الحب في زمن الحرب، وخصوصاً حين يكون الحب بين اثنين من طائفتين مختلفتين، وليس الاختلاف فحسب، لم تخل بلدهما والأمكنة من الحروب والقتل المتبادل، وفي أهون الأحوال، الإقصاء والإلغاء. ذلك ما تأخذنا إليه رواية ميرزا وحيد "كتاب أوراق الذهب"، والعنوان مستمد من طبيعة الفن الذي ساد في سريناجار بمنطقة كشمير المتنازع عليها بين باكستان والهند، ويعرف بفن الورق المُعجّن، وهي طريقة مختلطة تتم بالورق المطلي بالألوان مع إضافة منمنمات وفنون خطية، وأحياناً تطعّم بزخارف ورسومات مصغَّرة، ضمن إرث خلّفه المغول في كشمير، وظهر في القرن الخامس عشر الميلادي في عهد السلطان زين العابدين.
في الرواية ما يمكن أن يوحي بضرورة الحيلولة بين الناس والحب في زمن الحروب، وهو تماماً ما كتبه شيترا راماسوامي، في صحيفة "الغارديان" بالقول: "والحب يجب أن يكون من النوع الذي يولد بعيداً عن الحرب. أن يمنع، فهو موضع للإحباط واليأس، في ظل تلك الظروف، ويجب أن يكون محكوماً عليه بالفشل".
قصة حب بين فتاة سنية، وشاب شيعي، هكذا يرد في "التلغراف"، في ما كتبه أنتوني كومينس بتاريخ 23 ديسمبر/ كانون الأول 2014؛ فيما راماسوامي في "الغارديان" يعكس الأمر، فيما يتعلّق بمذهب العاشقيْن!
كانت الرواية الأولى لميرزا وحيد (المتعاون)، والتي صدرت في العام 2011، وصفاً للتعذيب والمعاناة في ظل حظر التجوال العسكري، والتي صوَّرت القتال في تسعينيات القرن الماضي، في منطقة كشمير المتنازع عليها بين باكستان والهند، وذلك من خلال صبي قروي، وتنامي خيبة الأمل التي أشعلت المواجهة بين قوات الاحتلال الهندية والمقاتلين الذين تدرَّبوا في باكستان.
رواية وحيد الجديدة "كتاب أوراق الذهب" ترجع إلى المرحلة نفسها من الصراع؛ ولكن هذه المرة في انتقالات الإبقاء على سفك الدماء ضمن خلفية رومانسية وتحدث وقائعها ونصّيتها في مدينة سريناجار.
روهي (لها أصل عربي، وتعني أوراق المصحف القديم)، امرأة سنية شابة، وفيز، شاب شيعي يمارس الفن على الورق المعجّن، هما عاشقان تقريباً - ويحاولان الحفاظ على سرية الغزل والعبث بينهما - عندما يحاصر الجنود الهنود مدرسة روهي القديمة لاستخدامها كقاعدة لشن حملات الاختطاف والقتل.
في رواية وحيد الأولى "المتعاون"، ثمة نَفَس صحافي في درجة الحماسة التي غلبت عليها لشرح الأوضاع في كشمير؛ لكننا هنا نهوي في الحدث ضمن تاريخ محدد، من خلال تحشية العمل بشكل جذاب ولامع. يضعنا وحيد في كثير من المواكبة؛ من خلال قطع الروائي العلاقات بين روهي، وفيز وأسرتيهما ومعلميهما السابقين، تلك التي تمّتْ في المدرسة. الفقرات الفرعية تتكاثر - ويبدو من السهل أن تبلغ الرحلة في الانتقالات تلك غايتها، مع تقديمات سريعة باتجاه سبك الأحداث.
ما يبقينا على اتصال بالقراءة هي القصة. الاحتلال يحفز فيز على عبور الحدود إلى باكستان وحمل السلاح. روهي تنتظر عودته، ويتم تهريب رسائل الحب عبر نيبال، وفي جانب آخر من الكواليس، تتخذ القوات الهندية إجراءات أكثر صرامة. وما يجعل جزءاً من القصة حياً، يتعلم فيز صنع قنبلة "فوجئت ... بالعلاقة القوية والبشعة بين فيز والمواد المتفجرة ... ثمة كذب في الثنايا، يبدو تماماً مثل الطحين أو العدس.
يذكر، أن فن الورق المعجّن، طريقة مختلطة تتم بالورق المطلي بالألوان، مع إضافة منمنمات وفنون خطية، وأحياناً تطعّم بزخارف و رسومات مصغرة.
وفن الورق المعجّن إرث خلّفه المغول في ولاية كشمير، وظهر في القرن الخامس عشر الميلادي في عهد السلطان زين العابدين، الذي قضى سنوات في السجن في سمرقند في آسيا الوسطى. وما إن اعتلى العرش في كشمير حتى بذل محاولات حثيثة ومستمرة لإدخال فن صناعة حافظات الأقلام المعروفة باسم "كاريكالامدان" في مملكته.
من ناحيته كتب شيترا راماسوامي، في صحيفة "الغارديان" بتاريخ الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 متناولاً الرواية بالقول في تقديمه "كل قصص الحب التي تتم في زمن الحرب يجب أن تكون خاضعة للتفاوض مع وجودها في بيئات وتضاريس خطرة. لماذا نهتم بقصة عاشقيْن أحبطت علاقتهما في خضم كثير من الموت واليأس؟ يجب على روايات الحب العظيمة في زمن الحرب أن تغذي الموضوعات التي تسبب إزعاجاً وقلقاً في الوقت نفسه. والحب يجب أن يكون من النوع الذي يولد بعيداً عن الحرب: أن يمنع، لأنه موضع للإحباط واليأس، ويجب أن يحكم عليه بالفشل.
الرواية الثانية لميرزا وحيد، تقتفي أثر روايته الأولى "المتعاون"، والتي كانت على القائمة القصيرة للترشح لجائزة "الغارديان" للكتاب الأول، تبدأ بشكل كلاسيكي بقصة حب تدور أحداثها في تسعينيات القرن الماضي في منطقة كشمير. فيز شاب جاد يقوم بدعم عائلته السنية الكبيرة في سريناجار (أنتوني كومينس في التلغراف يشير إليه باعتباره شيعياً) حيث نشأ الروائي وحيد في المنطقة نفسها، التي تعتمد على رسم مئات اللوحات شهرياً بقلم الرصاص، وتتم تعبئتها في صناديق لتشحن إلى كندا؛ حيث باستطاعة الفن أن يسافر إلى أي مكان في العالم؛ ولكن الناس لا يستطيعون.
راماسوامي في تقديمه للرواية يقع في التباس واضح بجعل روهي شيعية، بعكس تقديم أنطوني كومينس في "التلغراف".