العدد 4501 - الجمعة 02 يناير 2015م الموافق 11 ربيع الاول 1436هـ

صباح شمسك لا تغيب...

المنامة - عبدالنبي العكري 

02 يناير 2015

«صباح شمسك لا تغيب» سفيرة النجوم فيروز في تعزيتها المرفقة بباقة ورد مرسلة لكنيسة الروم الأرثوذكس في بيروت للصلاة على راحة نفس صباح (جانيت جرجس فغالي). أول مرة عرفت فيها صباح كان خلال مهرجانات بعلبك في صيف 1965، حيث أخذنا طلبة البعثات في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث أدت الشحرورة صباح الدور القيادي في المسرحية الغنائية للرحابنة «دولاب الهوا» إلى جانب الفنان نصري شمس الدين. وكانت ليلة من ليالي القمر حيث استمتعنا بالفن الراقي بأغاني الثنائي صباح ونصري شمس الدين، إلى جانب فنانين سيصبحون ذوي شأن مثل ملحم بركات وسمير يزبك وفرقة الأنوار للرقص. وقد كان العرض اللبناني خلال مهرجان بعلبك العالمي الذي كانت تشرف عليه السيدة الراقية مي عريضة، مقاربة بين فرقة الرحابنة وسفيرة النجوم فيروز، وفرقة الأنوار والصبوحة، وبالفعل فقد حضرت عروض الفرقتين. أذكر أنني التقطت صورة للصبوحة بعد انتهاء العرض وكان ذلك ميسراً في أيام الزمن الجميل.

المرة الثانية التي التقيت فيها صباح كانت أثناء المهرجان الأول للسينما العربية في سينما الحمراء ببيروت في ربيع 1966 برفقة زميل الدراسة الصديق عبدالرحمن جمشير. وبعد عقود حضرت لها مسرحية غنائية «كنز الأسطورة» في بيروت وكانت بدون حبكة وتعتمد فقط على تشكيلة من الرقصات ومنها الدبكة بأداء زوجها الأخير فادي لبنان، ويقال إنها قامت ببطولة المسرحية الغنائية إرضاء لزوجها الشاب.

صباح أدخلت الفرح لقلوب أجيال عربية في الوطن العربي الكبير من المغرب حتى البحرين، وبالفعل فقد أحيت حفلاً فنياً في سينما أوال في البحرين في الستينيات، وغنت في العديد من العواصم العربية.

صباح عاشت معظم سنوات عمرها وإبداعها بين مصر ولبنان، حيث ذهبت إلى مصر في عمر مبكرة 18 عاماً أي في العام 1945. وهي من مواليد 1927، حيث لفتت بموهبتها المنتجة السينمائية آسيا داغر، والتي أنتجت لها العديد من أفلامها، وصباح متعددة المواهب فهي مغنية وتجيد الغناء باللهجة المصرية واللبنانية والعربية الفصحى، وهي تجيد الغناء الفلكلوري اللبناني والعاطفي والوطني فقد غنت في أوبريت الوطن الكبير الذي قاده فنان الأجيال محمد عبدالوهاب، وقد لحن لها كبار الموسيقيين في مصر مثل رياض السنباطي الذي أعطاها اسم صباح وفريد الأطرش ومحمد عبدالوهاب وبليغ حمدي. كما غنت منفردة، فقد غنت دويتو مع أساطين الغناء مثل فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ ووديع الصافي ونصري شمس الدين ومن الملحنين اللبنانيين روميو لحود وملحم بركات. كما كانت مطربة آسرة، فقد كانت استعراضية لامعة فقد شاركت بعدد من المسرحيات الاستعراضية الراقصة، مثل «دولاب الهوا» على مدرج بعلبك مع فرقة الأنوار في الستينيات، و «فينيقيا» مع فرقة روميو لحود في منتصف السبعينيات على مسرح الألومبيا في باريس وكارنجي في نيويورك ودار الأوبرا في سيدني وقصر الفنون في بروكسل وقاعة ألبرت هول في لندن ولاس فيغاس في نيفادا بالولايات المتحدة الأميركية، فقد كان معروفاً عن فرقة روميو لحود شهرتها وجولاتها العالمية. وقد أدت الفرقة إحدى عروضها في صيف 2010 على مسرح قلعة عراد بالمحرق.

كما برعت في الاستعراض فقد كانت ممثلة موهوبة مثلت في 83 فيلماً مصرياً ولبنانياً، بدور البطولة إلى جانب عمالقة السينما المصرية مثل فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ، ورشدي أباظة ويوسف شعبان على يد كبار المخرجين مثل بركات وصلاح أبوسيف.

قيل الكثير عن زيجات صباح التسع ومع أزواج متنافرين فمنهم الفنان عازف الكمان أنور منسي والد ابنتها هويدا والممثل رشدي أباظة والممثل يوسف شعبان والفنان وسيم طبارة والراقص فادي لبنان والمذيع أحمد فراج (المحافظ) والأمراء خالد بن سعود آل سعود وعبدالله المبارك الصباح والنائب المليونير يوسف حمود وهو أوفى أزواجها، وأول أزواجها وقريبها نجيب شماس والد ابنها الأول دكتور صباح. لكن الأكيد أن أكثر أزواجها هم من طمعوا في زواجها إما للشهرة أو المال. وكانت صباح سخية معهم جميعاً لم تبخل بحبها ولم تطلب شيئاً منهم.

وصباح المسيحية تزوجت من مسلمين ومسيحيين، عرب من مختلف الجنسيات، ما يدل على عدم عصبيتها، لكنها لم توفق في زيجاتها التي لم تعمر طويلاً. لكن ذلك طبيعي لعدد من الفنانين الذين لا يعيشون حياة مستقرة وتتداخل مغامراتهم العاطفية مع الأفلام والأعمال الفنية التي ينغمسون فيها حتى يلتبس الدور على الواقع.

صباح فنانة متفائلة ومعظم أغانيها ذات طبيعة متفائلة بل العديد منها فكاهي يدخل الفرح على المشاهد أو المستمع، بل إن أغنية «حبيبة أمها»، التي غنتها لابنتها هويدا تعتبر آية في السمو والجمال والتغني بعاطفة الأمومة. وفي مقابلة تلفزيونية مسجلة في العام 1966 عبّرت صباح عن رغبتها في الانسحاب تدريجياً من الساحة الفنية والتفرغ لتربية ابنها صباح وابنتها هويدا، وتأكيدها أن أكثر ما يسرها ليس الشهرة بل أن ترى نفسها جدة وقد تزوج وأنجب ابنها صباح وابنتها هويدا.

للأسف وكعادة العرب، فما أن تهاوت صباح في هوة المرض حتى نسوها وتنكروا لها، بحيث هجرها حتى أهلها واضطرت لبيع فيلتها في الضايع، والاستقرار في فندق متواضع حيث توفيت فجر الأربعاء 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وحيدة. وكانت وصيتها احتفلوا بوفاتي بفرح، فإنها تكره الحزن. وبالفعل فقد كانت جنازتها مترافقة مع رقص الدبكة على وقع أغنيتها المشهورة «جيب المجوز يا عبود» فما أحلاه من تشييع وما أحلاها صباح في حياتها ومماتها.

العدد 4501 - الجمعة 02 يناير 2015م الموافق 11 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً