هنالك من يفهم دوره في ممارسة النقد - في حال توافر الأدوات والإمكانات؛ وفي حدود مكاناً تكاد تكون غائبة من حيث المنهجية - على اختلاف الموضوعات والقضايا والأعمال التي يتم تناولها، مراجعة وقراءة وتبياناً لمواضع القوة والضعف، الإضافة والتكرار، على أنه تصفية حسابات، أو استعراض للإمكانيات، أو ممارسة قدْر من البذاءة والتجريح.
لن تجد ذلك - بالمناسبة - إلا في عالمنا العربي، وأجزاء من الشرق، حيث مساحة الكبت ممتدة، وما لا تستطيع التعبير عنه في قضايا وشئون سياسية واجتماعية لكثير من الاعتبارات، تستطيع أن تعوِّض عنه باللجوء إلى تناول أعمال أدبية وأحياناً فكرية، بأسلوب يخلو من المنهجية وما يكمل المنهجية: اللياقة في ما يتم طرحه من وجهة نظر.
هنا، لم نعدم مثل تلك الممارسات، وعلى رغم أن العرب عموماً يفتقدون إلى نظريات نقدية منهجية، يمكن الاعتداد بها في التعاطي وتناول قائمة عريضة من الظواهر والنتاجات؛ مستندين، في عملية إسقاط، في كثير مما يتناولون من ظواهر وأعمال، إلى نظريات نقدية غربية، في خليط عجيب، وتوظيف مغتصب؛ أتاح ذلك الافتقاد (إلى نظرية/ نظريات نقدية) إلى ترك الحبل على الغارب؛ وتعاطي حتى الذين أوتوا حظاً متواضعاً من التراكم في أقل درجاته؛ وتجرؤهم على الدنو من الأعمال التي يختزلون قيمتها في عدم استيعابهم لها - أحياناً - ونحن نتحدث هنا عن بعض الاجتهادات والمحاولات على مستوى قراءة الظواهر الاجتماعية وتلمّس طرق؛ وإن ظلت في حدود التصوّر، وكأن عدم استيعابهم لها يجب أن يؤخذ في الحسبان؛ وخصوصاً مع توهّم أن تكريسهم في المشهد الذي من المفترض أن يكون ثقافياً/ إبداعياً - سمِّه ما شئت - يتيح لهم مثل ذلك التجرؤ والضوء الأخضر للعبث بوعي الناس الذي لا يحتاج أصلاً إلى العبث به؛ قفزاً وهروباً من متن ما يتناولون إلى اتخاذ البذاءة والشتائم والتجريح والتسخيف خياراً لا بديل له؛ لأن كل ذلك يختصر البضاعة التي يحيون بها؛ ويتوهمون أنهم جزء لا غنى عنه من هذا العبث في واقع الأمر!
في ما يتعلق بالشعر تحديداً؛ هنالك وضع غير طبيعي لدى ذلك الصنف من المتجرئين والطارئين، والمتوهمين مكانتهم التي منحت لهم عبر دكاكين مبثوثة في الأنحاء، في تناول أعمال، أولاً من دون إمكانات وأدوات ودراية؛ وثانياً، يأتي التناول من باب لا يبعد كثيراً عن تصفية الحسابات الشخصية ولو عن بعد! نعم يحدث ذلك. ليس شرطاً أن تعرف من تريد ممارسة البذاءة والتطاول عليه؛ مادمت وجدت «جنازة تلكم فيها» هذه المرة ولن تكتفي «باللطم»، على رغم أنها ليست جنازة أساساً!
فلا الأدوات النقدية تم إعمالها برزانة وإنصاف؛ ولم يُتح للنقد الغائب أساساً - عربياً - من حيث منهجيته أن يكون على مسافة لابد أن يوجدها في لغة الخطاب الذي يدّعي إمكانات وقدرات خارقة لتحقيق تلك الممارسة، وكل ما يمكن أن يخرج به القارئ قبل المعنيّ بتلك الوجبة من الردح؛ هو إمعان في الإسفاف والتجريح والتعامل مع صاحب النص قبل النص باعتباره جنازة تستحق «اللكم»!
أبسط ما يغيب عن أولئك، أن النقد ليس بذاءة وتطاولاً !
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4508 - الجمعة 09 يناير 2015م الموافق 18 ربيع الاول 1436هـ
طول اللسان والبذاءة اصبح لها سوقا رائجا في البلد
هكذا اصبح حال البلد اصحاب اللسان الطويل والشتامين والنمامين هم من سوقهم رائجة في البحرين خاصة اذا كان السب والشتم موجه للطائفة الشيعية
كلام جميل
نحن في بلد الاكثرية يسبون ويلعنون طائفة لاخر وعكس ولا ننسى الي يسبون الصحابة ويلعنونهم
نظرية جعفر الجمري
لنقد نجده في الفسلفة و في الكوميديا الساخرة سواء و يحتوي الأثنان على تطاولات و أحيانا كثيرة بذاءات كما عبر عنها الكاتب. لكن المهم هو أن نجد في جوهر النقد أرضية صلبة و تسمية الأشياء بمسمياتها بدون "قفز و هروب" و عبث "بوعي الناس الذي لا يحتاج أصلاً إلى العبث به".