منافسيها الإيديولوجيين.

نهاية تطوّر البشرية الإيديولوجي

أصبح فوكوياما من مشاهير المفكّرين في العام 1989 عندما أعلن أن هزيمة الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة تمثل «وفاة فترة معيّنة من تاريخ ما بعد الحرب، ولكن نهاية التاريخ على هذا النحو: نقطة نهاية تطوّر البشرية الإيديولوجي، وتعميم الديمقراطية الليبرالية الغربية باعتبارها الشكل النهائي للحكومة الإنسانية».

كتابه يُوضح الوهن الأساسي للنظام السياسي الذي يفتقر إلى المساءلة الهرمية، حيث إن النظام الشيوعي الصيني لايزال شكلياً يقوم بتلك المساءلة. ولكنه يؤكد أيضاً مخاطر التسلسل غير اللائق لعناصر مختلفة في عملية التنمية السياسية: حكم القانون الطاغي على كل شيء، يمكن له قريباً جداً أن يُعيق تطوير دولة فعّالة، كما حدث في الهند. الديمقراطية الانتخابية التي أدخلت في حالة من عدم وجود البيروقراطية الإدارية المستقلة والتي يمكن أن تؤدّي إلى المحسوبية والفساد المتفشي، كما حدث في اليونان.

حتى في المجتمعات التي يحدث فيها ضرب من التوازن السليم بين الديمقراطية وسيادة القانون والدولة الفعّالة، كانت في الماضي عرْضة للتآكل السياسي كما حدث في الولايات المتحدة. فشل المؤسسات الديمقراطية في العمل بشكل صحيح يمكن أن ينزع منها الشرعية (الصبغة) الديمقراطية نفسها، وسيؤدّي ذلك إلى ردّ فعل سلطوي، كما حدث في الاتحاد السوفياتي السابق.

تعميم سيادة القانون

«هُم يدركون أن نظامهم يحتاج إلى الإصلاح السياسي بشكل أساسي وجذري»، ويعني فوكوياما بذلك الصينيين. «لكنهم لا يعرفون إلى أي مدى يمكن أن يذهبوا. ولن يفعلوا ما فعله غورباتشوف، الذي رفع الغطاء عن الحزب (الدولة) ورأينا ما الذي حدث بعدها. ولكن لا نعلم ما إذا سيصبح من الممكن نشر وتعميم سيادة القانون لتقييد سلطة الدولة بالوتيرة التي من شأنها تلبية الطلبات المتزايدة من قِبَل الطبقة الوسطى الصاعدة. كل ذلك غير واضح أيضاً.

هناك مابين 300 و 400 مليون صيني يشكِّلون الطبقة الوسطى، وهذا العدد سيرتفع إلى 600 مليون في عقد من الزمن. كان لي نقاش قبل بضع سنوات مع مدافع عن النظام (الصيني)، وأشرت إلى أنه في كثير من مناطق العالم عندما تعمد إلى تنمية طبقة وسطى كبيرة، يصبح الضغط من أجل زيادة المشاركة السياسية أمراً لا يمكن مقاومته.

ربما يحسن الرجوع إلى تعريف فوكوياما لمفهوم «التآكل السياسي»، والذي أسماه في تعريفه بالتصلّب الإدراكي، من خلال ظهور مجموعة من المؤسسات في ظروف محدَّدة ثم لا تلبث هذه الظروف أن تتغيّر؛ ما يعني عدم حدوث التأقلم.

وبعيداً عن «الغارديان»، ولقائها فوكوياما، ربما يقودنا ذلك للعودة إلى الحوار الذي أجراه مدير المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية (تشاتام هاوس)، روبين نبيلات، وضمن إطار الظاهرة تلك، يظن فوكوياما - فيما يتعلق بالنخبة السياسية الأميركية - أنها أصبحت تميِّز بشكل متزايد، بدليل «أننا نشهد الآن أكبر أزمة منذ الكساد الكبير فترة الثلاثينات من القرن الماضي، ولم تتسبّب الأزمة في تغيير الأمور بشكل جذري؛ بل بقي الناس يحملون أفكاراً غريبة مثل: ماذا لو حدث تخفيض للضرائب؟ ذلك سيحفّز النمو؛ ما يجنّب عجزاً في الموازنة».

قد تتآكل الديمقراطية ولن تنهار

تناول فوكوياما مشكلات الديمقراطية؛ إذ أشار إلى أن الديمقراطية هي «نهاية التاريخ»، لذلك فإنها لن تنهار، لكنها قد تتآكل.

وبالنسبة إلى موضوع التناظر التاريخي ذي الصلة بالحكّام الصينيين، يقول فوكوياما، ربما تكون بروسيا، في ظل سلسلة من الملوك المستنيرين، تم السماح بانتشار سيادة القانون تدريجياً؛ دون توسيع المشاركة الديمقراطية للشعب. من جانب آخر نرى بطبيعة الحال، أن ألمانيا بلغت مرحلة «نهاية التاريخ» بعد بدئها القتال في اثنتين من الحروب الأكثر وحشية في العالم، ولن ترى نظيراً لهما في أي وقت مضى.

هل ستكون القوَّة الصاعدة القادمة قادرة على السيطرة على الطاقات الجبَّارة لدى شعبها، وإدارة المرحلة الانتقالية التي تجنّب الأوربيين سفك دماء لا يستطيعون تحمُّلها؟ كتاب «النظام السياسي والتآكل السياسي» يؤكد صعوبة هائلة في إنشاء مؤسسات سياسية ديمقراطية في الأماكن التي تنهار فيها الدولة، أو تلك التي لا جذور لها في الممارسة أساساً.

وأخيراً، يقول فوكوياما، بأنه وُضع في ما يشبه الفخ من قبل أطروحات أيديولوجية ذات أفق مسدود تناولت ما ورد في كتابه «نهاية التاريخ»؛ على رغم أنه لايزال يقف وراء تأكيد أن الديمقراطية الليبرالية هي الوُجْهة النهائية للتاريخ.

وأشار في نهاية لقائه مع «الغارديان» إلى أن جمهوره الأكبر والأكثر إيجابية يتركز في البلدان التي توجهت إلى الديمقراطية في السنوات الأخيرة: أوكرانيا، بولندا، بورما، وإندونيسيا، وكما يقول: «في أماكن مثل تلك، مازلت كنجم روك. في أماكن مثل تلك، ما ورد في (نهاية التاريخ)، يسمح للناس بأن يروا أنفسهم كحركة تاريخية واسعة. إنها ليست مجرد نزاعات محلية صغيرة، فهناك مبادئ أعمق مرتبطة ومعنيّة بالأمر. وأن تكون قادراً على الذهاب إلى تلك الأماكن وتقول لهم، إنهم على الجانب الصحيح من التاريخ ارتباطاً بالتغيير السياسي، فلذلك تأثير كبير عليَّ حتى يومنا هذا. أن تكون قادراً على الذهاب إلى كييف وتقول للناس هناك، إن الديمقراطية لاتزال هي موجة المستقبل؛ فتلك هي اللحظات التي أشعر في أغلبها أنني قدَّمْت مساهمة ستظل دائمة ومؤثرة».

العدد 4508 - الجمعة 09 يناير 2015م الموافق 18 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً