العدد 4503 - الأحد 04 يناير 2015م الموافق 13 ربيع الاول 1436هـ

معنى أن تنتظر

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

الذين لا ينتظرون أحداً... شيئاً، في حِلٍّ من الترقُّب والقلق. ألاَّ تنتظر أحداً فأنت في راحةٍ من العبء. عبءُ مضمونِ وما سيثمر عنه ذلك الانتظار. وألاَّ تنتظر أحداً فأنت - فيما يبدو- في سعَةٍ من أمرك، وفي مدىً من وقتك وحركتك؛ على الأقل سعة ومدى لا تصطدم فيه مع القلق، الذي هو محصّلة من محصلاته في كثيرٍ من الأحيان؛ وفي أحيانٍ كثيرة، يتحول القلق إلى وساوس!

والذين هم عرْضةٌ للانتظار، مثقلون بتصوّر نتائجه، والثمار التي سيخرجون بها، والمحصلات. لا انتظار يتم ويحدث من فراغ. إنه رابطٌ ما، وعلاقةٌ حسنت أو قبحت. مآلها الخير أو الشر. غنائم أو خسارات. يتيح خياراتٍ مفتوحةً ومتعددة، أو يعمل على تقليص أو إلغاء ما تبقى منها. أن يحصّن قلباً وعواطف أو يفطره.

وفي الانتظار درسٌ وكلامٌ وتخيلٌ واستدعاء. كل ذلك من أجل أن تكون في أفضل هيئةٍ ومضمون، بالطريقة التي تعتقد، وأحياناً تتوهم، أنها التي تمثلك أمام طرف وموضوع الانتظار.

ننجح في كثيرٍ من نتائج الانتظار الذي نتعرض له أو نوضع فيه بطولِ وامتداد مسيرتنا في الحياة، ونفشل في كثيرٍ أيضاً. يكسبنا الذي ننجح فيه مزيداً من الثقة والبناء عليها، وقد يكسبنا الفشل في بعضه نجاحاتٍ قادمةً بفضل تحديات مع أنفسنا واكتشاف طاقاتنا؛ أو العمل على اكتشافها؛ وقد تؤدي بنا نتائج الفشل أحياناً إلى تقرير نهاياتنا وعجزنا؛ تبعاً لحجم الصدمة، وقدرة أيٍّ منا على امتصاصها وتحمّلها.

وفي الأديان والمِلل والنِحَل، انتظارٌ لملهمٍ ومخلّصٍ ومنقذٍ ومصحّحٍ للمعوجّ من الحياة والعلاقات والأخلاق. انتظارٌ ينطوي على فلسفةٍ تتباين في النظر إلى تلك القيمة واستثمارها، وتوظيفها في حركة الحياة، إبداعاً ومكافحة بالأدوات المتاحة لذلك المعوّج، وتمهيداً لاشك أنه سيُسرّ به طرف الانتظار ذاك، كلٌ ضمن معتقده وقناعاته، والصيغة التي يتعامل بها لتحقيق فضاءٍ إيجابي، وممارساتٍ معقولةٍ لا تنفصل بحالٍ من الأحوال عن الانتظار وفلسفته، بعدم تعطيل الحياة؛ وإشاعة حال من التواكل المخزي الذي يركن الحياة جانباً، الحياة في حركتها ومتطلباتها والشروط التي تضعها؛ كي تكون حياً بما تنجز وتحقق وتظفر به في تلك الحركة؛ في التزامٍ بمنظومةٍ أخلاقيةٍ هي محل إجماع لدى الأسوياء من البشر؛ لا المنحرفين والانتهازيين.

مأساة البشر اليوم؛ وفي أديان ومذاهب وملل ونحل، أن الانتظار بالنسبة إلى غالبيتهم، انتظارٌ لمن يرفع العبء الذي راكمواه؛ والخراب الذي أحدثوه، والفشل الذي يلازمهم، والضعف والتشرذم الذي صنعوه، والقلق الذي أنتجوه، والفراغ الذي انسجموا معه، والوهم الذي لا يريدون أن ينفصلوا عنه. في انتظار من يقوم بتصحيح كل ذلك، وكأنهم بذلك يوصدون الأبواب في وجه من ينتظرون ويتطلعون إلى الخلاص على يديه.

والمأساة الأكبر تكمن في أن غالبية من تلك الغالبية لا تقر بواقع وحقيقة كل ذلك، وترى اطمئنانها وراحة ضميرها، بالاكتفاء بالإيمان بطرف الانتظار، ويرون المعوج من حولهم وضعاً يتناسب مع «بشريتهم»، وطاقاتهم المحدودة، مهما ضخمت وكبرت، أمام طاقات وقدرات من ينتظرون في تسخيفٍ وتعطيلٍ لطاقاتهم الحقيقية من جهة، وتواكلٍ في أسوأ درجاته، خصوصاً حين يصدر عن ذهنيةٍ جمعيةٍ عاطلة عن المبادرات والإيجابي من التفكير.

ما الانتظار بعد كل ذلك التوصيف؟ أن تحيا كما يجب، وأن لا تكف عن المبادرات والمحاولات؛ ولو قبل قيام الساعة باليسير من وقت.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4503 - الأحد 04 يناير 2015م الموافق 13 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:54 ص

      الانتظار

      بنت الكاتبة معنى الانتظار على كونه ثِقَلا يتوجّب التخفّف منه ، هو لا يعني فئة من الخَلق هي بمنأى عنه ، بل يهمّ قئة تترقّب مآلات ما صنعت و ثمار ما غرست .
      هكذا يتّصل الانتظار بالكادحين الزارعين الحاصدين ، و يتبرّا من الخاملين الرقَدة . أليس الانظار بهذا التصوّر فاصلا بين لحظتين ، و استراحةَ محارب يأخذ نفسا ، و يترقّب مآل صنيعه إن ربحا أو خسارة .
      أما من صيّر الانتظار أملا في التخفّف من وِزر يرفعه عنه مخلِّص ما ينتَظَر قدومُه ، فذاك مكمن العجز و الاستسلام .

    • زائر 2 | 2:55 ص

      ما اروع مقالاتك الاخيرة

      نتمنى ان تسعى الوسط دائما لاستقطاب كتاب الأعمدة في غير الشأن السياسي فنحن في أمس الحاجة لهذا التنويع بعد أن غزت السياسة كل الصفحات وكل الحياة.
      نحن بحاجة لمتنفس نظيف يكتب بلغة راقية كما تكتب بها الكاتبة والكاتب محمد عبدالله محمد وأحيانا الكاتب جعفر الجمري.
      شكرا لك لاننا نقرأ جمال مقالاتك مع قهوتنا المرة.

    • زائر 1 | 1:18 ص

      هذا التوصيف

      تبدو الكتابة في موضوع له علاقة بعمود القلق السابق و هي تصل موضوعاتها بعضَها ببعض بخيوط نسج متينة .
      تعرض الكاتبة في هذا و ذلك طروحات فلسفية لكنها في عمق الشواغل اليومية من هموم الحياة .
      جاءت المقالة وفق خطة وضُح مَسيرها و انتهت بنا لتصنبف المهمومين بالانتظار ، ِفهم معناه في حياة الناس ، وتوضُّح سيّئاته لجعلها معاني إيجابية تبني الحياة .
      قامت المقالة على بعد فلسفي لكنها في عمق أعماقها استقامت على حديث نبوي شريف " إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل "

اقرأ ايضاً